مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

لماذا غيرت فكرتي عن المنطق؟ – دراسة العلوم العقلية وتأثيرها على الواقع الفعلي

 العلوم العقلية

لا علاقة لدراستي بالعلوم العقلية تمامًا، ولم أكن أعرف عن دراسة العلوم العقلية شيئًا قبل أربعة سنوات من الآن، وكنت أردد كالبقية أن هذه العلوم معقدة جدًا ولا علاقة لها بالواقع ولا فائدة عملية منها في الحياة اليومية، هذا إن حالفك الحظ واستوعبت مصطلحاتها الغامضة!

ثم جاءت الفرصة للاطلاع عليها. فوجئت أن الأمر يمكن استيعابه، بل الأمر أعمق من ذلك، يمكنك الشعور أن هذا العلم يُنتزع منك فعلاً، وكأنك وأنت تتعلمه تحدث نفسك: “نعم صحيح، أشعر أنه داخلي، نعم كنت أود قول ذلك على هذا النحو بالتأكيد، يا للعجب!هذا صحيح وليس بغريب عني”.

ثم أدركت بعدها أن علم المنطق هو أحد أهم العلوم الأساسية التي لابد أن نتعلمها قبل دراسة العلوم الأخرى حتى نضبط بها عملية التفكير ذاته، فلا يصح إصلاح الدرجة الثانية والثالثة من السلم المكسور دون أن تُصلح الأولى، والمنطق هو الدرجة الأولى من سلم العلم والمعرفة.

ثم أدركت كذلك أنه ليس كلامًا بعيدًا عن الواقع، بل هو جُل ما نحتاجه في الحياة اليومية حتى تنضبط، فهو يحمي ذهننا أولاً من الإدراك الخاطئ ومن ثم يحمي سلوكياتنا من الذلل ونفوسنا من الضلال ويضفي نوعًا فريدًا من أنواع التحكم بالانفعالات والمشاعر.

دراسة العلوم العقلية وتأثيرها على الواقع الفعلي

وسأحاول هنا توضيح بعض ما استخلصته من دراسة المنطق ومدى تأثيره الفعلي على الواقع:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

– الحياة ليست عدمية، ولا يمكن أن تسري بعشوائية؛ لذا التفاؤل ليس سذاجة وحماقة، بل هو بذرة ذات جذور ثابتة تحتاج للمزيد من العلم والعمل حتي تنضج وتؤتي ثمرًا. ولا يشترط أن تظهر الثمار في عهد زمانك، بل يكفيك المشاركة في حرث الأرض أو ريّها.

– الثقافة ليست هالة من الغموض والتهكم المنبعثة من ذاك الشخص الهادئ ذو العيون الثاقبة والنظارة، حاملاً كوب القهوة الساخن، بل هي المعرفة الحقيقية المبنية على أسس سليمة تعطي الشخص رؤية أكثر وضوحًا للعالم مهما كان مشروبه المفضل أو طراز ملابسه.

– ليس كل ما يُقال يُصدق، ولا كل خبر منتشر هو بالضرورة صحيح، بل الأمر يحتاج للتحقق والبحث لكشف الحقيقة وسط أشلاء الزيف والوهم.

– ليس كل شخص بالضرورة يفعل ما يقول من صواب، ولا يصح التيقن من صحة الثوابت بمدى قدرة من يرددها على تنفيذها، الثوابت ثوابت في ذاتها حتى وإن لم نَرَ بالعيان من يطبقها، وهنا المعركة! ألا تلغي القاعدة لأنك وجدت بضع أناس فشلوا في تطبيقها أمامك.

– التبعية العمياء لكل ما هو منتشر، ضلال! فليس كل ما اعتاد الناس عليه من أفكار وعادات وسلوكيات هو صحيح، وليس ناقلي الخطأ بالضرورة سيئون، بل قد يكونون ضحايا للتغفيل والتضليل.

– القول والعمل عمليتان متلازمتان لإحداث التغيير، وإن علا أحدهما على الأخر أحيانًا فسيكون الفعل بالتأكيد، فالقول دون الفعل ضرب من التدليس.

– يمكننا تجنب وحل المئات والآلاف من المشكلات الكبيرة والصغيرة ببضع لحظات من التفكر والتعقل والتروي. ويمكننا اختصار سنوات من الضياع بثوان من التفكير الجاد.

– ليسوا الناس على شاكلة واحدة، وإن بحثت عن نفسك فيهم فسيكون التيه حالك والاضطراب حال سريرتك، وإن حاولت أن تحدثهم بنفس الكلمات والطريقة فلن يجدي نفعًا.

– أن تقوم بالسلوك على بصيرة ورؤية واضحة لجوهره، كنز لا يقدر بثمن، لذا فالفهم قبل الحركة واجب.

– الحظ لا وجود له بالمفهوم العشوائي، بل النتائج تحتاج منهجية وبذل ووقت لتحصيلها، وليست كل النتائج يمكن قياسها بعين البصر.

– المجتمع الفاضل فكرة ممكنة الحدوث، لكنها مركبة وتحتاج لإتمام تفاصيل وضبط وسائل وعلاج فكر.

– لا أحد منا بعيد عن الخطأ، فقد تخطئ في قضية ما وأنت لا تدري، فالمراجعة المستمرة واجبة والدليل هو المحك.

– النجاح لا يعني تخليد اسمي في صفحات التاريخ، ولا يعني أن أصل لشعور الفخر بنفسي، ولكنه الإصرار رغم كل شئ على السير في طريق حمل القيم والمبادئ الصحيحة مهما نتج ذلك من أذى وضرر.

– العقل نعمة عظيمة، أعداؤه كثيرون ومفاسده عديدة، فوجب تنشيطه دومًا حتى لا يصيبنه العطب أو الخداع.

– استيقظ وافعل شيئًا مهما كان صغيرًا، فهو خير من البكاء على الأطلال، فالعالم يحتاجك.

– هناك ثوابت مهما حاول المحدثون هدمها، وهي راسخة بيقينيتها رغم أنوفهم، ولو أدركوا مدى حاجتهم إليها لما أفتروا عليها.

– التبسيط خير من التشدق بمصطلحات غريبة بعيدة عن الناس، فالوصول لعقولهم ممكن ولكن كلٌ بطريقته.

– كثير من الخلافات الكلامية يمكن حلها بتوضيح المفاهيم الكلية والجزئية للموضوعات المطروحة.

– لا يمكن تصديق التاريخ بمجرد قراءة كتاب أو اثنين، بل الأمر يحتاج إلى بحث باستخدام أدوات مناسبة وكافية لكشف الحقيقة.

– كثير من المشكلات النفسية يمكن تجنبها وعلاجها ببضع إصلاحات في طريقة التفكير وترتيب المعلومات فقط.

– بناء الإنسان أهم من بناء الناطحات والأدوات، وهو الخطوة الأولى للنهضة الحقيقية.

– من يعِش لنفسه؛ فهو غافل لم يدرك حقيقة الحياة حتى الآن.

– أنت لست وحدك في هذا العالم، فهناك إله رحيم حكيم يهمه أمرك ويدرك معاناتك وأوجدك لسبب، وأنت هنا لتحقيقه.

 

قد يستعجب البعض؛ كيف للمنطق أن ينتج أفكارًا كهذه؟

لا للعجب فعلاً، كنت مثلك وأكثر لا أعتقد فيه ولا أدرك إمكانية تأثيره في الحياة، ولكنه كان اعتقادًا خاطئًا تمامًا.

دعوة لكل شخص؛ صغيرًا كان أو كبيرًا أن ينهل من دراسة العلوم العقلية، وسيندهش من كم الحقائق التي ستُكشَف له، فقط اطلبه بصدق واجتهد

اقرأ أيضا:
تعرف إيه عن المنطق؟
بالعقل نلعب
الشائعات المدمرة – كيف يتم تداول الأخبار؟

هبة علي

محاضر بمركز بالعقل نبدأ وباحثة في علوم المنطق والفلسفة