إصداراتمقالات

ماذا حدث للمصريين؟

عام 1995 قام الدكتور جلال أمين بكتابة كتابه –موضوع مقالنا– “ماذا حدث للمصريين ” الذي تناول فيه –كبحث اجتماعي– شكل التغيرات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع في الفترة من 1945 إلى 1995 .

اعتبر الكاتب أهم حدث اجتماعي طرأ هو الحراك الاجتماعي الذي ترتب على قيام ثورة يوليو 1952، والذي أدى لتغير تكوين طبقات المجتمع، والذي حول المجتمع من مجتمع طبقي؛ التحول والانتقال بين طبقاته مستحيلا، إلى مجتمع أصبح الارتقاء الاجتماعي فيه ممكنًا.

على مدار الكتاب عقد الكاتب مقارنات بين الطبقة العليا القديمة بأفرادها ذوي العرق التركي والعائلات المعروفة باستحواذها على الأملاك والنفوذ، وبين الطبقة العليا الجديدة التي تكونت من أفراد الشعب العاديين؛ محاولًا الوصول إلى السبب الأساسي وراء هذه التغيرات في صفات المجتمع.

أشار الكاتب إلى انعدام الوعي والثقافة لدى الطبقات الصاعدة مما أدى مثلا لمحاولاتهم التشبه بالغرب في مظاهر الحياة بشكل يفوق محاولات الطبقة القديمة، والذي شمل الملبس ونوع الموسيقى والسينما وغيرها، واعتبر هذا بسبب عدم الثقة بالنفس والرغبة في التخلص من كل قديم قد يشير إلى ماض قريب يربطهم بطبقة أدنى من الطبقة التي ينتمون لها في الوقت الحالي والرغبة الدائمة في إثبات رقيهم الاجتماعي وذلك بعكس ما كانت عليه الطبقة العليا القديمة.

أشار الكاتب أيضا إلى زيادة الرغبة لدى أفراد المجتمع في إظهار رقيهم وتقدمهم الاجتماعي وذلك بالمزيد من الشراء والمزيد من امتلاك الأشياء التي تجعلهم أكثر تميزا كالسيارة الخاصة مثلا أو المغالاة في مظاهر الاحتفال والأعراس.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

-الكاتب تناول أيضا مركز المرأة ولاحظ التقدم العلمي والوظيفي الذي حققته المرأة بالمقارنة بما كان عليه الحال قديما.

كما لاحظ الكاتب عودتنا مرة أخرى إلى نفس الانقسام الطبقي الحديدي الذي كان قائمًا قبل 1952 ليصبح مجتمع 1995 أشبه بمجتمع 1945 .

– أشار الكاتب إلى ظاهرة هامة طرأت على المجتمع وهي ” التعصب ” والعنف المصاحب له وأرجع هذه الظاهرة في الأساس إلى وجود شريحة تُكن الكثير من الكراهية للمجتمع نتيجة لشعورها بعدم تكافؤ الفرص وعدم استطاعتها اللحاق بالطبقات الأكثر رقيا بخلاف الكثيرين الذين استطاعوا تحقيق هذا الرقي الاجتماعي.

 

 

“بإمكانك أن تأخذ الحصان إلى النهر لكن ليس بإمكانك أن تجبره على الشرب ” …

الحراك الاجتماعي  وبالرغم من كونه حدثًا هامًا فعلا إلى أن اجتماعه مع انعدام الوعي والثقافة لدينا كان السبب الرئيسي وراء المظاهر التي أشرنا لها سريعا هنا.

– نحن لم نعِ الفرق جيدًّا  بين ما حققه الغرب من تقدم نتيجة لاتباعه خطوات التجربة العلمية فيما يخص العلوم المادية، وبين ما طرأ عليه من تغيرات في شكل الحياة والقيم السائدة لديه، كذلك لم نعرف تاريخ الغرب في العصور الوسطى ومعاناته من سطوة الكنيسة وتدخلها في كل شئون الحياة حتى العلمية منها مما دفع المجتمع الغربي إلى رد فعل عنيف ورفض تام لتعليم وقيم الكنيسة باعتبارها كانت الباب الذي تسيطر به على ما لا يعنيها من شئون الحياة.

كما أننا لم نعِ أيضا الحدود الخاصة بخصوصيتنا الحضارية وقيمنا ومظاهر حياتنا وخصوصية الغرب الحضارية وقيمهم ومظاهر الحياة الخاصة بهم والتي لا تعني شيئًا أكثر من كونها مظاهر لحياة مجتمع يختلف عنّا تقريبا في كل شئ لكنها ليست شرطًا لتحقيق التقدم.

– زيادة التطلعات في الترقي الاجتماعي واعتبار امتلاك الأشياء هو الوسيلة لتحقيق هذا الترقي ما هو إلا انعكاس لنظرتنا المادية السائدة التي شملت كل شئ. الله خلقنا من روح وجسد، المادية صفة الجسد والمبالغة في إرضائه وإضفاء الأهمية على ماديته لا يؤدي بنا إلا إلى مزيد من الإنهاك والركض من أجل إرضاء هذه المادية.

ربما نحتاج إلى أن نجد طريقنا للموازنة بين أروحنا وأجسادنا وأن نعتبر أن من يحقق هذا التوازن هو أرقى اجتماعيًا ممن يسعى لامتلاك كل شئ لإثبات هذا الترقي، هذا بالطبع يحتاج إلى تغيير نظرتنا لكل شئ، أعرف سادتي أن منكم الآن من يطلق على هذه الفكرة أنها مثالية أو ” أفلاطونية ” كثيرًا .. لكن الموازنة بين مكونين خلقهما الله تعالى فينا هو الطريق الأقصر لتحقيق حضارة يُكتب لها البقاء أكثر من سابقاتها.

تسنيم صلاح

باحثة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة