ماتريكس
لم يكد ينتصف ذلك النهار حتى كنت أستعد لتلك الندوة المرتقبة التى يلقيها الأستاذ مؤمن المحمدى وهو رجل مهتم بالتاريخ الإسلامى وقد رسمت فى خيالى سيناريوهات عدة لما قد يتضمنه المحتوى الفكرى لكلمات ذلك الرجل الذى عرفته للمرة الأولى عن طريق اصدقاء لى مما شجعنى على الذهاب لتلك الندوة للقاء أفكار الرجل وكلماته عن قرب التى لم تكد تنطلق من فمه حتى وجدت سيل من الأفكار والتساؤلات تنطلق بداخلى لتعصف بكيانى كله بحثاً عن صحة ما ادعاه او نفيه.
وفى تلك الفقرة سأقتبس حرفياً مقولات الأستاذ مؤمن قبل التعقيب عليها فقد بدأ كلامه ب “محدش يقدر يقول أنا الإسلام الصحيح … لأن مفيش وسيلة لمعرفة ده” قبل أن يعقب فى منتصف الحديث ب”مفيش حاجة اسمها الحقيقة … مستحيل نوصل لحاجة اسمها الحقيقة” ويختتم وجهة نظره ب “مفيش حاجة مطلقة فالدنيا” و “مفيش قراءة حد هى الحقيقة المطلقة”.
ولا أدرى لماذا إنطلقت بخيالى متذكرا الفيلم الشهير ( ماتريكس ) والذى بدأت معه تساؤلات عدة حول إن كان ما نعيشه هو الواقع حقا أم مجرد أضغاث أحلام وواقع وهمى لا يتعد كونه فكرة لتبدأ الشكوك حول ما إذا كان الحق مطلقاً أم هو مجرد وجهات نظر مختلفة وهنا لابد أن أعود للفيلم ماتريكس الذى أثار تلك التساؤلات وصاغها بشكل أوضح -وإن لم يبدأها- فحتى فى أحداث الفيلم كان هناك واقع مطلق ثابت يبغى أبطاله العودة إليه وإعادة البشرية له وهو الواقع الذى على أساسه إنطلق الحكم على المصفوفة بأنها وهمية وهو التفكير الأقرب للمنطق وللعقل فإن كان هذا الكون وهمى كما تدعون فأين هذا الواقع الحقيقى الذى به تنسبون الوهمية إلى عالمنا هذا!!! أم أننا ننطلق فى حلقات مفرغة من تساؤلات عبثية لا معنى لها ولا جدوى منها وخاصة مع غياب ميزان العقل الذى نرتكز إليه فى الوصول للحقيقة.
وأعود هنا لنكمل تساؤلنا حول ما ينتهجه الأستاذ مؤمن من أفكار صاغتها كلماته فهو حيناً يدعى غياب الحقيقة نفسها وهنا لابد أن نتوقف كثيراً فإن غابت الحقيقة فإلى ماذا نسعى ولماذا وجدنا أم أن هذا الكون هو مجرد لوحة عبثية صاغتها الصدف لتعبث به يمنةً ويساراً وهو ما سألته له صراحة ليجيب قائلاً بأن الحقيقة موجودة ولكن يستحيل الوصول إليها وهنا ننتقل إلى الشق الثانى من التساؤل فإن كان لهذا الكون خالق فما هذه العبثية والظلم الذى به خلقنا بلا أى ادوات قادرة على سبر أغوار الحقيقة والوصول إليها بما فيها حقيقة وجوده ذاتها ليقولها الأستاذ مؤمن صراحة ب”إن مفيش حاجة مطلقة فالدنيا”!!!! فهل تصريحك هذا سيدى الفاضل نسبياً كغيره فإن كان كذلك أمكن وجود المطلق وإن كان مطلقاً فلماذا قصرت الإطلاق على كلماتك!!!.
الحقيقة سيدى الفاضل الذى أتفق معه فى أغلب ما سرده من وقائع تاريخية إلا أنك اخطأت خطأ جسيماً -من وجهة نظرى- حين ظننت أن المنجى من الصراع الأبدى بين مدعى إمتلاك الحق المطلق هو فى نسبية الحق نفسه أو حتى نفى الوصول إليه ولكنه ذلك الحل العبقرى البسيط الذى أنتجه العقل المجرد فى أن نسبية نظرتنا للحق لا تعنى عدم مطلقيته فالحق حق فى ذاته شئنا أم أبينا ولكنها نسبية نظرتنا الباحثة عنه والتى لن تستقيم سوى بالاستدلال ليصبح الحق فقط لمن استدل عليه استدلالاً عقلياً لا جدال فيه كى لا تصبح لفظة الحق مطية للحمقى الباحثين عن مكان فى صفحات السلطة أو التاريخ أو مجرد لفظة نسبية فى نظر المتنطعين المكتفين بأن يجعلوا الحياة أسهل بلا كد أو تعب فى السعى لما خلقنا من أجله
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.