في خضم الأحداث الجارية من الحرب على غزة وثقافة العنصرية الصهيونية والكلام دا، فيه دايمًا سؤال بييجي على بال الواحد وهو بيتابع الأحداث كل يوم: هيا ليه أمريكا واقفة في ضهر الصهاينة أوي كدا؟
هقولك.. بسبب الأخ المحامي الأمريكي “لويس برانديز”، إيه قصة لويس برانديز دا؟
حياة لويس برانديز
الراجل دا مش أمريكي أوي، لكن أبوه يهودي مهاجر من أصل تشيكوسلوفاكي ألماني، اتولد ١٨٥٦م وكبر واتعلم في مدارسألمانية في أمريكا ودخل جامعة هارفارد، كان يهودي آه لكن مكنش متدين أصلًا، اندمج أوي في المجتمع الأمريكي وبقى بينادي بتنظيم ساعات عمل المرأة ونادى ضد سياسة الاحتكار وقدر يحول أمريكا إلى النظام الرأسمالي المكون من وحدات صغيرة متنافسة، وقدر يكسب ثقة الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون ويؤيده في الانتخابات، ورشحه عشان يأخد وزارة، وأخيرًا اشتغل في المحكمة العليا وراجل إصلاحي أمريكي صرف يعني.
لكن الجانب المظلم من حياته بدأ لما لاحظ إن فيه مجموعة من العمال اليهود “اليديشين” بيستغلوهم للعمل بأجر رخيص جدًا، صحيح إن العمالة المهاجرة كلها بتتعامل كدا، لكن هو شاف إنهم كيهود مقصودين بالاضطهاد دا، والدم جري في عروقه وبص للسما وقال لحد إمتى هنفضل عايشين في الظلم دا؟!
اقرأ أيضاً: قضية اللاجئين الفلسطينيين
لقاء لويس برانديز مع المؤسس الأول للصهيونية
وهو بيتعالج من المظلومية دي جوة دماغه، صادف في طريقه واحد حاخام اسمه “يعقوب دي هاس”، اللي هو يبقى سكرتير تيودور هرتزل، المؤسس الأول للصهيونية وفكرة الوطن القومي لليهود، وتبادلوا الأفكار.
الاتنين اقتنعوا إن الفكر الأمريكي هو هو الفكر الصهيوني والاتنين قايمين على أيدولوجية واحدة، وإنك عشان تبقى أمريكي “يهودي” لازم تبقى “صهيوني” ومؤمن بفكرة الوطن القومي كمان، وتساعد المستوطن إنه يرجع أرض الأجداد، حتى لو برانديز نفسه مرجعش لا هو ولا أولاده.
وإن اللي منهم عايش في أمريكا دا “مندمج” لكن أرض الأجداد هي الوطن الأم والمركز الروحي زي الكعبة كدا، فاهم حاجة؟ نوضح حاجة مهمة هنا..
إن موقف أمريكا ساعتها كان ضد الصهيونية الاستعمارية مش مع، وكانوا في حالة حياد من الحرب العالمية كمان، بمعنى إن سنة ١٩١٧ لما الحكومة البريطانية سألت رئيس أمريكا وودرو ويلسون إنه يصدر بيان تعاطف مع الصهيونية، قال إن مش وقته إحنا في حرب، لكن بعد شهر بس قال “يلا بينا أنا متحمس”!
مين غيّر رأيه؟ لويس برانديز.
وعد بلفور
المهم إن الحرب العالمية الأولى قامت، ومنظمة “الصهيونية” بتاعت هرتزل بقت مهمشة عشان بقى في أوروبا حاجات أهم دلوقتي، وأمريكا على الحياد مش عايزة تخش الحرب، وفكرة العودة بقت تبعد شوية بشوية، وشكل أمريكا كدا هتأخد القيادة من بريطانيا.
فبرانديز يعمل إيه؟
انضم للمنظمة دي، وفتح فرع ليها في أمريكا سماه “اللجنة التنفيذية لشؤون الصهيونية في الولايات المتحدة”، واتعين مدير ليها من ١٩١٤ لحد ١٩٢١، وبدأ يساهم في دعم وغوث “المستوطن” اللي هاجر هناك، ويوسع عمل المنظمة ويخطب في الناس ويحثهم على الدعم وحب الغلبان اللي يا عيني مش لاقي وطن يخلف فيه براحته.
