لمّا تأخرنا وتقدّم غيرنا .. التعليم وعلاقته بالتغيير!
في إحدى المدن وفي مدرسة من مدارس المدينة كان يوجد مدير لتلك المدرسة، وقد تزوج المدير أخت فراش المدرسة، وبحكم هذا النسب كان المدير يراعي النسب على حساب المصلحة، فكان عندما يغيب أحد المدرسين يقول المدير لنسيبه “اذهب وكن مكان هذا المدرس وأعطي الطلاب حصة بدلا من المدرس” وبمرور الأيام وفي غياب الرقابة ثبّت المدير نسيبه كمعلم بالمدرسة! ومرت الأيام وارتقى مدير المدرسة إلى منصب مدير للإدارة التعليمية، فرقّى نسيبه الفراش إلى مدير للمدرسة! ودارت الأيام والشهور والسنون فأصبح مدير التربية و التعليم -نسيب الفراش- وزيرا للتربية و التعليم ، فرقى نسيبه بداخل المدرسة إلى مدير إدارة التعليم ! وطبعا كان كل ما يشتهيه من مكتب فخم وسكرتارية وسلطة وسيارة تذهب به إلى مديرية الترية و التعليم… وكل الموظفين يتمنون رضاه! وفي إحدى الأيام وهو يتصفح الجرائد وجد خبرا يقول أن وزير التربية و التعليم قرر تشكيل لجنة لتقييم شهادات العاملين والعاملات وإعادة النظر في مواقعهم الوظيفية! هنا ارتبك نسيب الوزير الذي هو في الأصل فراش، وخشي على نفسه؛ فهو لا يملك أية شهادات، فاتصل بنسيبه الوزير وقال له: هل أغضبتك في شيء حتى تشكل لجنة لبحث وفحص الشهادات وأنت تعلم أني لا أملك شهادة تؤهلني لمنصبي هذا بداخل المدرسة ؟ فرد عليه الوزير وهو يضحك “لا تخف يا أبله لقد وضعتك رئيساً لتك اللجنة”!
القصة السالفة الذكر هي قصة رمزية لما نعانيه في مجتمعاتنا العربية في كل مؤسسة وفي كل شركة وفي كل مصلحة حكومية -وخصوصا المصالح الحكومية- فهي مليئة بأمثال هذا الفراش الذي تفضلت عليه الواسطة والمحسوبية وتبوأ المراكز والمناصب! فمجتمعنا يشكو ويئن من هذا المرض العضال الذي انتشر في جسد بلادنا كالمرض الخبيث الذي لن يجدي معه نفعا سوى بأستئصاله كلية؛ فسبب رئيسي من تدهور مجتمعاتنا وتخلفنا الذي بات لا يخفى على أي أحد هو الجهل والمحسوبية والواسطة.
فنسبة كبيرة مما نكابده ونعانيه من تدهور في كل مرافق الحياة ناتج من تدهور في التعليم الذي هو الأساس لتنشئة مواطن صالح متعلم يفقه ويفكر وينتج ويكون مواطناً نافعاً لنفسه ولوطنه؛ نجد أن المؤسسة التعليمية التي مسؤوليتها التربية و التعليم –للأسف- لا يوجد فيها تربية ولا تعليم؛ فالتربية أصبحت في خبر كان و التعليم لا يوجد! ويكفي نظرة بسيطة على مؤشرات التعليم العالمية لتجد أننا نقبع في ذيل القائمة ويا ليتنا في ذيلها فقط بل هناك دول عربية خرجت أساسا من الترتيب العالمي لجودة التعليم فالمعلم للأسف الشديد لا يعلّم بل أصبح كالتاجر، ونحن لا نعمم بل نقول بأن نسبة كبيرة من المعلمين فقدوا التوجة التربوي وأصبح جل همهم هو كيف يحصلون على أكبر عدد من التلاميذ لكي يأخذوا دروساً خصوصية عندهم؛ فأصبح التعليم سلعة تباع وتشترى ومن يدفع أكثر يحصل على جودة تعليمية أرقى وأفضل.
ونحن أخذنا التعليم كمثال لما له من أهمية كبرى فهو بمثابة مصنع يفرز رجالا هم أساس لبناء الأمم -ولفظة رجال ليست للذكورة فقط فهي للإناث أيضا فالرجولة هي صفات القوة والفضيلة فهناك ذكور وليسوا برجال– فبهم تقوم الحضارة وتزدهر وعندما تفشل المنظومة التعليمية تفشل الأمة، وكمثال نأخذ نهضة سنغافورة… بدأت النهضة من التعليم لأنه هو الأساس والقاعدة التي تقوم عليها كافة المجالات والأنشطة، وها هي سنغافورة في مصاف الدول المزدهرة والتي تصنع كل شيء وتصدره لمختلف البلدان، فالتعليم أنشأ مواطنين يعرفون معنى حب الوطن معنى أن تكون نافعا لنفسك ولوطنك.
فالبداية لكي نثور على ما نحن فيه هو أن نثور على ذواتنا، نثور على فكرنا المتحجر، يعمل كل منا أن يكون عضواً صالحاً مثقفاً عاقلاً في مجتمعنا؛ فإن صلح الأعضاء صلح الجسد كله، فلنبدأ بأنفسنا لعل وعسى يكون منا من يعمل على تغيير نفسه وتغيير أسرته ومجتمعه، ولنبث روح الحضارة في جسد تلك الأمة التي توقف قلبها النابض منذ القرن الرابع الهجري ولننشر كلمتنا وننشر الوعي ونثبت للعالم بأننا أمة قد يصيبها المرض لكنها لن تموت طالما فيها من يريد البناء ويريد العزة لنفسه ولبلده.
اقرأ أيضاً: