ما دمنا أحياء
قضت مسيرة الإنسان في الحياة، نحو هدف ما، أولتحقيق هدف ما، أو حتى في تعاملاته اليومية، أن يواجه أمواجا عالية، قد تجرفه بعيدا، أو تغرقه فيلقى حتفه. يلقى مشاكل مع أقرب الناس إليه، أو يرسب في امتحان ما، أو يخسر عقد عمله، أو ينزل به مرض خبيث، أو يفقد عزيزا لديه.
يجابه شيئا من هذا أو ذاك فتتساقط نفسه وتتداعى، يحس بتيار الغم يجتاحه من كل ناحية، وكأن الحياة على اتساعها قد توقفت وتوقف معها الزمن، وتلاشى كل شئ من مدى الرؤية. من منا واجه ذلك؟ بل السؤال الأحرى بالإجابة: من منا لم يواجه ذلك؟
إنها طبيعة الحياة الحتمية في جميع من يحياها. لكن أقف لأتساءل عن مدى قوة الإنسان، كم مرة يضرب سفينته تيار الانكسار؟ كم مرة يستطيعها أن ينهض لمواجهة آلامه؟ لمواجهة من أسقطه في بادئ الأمر؟ لمواصلة سيره بعد خسارة مودية مزقت نفسه، واخترقت عمق قلبه، وخدرت عقله، وشلت حواسه عن العمل؟
نعم إن خسارة كبرى تفعل ذاك كله بنا، تجعلنا مجرد ظل للحزن والهم، يحركاننا وفق توجيههما. ومع ذلك كله، هيأ لنا الحق-تبارك وتعالى-بداخلنا وسيلة العبور، ما دمنا أحياء ، آلية لتخطي ذلك، كلنا بلا استثناء، ووفق منهجية ونظام مهما استغرق العبور أو آلمنا. أما محاولات البعض العشوائية لتخطي آلامه وأحزانه أو تشتيتها، فقد يخسر فيها نفسه للأبد، أو يظل حبيس مآسيه للأبد.
ولأصل بك -قارئي الجليل-لهذه الوسيلة، أضرب لك مثل معركة يسقط فيها جندي إثر طعنة عميقة، يختار أن يبقى حيث هو بلا محاولة للفرار؛ فيتلقى طعنة أخرى أو يموت إثر نزيفه الحاد، يختار عدم الاكتراث أو المبالاة بطبيعة ما ألم به، فلا هو من يحاول إيقاف النزيف، ولا يحاول البحث عمن قد يساعده في ذلك.
تستطيع بكل وضوح الآن تصور مصير الجندي، ومعه مصير ألوف من البشر، لكن في معركة أخرى، في ساحة الحياة. هنا أعود لآلية عبورك واجتيازك، وعيك الداخلي، تذكرتك الوحيدة للخروج من متاهة يكونها حولك الحزن.
لن أعد بأن الأمر سيكون سهلا، وبلا مشاق أو متاعب، فأي أمر عظيم قدره، يأبى إلا أن يمهد طريقه بهما، لكن الوعد يكمن في الخروج. الفرار من استعمار الحزن الذي يستهلك الإنسان. حسنا ولكن وعيك بماذا يا ترى؟
وعيك يجب أن يحيط بهذه الأمور: حالتك الآنية، أبعاد الموقف الذي تواجهه، أدواتك المتاحة للمواجهة والتعامل، أو لاستئصال الأمر من جذوره إن كان لا يحتمل إبقاءه. إن أيا ماكان يهزنا من نوازل لا يعدم هذه أبدا، إلا أن يكون بلا وجود في الأصل.
خطورة الحزن تكمن في الغشاوة، يضعها على بصيرة ضحيته، فتحرمه الرؤية الواعية لحجم الحقيقة الواقعي، وأنى لطبيب لا يعرف الداء أن يعالجه؟! وقد يدفع الحزن بالإنسان واستغراقه فيه، جر هزائمه الماضية، أو سقطات سبق أن تخطاها، حتى تزهق نفسه في ذلك، يقول الأديب الرافعي: “لا يريد الهم منك أكثر من أن تريده، فيأتي”.
وفي الأثناء نفسها، تهب العاصفة على أشخاص آخرين، فتظهر لهم ذواتهم الحقيقية، وتقتلع عنهم الغبش الزائد المثقل لهم، تصقلهم وهم يحاولون الصمود بصددها. إذا فالأمر لا محالة واقع بنا، لكن ردة فعلنا باتجاهه هو ما يحدد أثره، و”المرء يستطيع إذا أراد”.
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.