لُب الزيتونة .. البحث عن السبب الجذري أفضل من معالجة الآثار الناتجة عنه
البحث عن السبب الجذري
احترس إن لاحظت هذه الأعراض على حالتك النفسية والمزاجية، إن كنت تشعر بالتعب باستمرار وينتابك الكسل وقلة النشاط من برهة لأخرى، إن تركك حماسك فريسة أمام المجهود الذي ينتصر عليك بسهولة مُعلناً عدم قدرتك، إن كُنت مشتت التفكير ومشوش التركيز، إن كنت في حيرة ولا تمتلك الجرأة على اتخاذ القرارات، إن تعاقب على اقتحامك شعور الإحباط وهربت البهجة من مشاعرك ليستخلفها العدم… وبينما أنت الآن في قمة شغفك لمعرفة علة هذه الشرور ماذا تتوقع أن تقرأ؟ إن العلة هي نقص فيتامين “د” في جسمك يا عزيزي!
ألا تقتنع؟ هذا الأمر ليس من شأني، فهذه ليست وجهة نظري وإنما وجهة نظر طبيب قدّم لنا تلك الرؤية على صفحته الفيسبوكية، مُستدلاً بالدراسات العلمية الحديثة التي أثبتت أن نقص فيتامين د يسبب كل تلك الأعراض، وأثبتت تلك الدراسات أيضاً أن من قام بعلاج هذا النقص وتناول فيتامين “د” بانتظام انتظمت حياته خلال مدة قصيرة، هل اقتنعت عندما علمت أن دراسات علمية حديثة أثبتت ذلك؟
هل فيتامين د هو المشكلة ؟
عندما قرأت منشور الطبيب سألت سؤالاً ربما أنت أيضاً تسأله الآن، أليس من الممكن أن يكون نقص فيتامين د سبباً للمشكلة ولكنه سبب ناتج عن سبب آخر رئيسي جذري؟ أيوجد سبب آخر يتحكم في العملية برمتها هو بمثابة الخطوة الأولى التي مرّت على نقص فيتامين د ووصلت للأعراض سالفة الذكر؟ لماذا لا يكون السبب الرئيسي الجذري سبباً نفسياً؟.
كثيرون هؤلاء الذين يُعالجون مشاكلهم النفسية بضبط التلوف الجسدية والمزاجية التي خلّفتها النفس وراءها، ويتناسون معالجة السبب الرئيسي للمشكلة النفسية!
تمر بأزمة نفسية؟ حسناً… كُل شوكولاتة، فواكه وخصوصاً الموز، مكسرات، تسوّق، اشترِ منتجات جديدة، امشِ على البحر، تنفس هواءً نقياً، احكِ لصديق مُقرب، ادخل سينما…
ولكن كل هذه الحلول هي حلول مؤقتة لا تُعالج السبب المركزي للموضوع
ابحث عن السبب الجذري
السبب الرئيسي والأسباب المساعدة
إن تعرضْت لهذه الأعراض المذكورة في أول المقال ابحث داخل خبايا نفسك لربما تجد بداخلها اكتئاباً أو حيرة أو قلقاً أو حزناً… ومن ثم عالج السبب الرئيسي الذي أدّى للمشكلة.
أردنا التحدث عن كون السبب الرئيسي لوجع النفس –في معظم الأحيان وليس كُلها– عُطلاً في النفس نفسها وليس الجسد، ولكن هذا الأمرالجزئي أخذنا لأمر آخر كُلّي وأكثر شمولية… كم مرة عالجنا فيها مشكلة بشكل سطحي وليس بشكل عميق؟ كم مرة أصلحنا الأسباب المساعدة وأهملنا السبب الرئيسي للمشكلة؟
إن حدث عُطل في محرك طائرة وجعلها تتخبط في مشيتها مما جعل الركاب يصرخون فتشتت ذهن الطيار، هل نقول أن السبب الرئيسي لتشتت ذهن الطيار هو صريخ الركاب أم عُطل المُحرك؟
قامت مضيفة الطيران بدورها اللوجستي وطالبت الركاب بالهدوء حتى يستطيع الطيار التركيز وقامت بتشغيل موسيقى هادئة، وبالفعل هدأ الركاب فهدأ روع الطيار قليلاً، ولكن لم يصل لتمام الهدوء وكمال التركيز؛ لأن المُحرك ما زال مُعطلاً.
الضغط النفسي هو الأولى بالعلاج
هل تمر بضغط نفسي وضع جسدك في حالة تأهب قصوى فأعلنَت كل قواك حالة الطوارئ لمواجهة هذا الضغط؟ فقام جسمك بإفراز هرمونات كالأدرينالين وقام قلبك بضخ الدم بشكل زائد عن المعتاد ليتم منح الطاقة لجسمك، إن هذا الوضع الاستثنائي للجسد لو استمر لأيام فإنه كفيل بأن تُصاب بأمراض من نوعية ارتفاع ضغط الدم المُزمن وقرحة المعدة والسكتة القلبية.
فإذا تم رفدك من عملك مثلاً وأصبحت بلا عمل سيخف وزن حافظة نقودك بالتدريج، وربما فجأةً سيرتفع ضغط دمك وستذهب لطبيب، وأثناء كشْفه نفترض وقوع معلومة في يده مفاداها أنك مُدخن وتأكل الحوادق بشراهه، عندها سيبتسم الطبيب ابتسامة من حل لغز ويقول لك بثقة أن عاداتك الصحية العشوائية هي سبب مرضك، ولكن أليس الضغط النفسي نتيجة رفدك من العمل يُعتبر هو السبب الرئيسي لوعكتك الصحية؟
بالتأكيد التدخين والحوادق سيهلكانك ولكن في مدى آخر من عمرك عندما يحكمان السيطرة على أجهزتك الحيوية، لكن في هذا الظرف ما هو السبب الجذري ؟ الضغط النفسي أم التدخين والحوادق؟ بالتأكيد الضغط النفسي هو السبب وإن كان التدخين والحوادق عوامل مساعدة، وبالتالي فالعلاج الرئيسي هو علاج ضغطك النفسي وإن كان الابتعاد عن التدخين والحوادق علاجاً مساعداً بل وضرورياً لأن المُستقبل قد يجعل منهما وحشين يقومان بنفس ضرر الضغط النفسي.
ابحث عن السبب الجذري
أتذكر أحد المشاهد من مسلسل كلاسيكي كوميدي كانت تجلس فيه أسرة في ساعة “عصاري” في شرفة المنزل الواسعة وطلبت الأم من ابنتها الطفلة إحضار زجاجة ماء من المطبخ، فذهبت الابنة وفي طريقها للمطبخ وقعت على الأرض فسخرت منها أسرتها فغضبت البنت وعادت دون الإتيان بالزجاجة، فأمرت الأم الابن المتوسط بالقيام وإحضار الزجاجة، فذهب ولكنه وقع في نفس المكان الذي وقعت فيه أُخته، واتضح وجود صابون على الأرض يجعل المار عليه يتزحلق،
وبتحليل كيفية معالجة المشكلة في هذا المثال البسيط يتضح أن العلاج الجذري هو إزالة الصابون من الأرض وليس تغيير الشخص المُرسل لإحضار الزجاجة.
يقول علي عزت بيجوفيتش “لا تقتل البعوض وإنما جفف المستنقعات”
فابحث عن السبب الجذري في علاج مشاكلك، ولا تكتفِ بعلاج ظواهر وأسباب عارضة؛ فإن علاج مثل هذا بمثابة مُسكن يُخفف الألم لوقت مؤقت دون أن يقضي على المرض.
اقرأ أيضاً .. من ” أحلم معايا ” لـ ” داري يا قلبي ” .. لماذا لم يحبنا العالم ؟
اقرأ أيضاً .. هو في امل ؟
اقرأ أيضاً .. الفراغات التي يتركها الراحلين