فن وأدب - مقالاتمقالات

لماذا غابت الأعمال الفنية الموجهة للطفل؟

والنتيجة كارثية

يحتاج الطفل إلى أعمال خاصة به تناسب مرحلته العمرية ومستوى عقله وحالته النفسية، حتى ينشأ بشكل صحي على المستوى النفسي والأخلاقي، وهناك ما يسمى أدب الأطفال في الرواية والأعمال الدرامية المختلفة (سينما، مسرح، تليفزيون، أغنية)، لكنها للأسف غابت من سنوات طويلة بسبب الاهتمام بالأعمال الدرامية الأخرى،

حيث يرغب المنتج في تقديم الأعمال مضمونة الربح والمكسب من خلال تقديم عمل تجاري (أكشن، كوميدي) للكبار، وبالتالي الكاتب والمخرج لن يهتموا بتحضير عمل قد لا يرى النور، والأولى هنا هي الأعمال سهلة التنفيذ والعرض دون النظر لقيمة أو دور مجتمعي للفن، كما أن الأجر الأكبر والشهرة الأكثر في الأعمال التجارية لا أعمال الطفل، وهو ما جعل كل صُناع الفن يتركون أعمال الطفل.

بين واقع قاسٍ لا يرحم وبين خيال ومواد أشد قسوة

وتركنا الطفل فريسة لأعمال أخرى لا تناسبه، خاصة مع وجود اليوتيوب والمنصات الإلكترونية المختلفة والتي تعرض أعمالا للطفل بها علاقات جنسية وترويج للمثلية الجنسية وتجسيد للذات الإلهية، بالإضافة إلى ألعاب أون لاين بها كثير من العنف، كل هذا ربما يناسب مجتمعات أخرى ولكنها لا تناسب المجتمع العربي والمصري، ومع غياب الوالدين في رحلة تأمين مستوى معيشي جيد وربما عدم إجادتهم التعامل مع التكنولوجيا، أصبح الطفل وحيدا بين كل هذا،

وقد حدثت كثير من حالات الانتحار بالإضافة إلى الأمراض النفسية التي تركتها هذه الألعاب في نفسية الأطفال، وعلى الجانب الآخر في السينما والتليفزيون يُواجه الطفل بـ “عبده موته والألماني وإبراهيم الأبيض”،حيث أصبح محاصرا بين واقع قاسٍ لا يرحم وبين خيال ومواد أشد قسوة تُقدم له عبر كل وسائل التواصل، مع غياب الرقابة والمتابعة والنصح من الأهل.

ورغم كل هذا تم إهمال أدب الطفل وتقديم أعمال للطفل جديدة بحجة أنها غير مربحة، والاكتفاء بأفلام كارتون ساذجة من إنتاج والت ديزني تم إنتاجها من عشرات السنين، ولهذا يتعامل معها طفل هذه المرحلة بتهكم وسخرية ولا يُقبل عليها، وحتى الأعمال القليلة التي أنتجتها القنوات المصرية مثل بكار وقصص الأنبياء، رغم سذاجتها وتحولها إلى مواد إرشادية مباشرة، توقفت ولم يتم إنتاجها أو إنتاج أعمال أخرى بعد ذلك، ثم نسأل عن أسباب عنف الأطفال وتوحدهم مع وسائل التواصل وانحراف سلوكهم!!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اللافت للنظر أن أول فيلم كارتون تم إنتاجه في مصر كان في فبراير 1936، وهو “مشمش أفندي”، واستمر تقديمه لسنوات طويلة حيث كان له أكثر من جزء وتم طرحه في دور السينما للعرض قبل الفيلم العربي، ومع ذلك تراجع إنتاج أفلام التحريك وانحصرت في الإعلانات، ثم عدد محدود من أفلام الأطفال ثم اختفى تماما رغم ريادتنا فيه ورغم أهميته الكبرى.

لا بد من معايير أخلاقية

بالإضافة إلى كل ما سبق نجد كارثة أخرى في حق الطفل وهي مشاركة الطفل في عمل لا يناسب سنه ولا مستوى إدراكه، كما يحدث في بعض الأعمال الفنية التي تتناول المخدرات والبلطجة، حيث يقوم الطفل بدور بلطجي أو متحرش صغير أو فرد في عصابة مخدرات يحمل السلاح ويتلفظ بالسباب والإيحاءات الجنسية،

وعند العرض تجد الأطفال من الجمهور أول ما ينتبهون له هو دور الطفل، لأنه الأقرب لهم في الجيل والعقل ومن ثم يقلدون كل ما قام به، ويتحول الجيل كله إلى متحرشين وبلطجية صِغار، ولا أنسى هنا أفلام فيروز (دهب، ياسمين، فيروز هانم) رغم قيمتها الفنية في تاريخ السينما، لكنه لم يكن مقبولا أن ترتدي طفلة في عمرها بدلة رقص وتعمل بالملاهي الليلية وتشرب الخمر وتتلفظ بألفاظ لا تناسب عمرها على سبيل الكوميديا.

لا بد أن يعي الجميع أن الأعمال المقدمة للطفل لها رسالة هامة وخطيرة، ويجب أن لا تخضع للمعايير التجارية كما يحدث مع باقي الأعمال الدرامية الأخرى، لا بد أن تعود بشكل عاجل ومتطور يناسب طفل هذا العصر، لا بد من التعامل معه بمعايير زمنه لا زمننا نحن، لا بد من تقديم أعمال موجهة للمنصات الإلكترونية واليوتيوب تخاطب الطفل بشكل مختلف يناسبه ويناسب ثقافته وعقليته، حتى نبعده نوعا ما عن كل ما يواجهه من أعمال تؤدي لانحراف سلوكي ونفسي.

تقديم عمل للطفل هو أمر خطير وضروري، إن كنا نريد جيلا سويا متزنا نفسيا متسقا مع ذاته، لا يعاني من أي أمراض نفسية واجتماعية، أعمال تضمن لنا المستقبل من خلال هذا الجيل الذي ظُلم من كل الاتجاهات.

اقرأ أيضاً:

الأسطورة وحق القوة

“التلفزيون “حاضنة الأطفال الجديدة

لماذا لا يحب أبنائي البرامج التعليمية؟

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا