مقالات

الذكاء الاصطناعي (حصاد 2023 وتحديات المستقبل) .. الجزء الأول

يُمكن وصف سنة 2023 بأنها السنة التي لعبنا فيها بالذكاء الاصطناعي، في معية عدم التأكد مما يجب فعله حيال تطوراته ومردوداته! هذا ما عبرت عنه عالمة الحاسوب الأمريكية (الصينية المولد) «فاي-فاي لي» (Fei-Fei Li) بقولها: «أود أن أصف هذه اللحظة بأنها لحظة انعطاف، نأمل أن تُذكر سنة 2023 في التاريخ بالتغيرات العميقة التي طرأت على التكنولوجيا بالإضافة إلى الصحوة العامة، كما أنها تُظهر مدى فوضى هذه التكنولوجيا، لقد كان عامًا يكتشف فيه الناس ما هذا، وكيف يُمكن استخدامه، وما تأثيره الطيب والسيئ والقبيح»!

ولا غرو، ففي السنة المنصرمة تغلغل الذكاء الاصطناعي حقًا في تفاصيل حياتنا اليومية كافة، وسواء أكان الأمر يتعلق بتأثير الذكاء الاصطناعي على الإنتاجية والتعليم والتوظيف والاستثمارات وغيرها، أو بنشأة عوالم افتراضية لا نعرف بعد حدودها ومحتواها، فقد بات واضحًا أن قواعد البيانات الضخمة (Big Data)، والروبوتات، والمركبات ذاتية القيادة (Self-Driving Vehicles)، والمساعدين الرقميين الافتراضيين (Virtual Digital Assistants)، وأنظمة البحث والتعرف على الصوت، وتشات جي بي تي ChatGPT))، إلخ، كلها لديها القدرة على تشكيل المستقبل، ويبدو أن الطريق ما زال طويلًا ووعرًا!

في البداية، استخدم الناس هذه الأدوات لأنهم كانوا مهتمين بالذكاء الاصطناعي التوليدي أو لأنهم أرادوا الترفيه. الآن، يطلب الناس من الذكاء الاصطناعي التوليدي المساعدة في البحوث والدراسات، أو في الحصول على المشورة، أو استخدامه للعثور على المعلومات أو تجميعها، وتشمل الاستخدامات الأخرى الحصول على مساعدة في البرمجة أو إنشاء الصور أو مقاطع الفيديو أو الصوت. ويقدم من يُعرفون باسم «أصحاب الهمسات السريعة» (Prompt Whisperers) أو «المهندسون الفوريون» (Prompt Engineers) أدلة، ليس فقط حول تصميم أفضل مطالبات الذكاء الاصطناعي، لكن أيضًا حول كيفية مزج خدمات الذكاء الاصطناعي المختلفة لتحقيق مخرجات خيالية.

أولًا: الزخم الاقتصادي

في سنة 2022 بلغت القيمة السوقية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي العالمي 136.55 مليار دولار، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم في السنوات السبع القادمة أكثر من ثلاث عشرة مرة، وأن يزداد بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) يبلغ 37.3 في الفترة من 2023 حتى 2030، ليصل إلى 1.811.8 مليار دولار. من المتوقع أيضًا أن يساهم الذكاء الاصطناعي بمبلغ 15.7 تريليون دولار أمريكي في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، أي أكثر من الناتج الحالي للصين والهند مجتمعتين، إذ تتركز أعظم المكاسب الاقتصادية من تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي في الصين التي ستتلقى زيادة بنسبة 26٪ في الناتج المحلي الإجمالي، تليها أمريكا الشمالية (زيادة بنسبة 14.5٪)، بإجمالي 10.7 تريليون دولار وتمثل ما يقرب من 70٪ من التأثير الاقتصادي العالمي.

من جهة أخرى، وبحلول سنة 2025، من المتوقع أن يعمل ما يصل إلى 97 مليون شخص في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ تبلغ نسبة الشركات العالمية التي أعلنت أن الذكاء الاصطناعي يمثل أولوية قصوى في خُطط أعمالها نحو 83% من إجمالي عدد هذه الشركات، ومنها على سبيل المثال شركة «نتفليكس» (Netflix) التي تُوفر ما يصل إلى مليار دولار سنويًا بفضل محرك التوصيات (Recommendation Engine) الذي يحول دون استغناء المشتركين عن خدماتها الترفيهية. كذلك تبلغ نسبة الشركات التي تستخدم أحد أشكال الذكاء الاصطناعي للاستفادة من البيانات الضخمة استفادة فعالة نحو 48%، ويستخدم ما نسبته 38% من مقدمي الخدمات الطبية أجهزة الحاسوب وتقنيات الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا من إجراءات التشخيص.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

في المقابل، قامت أكثر من 1100 شركة تكنولوجيا بتسريح ما مجموعه 250 ألف عامل حتى نوفمبر 2023، وفي مارس من السنة ذاتها، انهارت المؤسسة المالية التكنولوجية الكبرى «بنك وادي السيليكون» Silicon Valley Bank)) أحد أكبر المتعاملين مع شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة، انهيارًا غير متوقع، مما دفع بعدد كبير من هذه الشركات وغيرها من شركات التكنولوجيا الأخرى إلى التدافع لجذب المستثمرين المتحفظين. وبعد انهيار بورصة العملات المشفرة «إف تي إكس» (Futures Exchange FTX) في نوفمبر من العام الماضي (2022)، أُدين مؤسسها «سام بانكمان فريد» (Samuel Benjamin Bankman-Fried) بتهم متعددة تتعلق بالاحتيال والتآمر في نوفمبر 2023! وفي أكتوبر من سنة 2023 أيضًا أكملت شركة ميكروسوفت (Microsoft) عملية شراء شركة «أكتيفجن بليزارد» (Activision Blizzard) لصناعة ألعاب الفيديو بقيمة 69 مليار دولار، بعد عشرين شهرًا من الرقابة التنظيمية ومعارك مكافحة الاحتكار.

كذلك بذل المشرعون في الولايات المتحدة وخارجها جهودًا متجددة طوال سنة 2023 لحظر تطبيق الفيديوهات القصيرة «تيك توك» (TikTok) المملوك لشركة التكنولوجيا الصينية «بايت دانس» (ByteDance)، بناءً على حجة مفادها أن الشركة تشكل تهديدًا أمنيًا يتمثل في إمكانية نقل بيانات المستخدمين الأمريكيين الذين يبلغ عددهم أكثر من 150 مليون مستخدم نشط شهريًا إلى الحكومة الصينية. وفي نوفمبر الماضي، أعلنت شركة «أوبن إيه آي» (OpenAI)، المصنعة لروبوت المحادثة «تشات جي بي تي»، عن الإطاحة المفاجئة بالرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك «سام ألتمان» (Sam Altman)، الذي انتقل إلى ميكروسوفت (أحد كبار المستثمرين في «أوبن إيه آي»)، قبل العودة إلى «أوبن إيه آي» في غضون أيام، وذلك على خلفية التوترات المتزايدة بين الجانبين غير الربحي والربحي للشركة، إذ أصبح الجانب غير الربحي مهتمًا اهتمامًا متزايدًا بسرعة التطوير لاستيفاء عناصر الحذر والسلامة في تطوير الذكاء الاصطناعي، وهو عكس توجه الجانب الربحي الذي يتزعمه «سام ألتمان»، الذي كان يرغب في البقاء في مقدمة السباق بهدف زيادة القيمة السوقية للشركة قبل طرحها في البورصة، والتحول من مؤسسة بحثية إلى شركة مربحة!

أما على مستوى الوطن العربي، فثمة محاولات عربية متنوعة وجادة من أجل اللحاق بموقع متقدم ضمن تلك المنافسات الدولية، إذ توقع تقرير للمنتدى الاقتصادي الدولي في أبريل 2023، أن تحقق منطقة الشرق الأوسط مكاسب اقتصادية تصل إلى 320 مليار دولار بحلول سنة 2030 بالاعتماد على الذكاء الصناعي. ويمثل هذا الرقم، وفق تقرير شركة الخدمات المهنية «برايس ووترهاوس كوبرز» PricewaterhouseCoopers PwC))، اثنين في المائة من إجمالي الفوائد العالمية للذكاء الاصطناعي في سنة 2030، بحيث يسهم القطاع بنحو 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول ذلك العام. وتبرز كل من المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والمغرب كونها دولًا واعدة في مجال تطبيقات الذكاء الاصطناعي واستثماراته.

يتبع…

مقالات ذات صلة:

الأبعاد المنطقية للذكاء الاصطناعي

ما السر المخيف الذي تخبئه (OpenAI)؟!

كيف سيتعلم الناس سنة 2050؟!

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. صلاح عثمان

أستاذ المنطق وفلسفة العلم – رئيس قسم الفلسفة – كلية الآداب – جامعة المنوفية