لا تزال الشعوب تبحث عن سبب
الشعوب عادة تريد تبسيط الأفكار والأمور، تريد أن تسمع سببًا واحدًا محددًا للمشكلة، وأن تسمع علاجًا واحدًا محددًا لهذه المشكلة، وأن يكون تطبيق هذا العلاج لا يتضمن أي مسؤولية عليها أو أي أفعال مطلوبة من الأفراد، أن يكون السبب طرف ثالث، والعلاج بطرف رابع!
العرب في مرحلة التيه والضياع
شعوبنا تعيش مرحلة التيه والضياع طوال المائة عام الماضية، وفي كل مرة ترى السبب واحدًا محددًا، وترى العلاج زوال هذا السبب، ثم تصاب بصدمة حين يزول السبب، لكن تستمر رحلة التيه والضياع!
في أول القرن العشرين، قال المثقفون أن سبب التخلفِ الدولةُ العثمانية التي أصابها الضعف، والعلاج اللحاقُ بالحضارة الغربية والتبعية لها، وترك حضارتنا وهويتنا، بل وديننا!
سقطت الدولة العثمانية، هلل المثقفون، ودخل الاستعمار الأوروبي البلاد. لكن عاشت البلاد في مزيد من الفقر والبؤس، حتى أصبح الناس يتحسّرون على الدولة العثمانية والأيام الماضية.
في منتصف القرن العشرين، قال المثقفون أن السبب الاستعمارُ الأوروبي، والعلاج التحررُ السياسي.
خرج الاستعمار العسكري، وجاءت أنظمة ديكتاتورية، زاد معها القمع والتخلف والذل والهزيمة، وتزايد معها الفقر، حتى أصبح الناس يتحسّرون على أيام الاستعمار والأيام الماضية.
لماذا تخلف العرب وتقدم الآخرون؟
اليوم ونحن في أول القرن الحادي والعشرين، لا تزال الشعوب تبحث عن سبب بسيط واحد واضح محدد لتخلفها، كي تلوم هذا السبب، الحكام، الاستعمار، الماضي، التغريب، الفساد، التعليم، الإعلام…
لا تحب سماع أسباب متداخلة معقدة تضع المسؤولية على الأفراد، بل تحب الأسباب المنسوبة إلى المجهول، وإلى الأطراف الخارجية.
كل واحد يختار سببًا ويهلل عليه، بشرط أن لا يكون هو نفسه عليه دور في إصلاح هذا السبب، كي يكمل في نظريات العجز وقلة الحيلة والضعف والمؤامرات الكونية العليا! وانتظار المعجزات والحلول من الخارج!
لا تتقبل الشعوب أن السبب الشعوبُ نفسها، كل فرد يلعب بنفسه دورًا صغيرًا في هذا الفشل!
عوامل كثيرة متداخلة، سيكون علاجها ليس قفزة واحدة وخطوة واحدة وقرارًا سياسيًا، لكن علاجها خطوات كثيرة متداخلة وتدريجية.
ما يسميه مالك بن نبي: القابلية للاستعمار!
ابدأ بنفسك
يجب على كل فرد في هذه الشعوب القيام بالجزء البسيط الذي يختص به ومسؤول هو بنفسه عنه مسؤولية شخصية أمام الله والتاريخ والزمن! مسؤوليته في الجزء الصغير الذي يسيطر عليه، كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، أمام الله وأمام ضميره.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مسؤول عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مسؤولةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مسؤول عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ”.
نجاحات بسيطة صغيرة تتراكم، تصنع شعبًا واثقًا بنفسه وقدراته، يستعيد احترامه لنفسه ولا يقبل الذل والهوان والفساد مقابل فتات الخبز.
ابدأ بنفسك اليوم، كي تكون حجرًا صغيرًا في بناء صرح النهضة، هذا واجبك الديني والأخلاقي، ولا تنتظر المعجزات وقصص الحواديت الخيالية، فالشعوب لا تنهض بالمعجزات، لكن بدفع الناس بعضهم ببعض، والتدافع والصراع.
غيّر ما حولك بالفعل، ولو لم تستطع فالكلمة، ولو لم تستطع فالقلب والعمل بينك وبين نفسك.
كيف يحدث التغيير؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان”.
من تحت الرماد تنهض العنقاء مجددًا وتطير إلى عنان السماء، إنها سنة الله في الكون، موت الأمم ثم عودتها وانبعاثها.
لكن رغم كل التفاصيل التي شرحتها في هذا المقال، وكل التفاصيل المكتوبة على صفحتي، سيسألني أحدهم، يعني أعمل إيه؟
عزيزي الذي يسألني..
كيف رأيت ما أكتب؟ أليس لك صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي؟ اكتب عليها، انشر الأفكار، لو لم تستطع التغيير بالفعل، غيّر بنشر الكلمة والفكرة، لا تكن جبانًا، ولا متخاذلًا.
هذا أبسط شيء يمكنك أن تعمله، أن تنشر وتشارك الأفكار على صفحتك، كي تتغير العقول والأفعال والأعمال.
مقالات ذات صلة:
هل هناك قطيعة إبستمولوجية في الفكر العربي؟
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا