مقالاتقضايا وجودية - مقالات

هل نصوم لنشعر بالفقراء كما هو معروف؟ أم توجد أسباب أخرى غير معروفة؟

“لماذا نصوم؟” كي نجيب عن هذا السؤال إجابة شافية؛ ونتكلم عن فلسفة الصيام بإسهاب، نحتاج أولًا أن نجيب عن سؤالين آخرين: “لماذا خُلقنا؟” و”لماذا نعبد الله؟”

 لماذا خُلقنا ؟ ولماذا نعبد الله ؟

لقد ثبت بالبراهين العقلية وجود الله، وثبت له الكمال والجمال المطلق، وحبه سبحانه للجمال والكمال، وقد خلق سبحانه الكون أثرا لجماله وكماله المطلق، وخلق المخلوقات كي تنعم بالجمال والكمال، فتتحقق سعادتها.[1]

ومن بين هذه المخلوقات خلق مخلوقا يمكنه أن يطلب الكمال والجمال باختياره، هو الإنسان، فجماله وكماله الحقيقي في القرب الاختياري من الجمال والكمال الإلهي المطلق، ويحقق بهذا القرب سعادته الحقيقية.

ويكون هذا القرب بأن يتبع الإنسان عقله وروحه، فيعرف جمال العدل فيتبعه، ويعرف الجمال والكمال الإلهي المطلق فيطلب القرب منه.

لكنه عندما يحاول أن يعرف كيف يتقرب إليه سبحانه بشكل جزئي تفصيلي؛ هل بصلاة أم بصيام أم بغيرهما؟ وكيف تكون هذه الصلاة ووقتها وصورتها؟ وكيف يحقق العدل في الزواج والميراث وغيرهما من الجزئيات؟ يقف عقله عاجزًا عن الحكم بشكل يقيني؛ ولا يجد إلا ظنًا لا يغني من الحق شيئًا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ومرة أخرى يريد الله لعباده أن ينعموا بالجمال والكمال الحقيقي، وأن يصلوا للسعادة، فيرسل لهم النبوات لتدلهم على هذه الجزئيات. هذه النبوات التي يثبت العقل الإنساني بالبرهان وجودها، ويثبت صدق النبي محمد، فيتبعه في رحلته للكمال والجمال والسعادة، فيأخذ من النبوات الجزئيات الضرورية لهذه الرحلة، جزئيات العبادات والمعاملات.[2]

وبعد أن يعرف هذه الجزئيات يسعى لأن يعمل بها، ويكون ذلك بتحكم عقله وروحه في قوى نفسه وبدنه الأخرى؛ كالشهوة والغضب. وعندما يتكرر ذلك يحدث استعلاء للعقل والروح على هذه القوى؛ ويصبح ذلك صفة راسخة عنده، وعادة مستمرة لديه، فيتحقق توجهه المستمر وسيره نحو الجمال والكمال المطلق، ويلتذ بـ السعادة الحقيقية.

 غاية الصيام

فالإنسان باحث عن الجمال والكمال والسعادة باستمرار، وقد خُلق لذلك، وتكون سعادته باتباع عقله وروحه، وباستعلاء عقله وروحه على بدنه وشهوته وغضبه[3]، ويكون ذلك بالتزامه بالعدل، وبجزئيات العبادات والمعاملات بالشكل الصحيح الذي دلّت عليه النبوات.

ومن هذه الجزئيات التي أرشدنا إليها النبي الخاتم الذي ثبتت بالعقل نبوته؛ عبادة الصيام. فالصيام غايته بشكل كلي؛ أن يسيطر عقل الإنسان وروحه على شهوته وغضبه وبدنه، وفي هذا سعادته الحقيقية كلها في دنياه وآخرته، وقربه من الجمال والكمال المطلق.

للصيام فوائد أخرى

وقد يكون للصيام علل وغايات وحكم جزئية أخرى، نستدل عليها بالنصوص الكاشفة عن الجزئيات كما سبق، مثل مغفرة ما تقدم وتأخر من الذنوب. كما أن سبب كون الصيام له هذه الصورة وهذا الوقت وهذه الكيفية هي من الجزئيات أيضا، التي ثبت لنا صحتها وصحة صدورها عن النبي المعصوم، وصحة رسالته، وصحة نسبها إلى الله، فيأخذ بها العقل متيقنًا ومُسَلّمًا.

إننا نصوم حبًا للجمال والكمال وطلبًا لهما، وتحقيقًا لسعادتنا الحقيقية في الدنيا والآخرة، وذلك عن طريق استعلاء عقولنا وأرواحنا على أبداننا وشهوتنا وغضبنا. ونصوم بهذه الكيفية وفي شهر رمضان المبارك طاعة للنبوة الحقة، والتي هي من طاعةً الله سبحانه وتعالى وتقدّس وتكرّم.

——-

[1] ابن سينا، النجاة في المنطق والطبيعيات والإلهيات، تحقيق محمد عثمان، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط1، 2013، ص310، 311.

[2] ابن رشد، الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، سلسلة التراث الفلسفي العربي، مؤلفات ابن رشد، قدم له وشرحه د. محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1998، ط1.ص307-319.

[3] ابن رشد، فصل المقال، دار السلام للنشر والتوزيع، 2012، ط1، ص 78، وص86-88.

اقرأ ايضاً:

البعض يتضجر: لماذا نصوم في رمضان ؟

رمضان في كهف افلاطون

وقفات حول رمضان والعيد

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

أحمد عزت

د. أحمد عزت

طبيب بشري

كاتب حر

له عدة مقالات في الصحف

باحث في مجال الفلسفة ومباني الفكر بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

صدر له كتاب: فك التشابك بين العقل والنص الديني “نظرة في منهج ابن رشد”

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

حاصل على دورة في الفلسفة القديمة جامعة بنسفاليا