عمل إيه تاني وقت الحرب؟
الصهاينة، قياداتهم في أمريكا كانوا من أصل ألماني، وعواطفهم تتجه نحو ألمانيا، لكن برانديز وقف وقال لأ، وأقنعهم إن أرضهم الحقيقية فلسطين، ومع دخول أمريكا للحرب كلم السفير الفرنسي والإنجليزي في واشنطن وقعد معاهم وفتح معاهم سكة مشروع الصهيونية دا وأقنعهم بيه، حلو؟
في نفس الوقت بلفور وزير الخارجية البريطاني كان عايز أمريكا تدخل الحرب وعمل وعده الشهير، ويلسون رئيس أمريكا نظم اجتماع بين بلفور وبين برانديز، أقنعه بلفور إنه يعمل فيلق “يهودي” ينضم للحرب، مقابل الوعد، اقتنع برانديز وأقنع حكومة أمريكا إنها تقبل الوعد دا، وقبلوه.
اقرأ عن: الإجرام الصهيوني والقوى الداعمة الخارجية
برنامج بتسبرج
خلصت الحرب وانتصر الحلفاء، قام برانديز عمل برنامج اسمه “بتسبرج” ١٩١٨م، البرنامج دا عبارة عن تغيير قانون تملك الأراضي في أرض الأجداد عشان يبقى ملكية عامة، وتشجيع الزراعة والبناء والصناعة هناك، وبعد سنتين في مؤتمر لندن، ترأس الوفد الأمريكي، وبعد مؤتمر سان ريمو في إيطاليا اللي عمله الحلفاء وأعلنوا فيه الوصاية على أراضي فلسطين، أقنع الرئيس ويلسون إنه يعدل حدود الأرض عشان تبقى أكبر من اتفاقية سايكس بيكو.
بس هنا بقى ظهرت مشكلة..
أفكار برانديز عبارة عن وطنين زي ما شرحنا وطن ووطن، وطن اندماجي يعملوا فيه فلوس اللي هو أمريكا، ووطن تهجيري يرحلوا فيه الفقراء يعيشوا ويتناسلوا هناك براحتهم، اللي هو فلسطين، لكن أفكار هرتزل بتقول إنهم وطن واحد يستغلوا فيه كل اليهود ويعملولهم قومية، فعمل إيه؟
فرّق بين صهاينة الخارج ومستوطنين الداخل، كل واحد ليه مهامه وحر فيها، يعني الفكرة إنهم يهجروا أكبر كم من الصهاينة لأرض الأجداد، لخلق أغلبية سكانية فورية تتمتع بعد كدا بالسيادة الكاملة تحت حكومة الانتداب، ودول يبقوا بتوع برة اللي هيروحوا يعيشوا على أرضنا ويهتموا بالإصلاح والمشاريع وتكبيرها ويبعدوا عن السياسة.
لكن اللي جوة بقى يكون ليهم مهام تانية..
بتوع جوة يشتغلوا على ضم أكبر كم من اليهود ويضغطوا شعبيًا وسياسيًا لتحقيق أهداف اللي برة، ويأخدوا فلوس منهم يمولوا بيها مشاريع للمهاجرين ملهاش عائد، يعملولهم بيوت وزراعة وبتاع.
برانديز الأب الروحي لفكرة اللوبي اليهودي بأمريكا
الفكرة إنه كان قاري المشروع إنه مشروع استعماري غربي بحت، لا هو عودة ولا رجوع، إنما مستعمرة زي أي مستعمرة خارجية، يضم فيها الفائض البشري اللي بيتعرضوا للاضطهاد، وعشان كدا حاول يفصل بين بتوع جوة وبتوع برة، وعشان كدا مشروعه دا اترفض في البداية، وأخدوا برأي “حاييم وايزمان” الصهيوني بتاع أوروبا اللي هو نعمل صندوق ونلم تبرعات، ودا اللي أثبت فشله ورجعوا للدعم الأمريكي غير المشروط لدولتهم واللي قايمين نايمين عليه لحد النهاردة.
الفكرة إنه مش بس ساعد أمريكا في إنها تبقى الداعم الأساسي لليهود، ومش بس غير قناعات وودرو ويلسون من رفض المشروع إلى تمويله، ومش بس جمع تبرعات وضم ناس كتير لفلسطين، ومش بس قدر يقنع روزفلت بتمويل إقامة أول “مستوطنة” أمريكية هناك اللي هي عين القاضي سنة ١٩٣٧…
لكن برانديز يعتبر الأب الروحي لفكرة “اللوبي اليهودي” أو جماعات الضغط اليهودية على السياسة الأمريكية، نحو التعاطف مع اليهود وتمويلهم ودعمهم بكل الوسائل من أول الضغط السياسي وصولًا إلى الضغط الشعبي، واللي بعد كدا هيمشوا كلهم على خطاه، بكل بساطة.
مقالات ذات صلة:
كيف تم تهويد المدينة؟ وهل هي قضية الفلسطينيين وحدهم؟
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا