ليفربول وتوتنهام، حين يكون النصر خيارك الوحيد
نهاية كارثية
تنطلق صافرة حكم اللقاء معلنًا نهاية المباراة الكارثية على الفريق الإنجليزي، ثلاثية لم يكن يتوقعها أكثر المتشائمين في مدينة ( ليفربول) الانجليزية، ولم ينتظرها أشد المتفائلين في مدينة (برشلونة) الإسبانية، كان بطلها بلا شك اللاعب الأفضل في العالم الأرجنتيني (ليونيل ميسي)، بمهارته الفردية المتميزة،
ليضع فريق (برشلونة) قدمًا -بل ربما وضع جسمه كله تاركًا بالكثير إصبعًا- في نهائي دوري أبطال أوروبا للأندية، فاعلية مرعبة أبداها الفريق الإسباني في لقاء أبدع فيه لاعبو ليفربول بينما استطاع برشلونة الفوز، تصديات إعجازية خارقة للحارس الالماني لفريق برشلونة (أندريه تير شتيجن)، سوء حظ لازم اللاعب (محمد صلاح) في كرة أمام مرمى خالٍ من حارسه ارتدت من القائم!
ويبدو أن الأقدار شاءت أن تجعل مهمة العودة للفريق الإنجليزي أكثر صعوبة، فمع تميز الثلاثي الهجومي الرهيب للفريق الانجليزي المصري (محمد صلاح) والسنغالي (ساديو ماني) والبرازيلي (روبرت فيرمينيو)، يساندهم لاعب خط الوسط الغيني (نابي كيتا)، يغيب عن لقاء العودة ثلاثة أضلع رئيسية من هذا المربع الهجومي!
ضع كل تلك المعطيات وخبرني النتيجة التي تبدو أقرب للتحقيق؟ في أفضل الظروف فوز صعب يحفظ ماء وجه الفريق الانجليزي، ولا يقتل مرارة الخروج من البطولة، صحيح؟
تفوق الفريق الإنجليزي
ولكن بالعودة إلى ما حدث، يبدأ اللقاء ليسجل البديل البلجيكي (ديفوك أوريجي) الهدف الأول للفريق الإنجليزي، مع إصابة لأحد أهم لاعبي ( ليفربول ) الظهير الأيسر -والذي في نظر كثيرين هو الظهير الأفضل في العالم حاليًا- الأسكتلندي (أندي روبرتسون) بين شوطي اللقاء، لينزل البديل الهولندي (جورجينيو فينالدوم) إلى أرض الملعب،
وما هي إلا بضعة دقائق حتى يحرز الهولندي هدفين يعادل بهما الكفة، قبل أن يباغت البلجيكي برشلونة بهدف ثانٍ معلنًا تفوق الفريق الإنجليزي وانتصاره وصعوده إلى المباراة النهائية على حساب الفريق الإسباني وقائده الأفضل في العالم ميسي.
وقبل أن يستفيق العالم من ذلك الفوز الرائع للفريق الإنجليزي، يعود فريق إنجليزي آخر من مدينة (لندن) بفوز لا يقل عنه جمالًا، فبعد هزيمة فريق (توتنهام) الإنجليزي على ملعبه ووسط جماهيره بهدف لصالح الفريق الهولندي (أياكس أمستردام)،
يعود (أياكس) خلال لقاء العودة على الأراضي الهولندية ليعزز تقدمه بهدفين خلال أحداث شوط المباراة الأول، إلا أن الفريق الإنجليزي لم يستسلم ليخرج من الشوط الثاني منتصرًا بثلاثة أهداف للاعبه البرازيلي (لوكاس مورا)، ليلاقي فريق ليفربول في المباراة النهائية.
الحياة ملهاش كبير
“الكورة ملهاش كبير” الجملة الأكثر ترديدًا في الآونة الأخيرة وقد ارتفعت الأصوات بها خاصة مع تلك المباريات الأخيرة، جملة صحيحة تمامًا ولكنها قاصرة إلى حد ما، ففي حقيقة الأمر أن ما حدث هو أن “الحياة ملهاش كبير”، فما جمع بين المباراتين لم يكن تفوق للفريق الأضعف، حيث أن توتنهام من المفترض أن يكون في قوة أياكس أو ربما يتفوق عليه،
كما أن الفارق بين ليفربول وبرشلونة في القوة ليس واضحًا تمامًا، بينما اجتمع كل من ليفربول وتوتنهام على حقيقة واحدة وهي (صعوبة الطريق)، فمع النتائج السابقة على لقاء العودة التي كانت تشير لصعوبة بالغة في عودة أي منهما، حيث لم يكن ينتظر أحدًا عودة من تلك الهزائم؛ الخسارة لم تعد فقط واردة وإنما تبدو أقرب إلى واجبة، كل محاولة لبذل جهد جديد عبثية، أو هكذا تبدو.
كذلك هو الأمر في حياة كل منا، ففي حياتنا تلك المواقف التي يصبح اليأس فيها أمرًا مقبولًا لا يوجد فيه لوم، صعوبة الطريق وآلامه تجعل من يصر على السير فيه هو إلى الجنون أقرب، الإيمان بالوصول يصبح محض أحلام، ولكن ماذا لو أنه ليس كذلك؟ ماذا لو أن فرصة النصر كانت لديك أصلا لكنك لم تنتهزها؟ ماذا لو أنك قد تركت الحلم يفلت من بين أناملك؟ لعل هذا يبدو الآن أكثر جنونًا من الاستسلام، وعن العقل والمنطق أبعد.
الفشل ليس نهاية الطريق
تلك الصورة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لشخص وقد اقترب كثيرًا من الوصول إلى الكنز -صورة تمثيلية لهدفه في الحياة-، لكن اليأس أقعده عن الاستمرار، والتي لم يلبث أن بدل البعض فيها صورة الكنز بصورة وحش كاسر، إشارة إلا أن اليأس أحيانًا هو الطريق الافضل، تجعلنا نتساءل هل الياس خيانة؟ أم الأمل جنون؟
أعادت تلك المباريات طرح تلك الاسئلة بقوة، ماذا لو أن كل ما تبذله يذهب سُدى؟ ماذا لو أن في نهاية الطريق أذى؟ أتستحق الحياة حقًا القتال لأجلها؟ اسئلة تبدو مع بساطتها مجرد ثرثرة لا طائل منها، ولكن أليس حياتك هي ما نتحدث عنه ههنا؟ إن قضية بذل الإنسان للحظات عمره الثمينة ينبغي أن تحتل المرتبة الأولى في أولويات الإنسان، فيما يفني عمره وفي أي درب يسير ومتى يعلم أن المسير هلاك.
بالعودة إلى ما حدث في المباريات الأوروبية، ما هي الاختيارات التي أتيحت لكلا الفريقين؟ أن تحاول فتفشل، وربما تنجح، احتمال ضئيل ولكنه احتمال. أو أن تتوقف على المحاولة، والمؤكد في هذه اللحظة أنك بهذا قد أعدمت بيدك احتمالية النجاح فلم يبق لديك إلا الفشل.
ولكن ماذا لو أنني حاولت وفشلت؟ ما الذي سيختلف حينها؟ حاولت وفشلت كمن لم يحاول وفشل، صحيح لكن هل أنت مطالب أصلًا بالنتائج؟ ربما في مباراة كرة قدم يكون هذا صحيحًا، ولكننا نتحدث هنا عن حياتك بأسرها، هل أنت مسؤول بالكلية عن النتائج؟ إن موضع مسؤوليتك هو أن تحاول وأن تلتذ بالسعي على درب المعرفة والحقيقة وإتباعها بالسلوك القويم والأخلاق، آملًا في أن تأتي النتائج بما تشتهي،
الفوز الحقيقي
إن النصر الحقيقي لك يا صديقي هو ألا تتوقف يومًا عن المحاولة، فصافرة الحكم تنطلق فقط حين تنتهي حياتك، فلا يكون أمامك خيار أكثر منطقية وواقعية من أن تنفق تلك اللحظات الثمينة الفارقة في المحاولة حتى الرمق الأخير، لعلها كما كان هدف (توتنهام)، تنتظر حتى اللحظات الأخيرة لتجعل لانتصارك لذة أجمل.
ولكن قبل أن تهرول إلى المحاولة عليك أولًا أن تعرف، أن تعرف جيدًا الهدف الذي تسعى إليه، هل يستحق منك أن تبذل كل ما لديك؟ تخيل معي رجلًا يقتحم بيتًا مشتعل بالنيران مخاطرًا بحياته لينقذ شطيرته من الحريق! هكذا هو من يحاول دون أن يعي علام تكون المحاولة؟
ثم تعرف الطرق التي عليك أن تحاول فيها فكلما أغلقت الظروف طريقًا سلكت غيره، فلا تبتأس، وأن تبذل كل ما لديك دون أن تنتظر أو تنظر إلى النتائج، فيكفيك أنك حتى النهاية لم تنحني وأنك حتى اللحظة الأخيرة جعلت النصر خيارك الوحيد.
اقرأ أيضا:
أين أجد إجابات للأسئلة المصيرية ؟ وكيف يتم التوافق ؟
القوى الكامنة في الإنسان .. لماذا نحن مميزون بالعقل (1)
كن مثل بلال – أزمة الفوضى الفكرية في عقول شبابنا.. كم بلال يعيش بيننا اليوم ؟