مقالاتقضايا شبابية - مقالات

ما يجب على الشباب تجاه مجتمعاتهم .. كيفية تكوين شباب يصلح للقيادة

الشباب داخل المجتمع :

“إن نهضة أي أمة مرهونة بحركة الفكر فيها”

محمد العدوي – روائي وطبيب

التاريخ هو قوة عظيمة يصنعها ويسطرها الإنسان، وعلاقة الإنسان بالتاريخ على نوعين: الأول إنسان يأقلم ذاته على الواقع، والآخر يأقلم الواقع على ذاته وهذا النوع هو الذي يحرك التاريخ ويصنعه.

والتاريخ هو يوميات المجتمعات والحضارات، يسجل مساعيها نحو الأمام ويسجل سقطاتها التي ترمي بها في القاع، وكما قلنا الإنسان المثابر المكافح هو من يصنع هذا التاريخ ويحركه ويساهم في ترسيخ دعائم مجتمع مستنير يكون منارة للمجتمعات الأخرى وشعلة من الأمل والإلهام.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أي مجتمع تقاس قوته بالطاقة الشبابية التي يملكها، فالشباب هم من يديرون المجتمع إما بأنفسهم أو بتوجيهات من آخرين، والمجتمع الواعي هو الذي يكرس مجهوداته في صنع شباب منتمٍ للمجتمع واعٍ بقضاياه مشفق على المستضعفين يهمه مصلحة المجموع أكثر من مصلحة الفرد.

فإذا حدث أن خلا أي مجتمع من الهيئات التي تدعم وتقدم تلك النوعية من الشباب وجب على كل من يستشعر الخطر أن يقوم هو بتلك المهمة ويتأهل لقيادة المجتمع وإخراجه من ظلمات الجهل والجبن والأنانية والشهوة.

فإن أى إنسان عندما يبحث عن مكانه في العالم سيجد أن لديه واجبات وعليه حقوق في ثلاث دوائر: الدائرة الفردية والدائرة المجتمعية والدائرة العالمية،والإنسان الواعي هو من سيربط بين تلك الدوائر ويحدد خصائصهم ومستلزمات كل مجموعة يجد نفسه فيها لتكون حركته منتجة له ولغيره.

الشباب الذي سيدرك ضرورة القيام بالإصلاح لابد أن يسير بمجموعة من القواعد المهمة:

أولا: التعلم

تحصيل المعرفة اللازمة التي تؤهلني لأن أكون أيقونة مجتمعية، أن أكون عارفا بآلام المجتمع واحتياجاته، بالحجج التي سأنتقي منها لمخاطبة الآخر، عارفا بالهوية الحضارية التي سأبني عليها المجتمع وخصوصياته الحضارية ومشتركاته الإنسانية، أن أفهم الظروف المحيطة للوطن الذي أعيش فيه، وأفهم أن كل الأحداث مرتبطة وأحاول أن أجد هذا الرابط دوما،ومن المهم بالطبع دراسة التاريخ لأن الماضي هو ما صنع الحاضر والحاضر هو إرهاصات المستقبل.

إن علوما كالمنطق والفلسفة لما تحتويها من مباحث كالمعرفة والأخلاق يمكن أن تكون أساسا جيدا ينطلق منه الشاب لبناء بنيان معرفي يؤهل لأن يكوّن نخبه مجتمعية موثوق فيها من الآخرين.

ثانيا: تحمل المسئولية

إذا كنت قد عايشت واقعا الفراغ النخبوي الذي يعاني منه المجتمع وقررت أن تتقدم لكي تملأ هذ الفراغ يجب أن تتحمل المسئولية الفردية والمجتمعية والعالمية لقرارك هذا،ويجب أن تتوقع أن التحديات التي ستقابلك ستكون متناسبة مع المسئولية التي قررت أن تتحملها، وأن تنتظر أيضا المغريات التي ستحاول أن تثنيك عن طريقك أو تشوه لك هدفك وتستخف به.

إن الشاب المصلح قد يندهش عندما يجد المجتمع الذي يعمل من أجله هو أول المهاجمين له، ولكن لنتصور أن طبيبا فهم مرضا غير مألوف عند بعض المرضى وأقبل عليهم ليعالجهم هل سيتركوه؟ كلا سيرمونه بالوهم والجهل مهما قال لهم لكن المسئولية المهنية والإنسانية لا يجب أن تثنيه عن استكمال علاجهم وتطيبهم.

ثالثا حضور العقل والفهم دائما:

الشاب المصلح سيقابل العديد من المواقف سواء كانت اجتماعية أو عالمية، ستتطلب منه أن يأخذ رد فعل معين، حذارِ من سرعة اتخاذ القرار خاصة أنك كنخبة سينظر لك الآخرون ليقتدوا بفعلك ويسترشدوا برأيك، الفهم ثم الفهم ثم الفهم التصور قبل التصديق كما يقول المناطقة، أن أفهم الوضع وأحلله جيدا حتى أتمكن من اتخاذ الموقف الصحيح المناسب.

تذكر أن الموقف الصحيح والتصرف الأمثل ليس بالضرورة هو ما يوافق إجماع الناس ويستحصل على رضاهم.

لا بد أيضا أن أختار الآليات الصحيحة لتبيان الحق، لا أكن انفعاليا أو عاطفيا، فالشباب كثيرا ما يغلب عليه الجانب الانفعالي وهو جميل لكن يجب أن يخدم الحق في النهاية؛ فالحق هو ما يحدد لي إذا ما كنت أنفعل تجاه تلك القضية أم لا وكيف يكون انفعالي مقبولا بحيث لا أحيد عن قيم أخرى كالصبر واستيعاب الآخر والتأدب في الخطاب.

رابعا: الاستعداد للتضحية

لا يمكن إتمام أي عمل عظيم بدون تضحية، ولنؤكدعلى ذلك فلننظر للفلاسفة والمفكرين والأنبياء الذين ساهموا في حركة التاريخ، من منهم كان منعما هانئا غارقا في الرخاء والترف؟! كل العظماء عانوا من أجل مجتمعاتهم، إن هذه اللحظة التي أنت فيها الآن إذا نظرت حولك ستجد بين عشرات ومئات من الأدلة أن وجودك يدين لتضحيات الأولين وصبرهم.

الأنانية وإصلاح النفس أو الآخر هما نقيضان لا يجتمعان، فلإصلاح نفسي يجب أن أضحي بشهواتي في سبيل تحصيل قيمة العفة مثلا، ولإصلاح مجتمعي يجب أن أضحي بساعات نومي أو وجباتي المعتادة أو حب الكسل وشهوة الراحة، لا يمكن إتمام عمل عظيم دون تضحية كما قلنا من قبل، وعلى قدر تضحياتك تكون قيمة انتصارك.

خامسا: فهم سنن التغيير

إن مشكلة الواقع الحالي الذي نعيش فيه هو ثقافة “عصر السرعة” التي قد تتجلى بشكل صارخ في مفهوم “takeaway” الذي يخص المأكولات السريعة، هذ الثقافة سلبت منا مفهوم الصبر وأفسدت علينا متعة الحياة.

حقيقة الحياة لا يمكن فهمها من هذا المنطلق وتلك الثقافة، فالرجل لا يمكن أن يكون رجلا في ليلة بل يحتاج إلى شاب وفتاة صالحين يجتمعان في رباط الزواج المقدس ليتكون في الرحم شيئا يمكن أن يكون إنسانا ليخرج إلى النور بعد عدة أشهر ويحتاج إلى أربعين عاما ليكون رجلا، كل هذه الظروف وكل هذا الوقت لتكون رجلا، الثمرة التي تأكلها تحتاج لمزارع مخلص محب وأرض خصبة قابلة لاحتضان البذرة وتنميتها وتحتاج إلى عناية وسهر وسقاء ومراقبة وحماية حتى تثمر وتينع فتلتقطها يد لتشتريها أنت فتأكلها بالهناء والشفاء، فما بالك بإصلاح المجتمع؟ ما بالك ببناء الإنسان؟

سادسا: السعي للقيادة

يغلب على الناس ولا أعلم هل هو إنكار ذات أم هروب من المسئولية أن يتخلوا عن أي منصب قيادي أو موقع مسئول، فلذلك قد لا يجد الشباب من يقودهم ويوجههم ويربيهم لذلك-لخلو الساحة كما قلنا- يجب على الشباب أن يتولوا هذه المناصب،يجب على الشباب أن يسعوا للقيادة المسئولة المتمتعة بالعقلانية والأخلاق والفضيلة والرحمة والصدق.

في النهاية هناك قاعدة واحدة ننوه عليها ألا وهي أن الشباب المصلح هم خدام للناس فلا يجب أن نستعلي على الناس ونحتقرهم ونسفه أحلامهم ونشير إلى نقائصهم، بل نتوجه إليهم بالدعم ونتقرب إليهم ونتودد ونحبهم ونحتويهم ليس لمنفعة بل لأن تلك هي حقيقة الحال أن النصر لا يكون للقيادة إلا إذا تعلق بها المستضعف.

نختم أيضا بمقولة ل”دينيس ويتلي” مؤلف كتاب (برمجة العقل الباطن)

“أمامك اختياران في الحياة : أن تقبل الظروف كما هي, أو أن تقبل مسئولية تغيير هذه الظروف”

اقرأ أيضًا :

الشباب وكسر التابوه – هل الحركات الشبابية قادرة على التغيير في المجتمع ؟

هل هناك سبيل للتخلص من المعاناة ؟

البحث عن السبب الجذري للمشكلات