لماذا انتحرت الفتاة في سيتي ستارز؟
سيتي ستارز في مدينة نصر مكان مشهور بالبهجة والترف والاستمتاع، ويقصده الشباب من مختلف أنحاء الجمهورية لالتقاط بعض الصور التذكارية ليراها معارفهم المقربون ويغبطونهم على زيارة ذلك المكان الفخيم، الذي لا يقصده إلا شريحة معينة من المصريين، ناهيك عن أن يتسوقوا منه لأن الأسعار فيه سوبر سياحية، وأقل قطعة شيكولاتة به لا يقل ثمنها عن خمسين جنيها، ويتخطى سعر الطرحة فيه راتب فتاة تعمل في مصنع عشر ساعات يوميا لمدة ثلاثين يوما.
ولنفس هذه الأسباب فإن سيتي ستارز قد يملأ أي شاب أو فتاة في مقتبل حياتهما بقدر كبير من التعاسة، إذ يتخيل أحدهما أن كل المحيطين به سعداء ويستمتعون بحياتهم وقادرون على شراء كل ما يرغبون فيه حتى بمبالغ باهظة، بينما هم عاجزون عن الحصول على أبسط ضرورات الحياة، وأعتقد أن فقراء الأزمنة القديمة كانوا مرتاحين لأنهم لم يكونوا يتعرضون لكل هذه الإغراءات دون أن يتم إشباعها.
مرض العصر
الاكتئاب صار مرض العصر الأول بامتياز، ومضادات الاكتئاب أصبحت مثل الأسبرين في سهولة واتساع الاستخدام، وأعتقد أن علاج الاكتئاب بدون علاج أسبابه الاجتماعية هو نوع من العبث، ولكنه عبث مربح جدا لشركات الأدوية، وفي هذا العصر أصبح الشاب أمام قسوة الحياة وجها لوجه بدون سند من العائلة المترابطة القديمة ولا الأصدقاء ولا حتى التدين القديم الراسخ في النفس،
وبعد ذلك قسوة الدولة التي نعيش فيها بفقرها وفوضاها وزحامها وتدني خدماتها العامة، أيضا انهيار القدوة وسقوط الكثير من الرموز الدينية والسياسية، كل ذلك جعل الشباب يتخبط في بحار هائجة مضطربة ليس لها شاطئ ولا مرسى ولا سفينة إنقاذ.
وانتحار الشباب أكثر لأن طلباتهم من الحياة كثيرة وتوقعاتهم لا حدود لها، ومن ثم يتسرب إليهم اليأس بكل سهولة حين تمر السنوات ويشعرون أن الظروف تعاندهم وتتحداهم وتصر ألا تتغير إلا إلى الأسوأ والأقبح.
نجاتنا كلنا معا وهلاكنا معا
وانتحار الشاب من فوق برج القاهرة له تفسير مختلف عن انتحار الشباب تحت عجلات المترو، كما يختلف عن انتحار فتاة في سيتي ستارز، وأعتقد أن سيتي ستارز سيتحول إلى مكان أقل بهجة بعد هذا الحادث الصعب، وسيحتاج الناس إلى مدة طويلة كي ينسوا، أي أن التعيس لن يرحل ويترك السعداء يستمتعون بحياتهم كأن شيئا لم يكن،
بل يصر أن ينغص عليهم حياتهم من بعده، ومن هنا تأتي رسالة شديدة الأهمية، وهي أننا كبشر في مركب واحد وأن نجاتنا كلنا معا وهلاكنا معا، وعلى السعداء ألا ينسوا التعساء وعلى الأغنياء ألا ينسوا الفقراء وعلى الأصحاء ألا ينسوا المرضى، لأن الضعفاء لديهم وسائل كثيرة للانتقام أقلها أن يريقوا دماءهم في مياه الأغنياء لكيلا يستمتعوا بطعمها إلى الأبد.
اقرأ أيضاً:
عندما نتآكل من الداخل.. ماذا يفعل بنا الاكتئاب؟
هل تعتقد بأن الانتحار هو الخلاص من الألم؟
اترك اليأس وأبدأ الحياة من جديد
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.