مقالات

لماذا لا يتغير العقل العربي ؟ نريد حل تلك المعضلة!

معضلة العقل العربي ورؤية التغيير!
التطور سنة الحياة، فالتغير يحدث طوال الوقت، أنت الآن غير أنت منذ ساعة، هناك خلايا ماتت بداخلك وخلايا تجددت أيضاً، فجسمك يتغير كلية. على سبيل المثال خلايا الجلد، تمتد دورة حياتها ما بين أسبوعين إلى ثلاثة، أما خلايا القولون فحظها هو الأسوء؛ حيث إنها تموت خلال أربعة أيام! والخلايا المنوية تعيش فقط ثلاثة أيام، بينما خلايا الدماغ لها دورة حياة واحدة وكاملة ولا تتجدد عندما تموت كالخلايا العصبية في لحاء المخ على سبيل المثال، دورة حياة خلايا الدم الحمراء قد تستمر إلى أربعة أشهر، ودورة حياة خلايا الدم البيضاء قد تمتد في الأغلب حوالي عاماً كاملاً؛ فالجسم كلية في تغير مستمر وتلك هي سنة الكون، الشمس ليست ثابتة وكل أجرام السماء في تحرك مستمر فالثبات يعني الفناء.

كانت تلك مقدمة لما يسمى بالتطور والتجديد والتغير المستمر لكل أشكال الحياة في الكون الشاسع، والذي تتجلى فيه قدرة واجب الوجود، وقد حدثت نهضة ثقافية وحضارية  للوطن العربي لما يقارب المائة عام، وذلك بداية من منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين؛ حيث كانت هناك نهضة ثقافية قام بها العديد من رواد الوعي أمثال المجدد الشيخ محمد عبده وأستاذه الكبير الذي أصاب العقل العربي بزلزال أعاد تشكيل الوعي وأنار طريق التجديد الذي أصاب العقل العربي لقرون عدة وهو الشيخ جمال الدين الأفغاني، الثائر الذي لم يكل ولم يتعب وكان لديه مشروع حضاري كبير لولا مؤامرة حيكت له، لكان لهذا المشروع شأن آخر. في تلك الحقبة برز المجددون لينيروا العقل الجمعي العربي ولينتشلوه من ظلمات الجهل والتقليد الأجوف نحو طريق الاستنارة ومواكبة سبل الحضارة. وكانت تلك النهضة نهضة شاملة في كل مناحي الحياة الثقافية من فنون وآداب وفكر وعلم، ولكن الأنظمة السياسية التي عملت على تسييس الثقافة، وجعل الولاء هو معيار التعامل مع المثقفين والأدباء والمفكرين، مما نتج عن ذلك تبوير لأرضية الثقافة التي كادت أن تؤتي ثمارها.

فالثقافة هي النور الذي عن طريقه وعن طريق تفعيل الفكر وشحذ الأذهان نحو التفكير النقدي والتفكير الخلاق، هي البطل الخارق الذي يجعل المواطن العربي يفكر وينقد ويقوّم ما يراه ويسمعه؛ ومن ثم لا يتقبل عقله إلا ما يتوافق مع معيار العقل البرهاني الناقد الذي لا يتقبل أي شيء يورد عليه إلا بعد عرضه على ميزان العقل، فإن امتلك البرهان الساطع الذي يوافق الحق ويوافق العقل تم قبوله، وإن خالف معيار الحق فلا سبيل سوى رفضه وعدم الانصياع له.

لذا كانت تلك الأنظمة تعمل على تسييس الثقافة وجعلها تبعاً للسياسة الحاكمة، ولا تسمح إلا بما يوافق تلك الأيدلوجية التي تنسجم مع السلطة الحاكمة وتدعم وتساند سياستها؛ لذا ما تم هو تحجيم وتقزيم العقل العربي ؛ حتى لا ينفك من عقاله وسجنه ويسيح في أرض الفكر وينقد ويصوب ويخطأ كل ما تقوله وسائل الإعلام بأشكالها المختلفة، ومما تبثه من سموم ومن أراجيف في عقل المواطن وتتبع في ذلك سياسة الترديد والكثير من الوسائل التي تعمل على ترسيخ فكر أو اعتقاد معين في العقل المستكين المستسلم لكل ما يعرض عليه ليل نهار.

فالحل لكي يخرج هذا العفريت من القمم الذي طال حبسه فيه، هو أن يقوم كل فرد وكل غيور على عقله بأن يشحذ فكره وعقله بكل سبل التثقيف من قراءة وحضور ندوات تثقيفية، وقراءة الفلسفة التي تعمل على تغيير بنية العقل نحو تقبل الآخر، وعدم التعصب الأعمى لفكر أو معتقد بناءً على عصبية قبلية أو عقدية؛ فأنت وأنا علينا بأن نهتم برياضة الفكر كما نهتم برياضة وصحة الجسم؛ فعقل بدون رياضة فكرية تقوم على النقد والقراءة والتثقيف، سيصاب -هذا العقل- بالعطن ويعتلي سطحه الصدأ، ومن ثم يصبح مستباحاً لكل من يريد أن ينفد بفكره أو مخططه على حساب عقولنا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 

اقرأ ايضاً :
انطلق نحو الآفاق .. كيف نبدأ حركة التغيير ؟

صوفيا والرأس المزروع.. هل ستدمر صوفيا العالم ؟ هل إعادة الرأس تُعيد الحياة؟

لمّا تأخرنا وتقدّم غيرنا .. التعليم وعلاقته بالتغيير!

 

 

 

 

محمد سليم

عضو بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالإسكندرية