قضايا شبابية - مقالاتمقالات

لَوْح الكتابة

التعليم كالماء والهواء، وهو النور الذي يضيء للناس عتمتهم ومشعل الهداية للسائرين في دروب الحَيْرة، والسراج الزاهِر المُزهِر، فالإقبال عليه والاهتمام به له هِمَم عديدة وعزائم لا تلين، ونيّة معقودة على فِعله والانخراط فيه.

إنّ الإقبال على التعليم لا يحتاج إلى واسطة أو زيادة الحرص في إقناع شخص بالقراءة وأهمية العِلم ورشفه، وإنما هي حالة من الحالات تسيطر على الشخص فتجعله لا ينام حتى يقتني كتابًا، ولا يهنأ ويهدأ له بال حتى يقرأ كل يوم على الأقل نصف ساعة، فيكتسب معارف جديدة في تخصصه أو خارج تخصصه، إنها حالة نَهَم طبيعية تجتاح كيان الإنسان صحيح العقل، يقظ الضمير، خالص القلب، قوي الإرادة.

الاختلاف بين التعليم في السابق والتعليم الحديث

والتعليم في السابق يختلف عن التعليم الحديث، حيث كانت الكتاتيب والشيخ والحفظ والتسميع والالتزام ونوعًا من القسوة الحانية، هذا كله يصنع الرجال الأشدّاء في الحفظ، الأصحّاء في الفهم، الأسوياء في الدين والدنيا.

فكان التعليم عامًا لجميع الفئات، ونظام التدريس على الألواح الخشبية أو الطينية أو المعدنية أو العظم، حيث كان الشيخ يكتب ويعلّم ثم يمسح، ثم يكتب التلميذ ويُسَمِّع ما تعلّمه، ثم يأتي في المرة القابِلة ويُسَمِّع ما دَرَسَه في الدرس السابق، وهكذا، فترتبط المعارِف القديمة بالحديثة (الاستذكار)، وهذا ما دعت إليه نظريات التعليم الحديثة.

وعلى سبيل الاستشهاد نذكر الملك الآشوري (آشور بانيبال) في القرن السابع ق.م، وكان يُلقب بملك العالم، وهو آخر وأعظم ملوك الإمبراطورية الآشورية الحديثة، والذي توفي في عام 631 ق.م بنينوى بالعراق.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فقد كان الملك يعشق الكتب، وكانت المعارف وقتذاك تسجّل على ألواح من الطين، ضمّت مكتبته في نينوى عاصمة آشور ألف لوح من هذه الألواح، واحتوت على (قصة الطوفان، ملحمة جلجاميش، قصة عشتروت).

ثم تطور الأمر وأصبح الكتاب المطبوع الورقي، والحواشي وكتابة التعليقات، والاستماع إلى الأستاذ أو الشيخ أو القراءة أو أحدهما، فتلتصق المعرفة بالعقل وتستقر في القلب، ومن ثم ترجمتها إلى واقع ملموس مُعاش وسلوك طبيعي واقعي.

ومع التقدم التكنولوجي تحوّل الكتاب الورقي إلى كتاب إلكتروني، فابتعد الناس –وخاصة الفئة المثقفة– عن القراءة شيئًا فشيئًا، فظهرت الفجوة والهوّة السحيقة، مع كامل الاحترام للفئة التي تقرأ الكتاب الإلكتروني إلا أنهم فئة قليلة، وربما تصاب بالملل أو تعب العينين أو الصداع من كثرة النظر في الموبايل والكمبيوتر، بالإضافة إلى فقد حاسة مُتعة اقتناء الكتاب والأُنس به والكتابة على حواشيه.

مازال هناك أمل

وعلى كل حال فلا نبالغ إذ نقول توجد فئة غير قليلة تهتم بالقراءة وتقليب الأوراق، مع الارتباط بالإنترنت حيث تسهيل الوصول إلى المعلومات، فقد تتفاجأ مثلًا ببعض الشباب القارىء الواعي على عِلم بالكتب والإصدارات الحديثة والروايات الحائزة على جوائز عالمية وعربية، والروايات المؤثرة التي غيّرت في الشعوب ومسار تاريخ بعض الدول والأمم، هذا مع خروج أجيال جديدة من الشباب الكُتّاب يُرسل رسائل مُبشّرة وقوية مفعمة بالأمل في القادم.

ومن الأقوال في الثقافة الصينية: “اعلم أنّ العلِم إن لم يكن وقورًا لم يكن له هيبة، ولم يكن علمه متينًا، واتخِذِ الأمانة والصدق مذهبًا لك، ولا تصاحب من دونك عِلمًا وفضلًا، ولا تخش تصحيح خطئك إذا أخطأتَ.”،

وقال كونفوشيوس –وهو يصف مراحل حياته المملوءة بالجد والاجتهاد والمثابرة في دراسة العِلم وتدريسه: “صِرتُ مُكبًا على العلم وأنا ابن خمس عشرة، وأصبحتُ قائمًا به وأنا ابن ثلاثين، ولم أتشكك في حقائق الأشياء وأنا ابن أربعين، وعلمت القضاء والقدر وأنا ابن خمسين، وأمست أذني صاغية إلى الحق وأنا ابن ستين، وأذعنتُ لجميع ما تشاء نفسي ولم أتجاوز حد الاستقامة وأنا ابن سبعين”.

اقرأ أيضاً:

مشكلات القراءة

لماذا التعليم؟

وداعًا مجانية التعليم

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر