السينما قوة لا يستهان بها – من المسؤول عن التأثير الناتج عن مشاهدة الأفلام؟!
لماذا السينما؟
تكمن قوة السينما في قدرتها على التحكم في انتباه المُشاهد بدرجة لم تتمكن أى آداة فنية أخرى من الوصول إليها وهذا بسبب استخدامها أولا لباقي الأدوات الفنية الأخرى كالموسيقى والحوار التساؤلي الذي يجعل المشاهد دائما في حالة تحفز لحل المشكلة أو الإجابة على السؤال المحوري لفيلم غيرهم، وثانيا لاستخدامها للتجسيد التصويري -للأحداث والأشخاص- الذي يوفر على المشاهد الكثير من الجهد لفهم ما يدور أمامه؛ فيجعله من خلال الكاميرا ينظر حيث يريد صانعي الأفلام منه أن ينظر وينتبه، وهذا على عكس المسرح والأدب الروائي الذي يحتاج للكثير من التحليل العقلي وقوة التخيل لفهم وربط الأحداث .
السينما سلاح ذو حدين
تظل قدرة الأفلام على نقل الكثير من الأشياء لأعداد غفيرة من الناس في وقت قصير نسبيا أحد أبرز سماتها، لكنها أيضا سمة أثارت قلق كثير من الفلاسفة والمُنظِّرين السينمائيين، فها هو “أدرونو” و”هوركهايمر” يحذران من التأثير السلبي المحتمل للفن الجماهيري على جمهور مُنقاد لا يتمتع بالحس النقدي، وبالمثل فإن التأثير الإيجابي الذي يمكن أن تُحدثه السينما أيضا لا يُستهان به، وهنا يأتي السؤال من المسؤول عن التأثير الناتج عن مشاهدة الفيلم؟! صانع الفيلم أم المُشاهد ؟
من المسؤول صانعي الأفلام أم المشاهد ؟
إذا نظرنا لطبيعة المجتمع سنجد أنه مُكَوَّن من عدة طبقات بحكم العلم والثقافة ومدى التجرد للوصول للحقيقة، وسنجد أيضا أن الطبقة القادرة على التأثير لا تتعدى العشرات في مقابل الآلاف ممن يتأثرون عاطفيا بما تطرحه الفئة القليلة المؤثرة، لذلك يمكننا القول أن المسؤولية تقع في المقام الأول على عاتق صانع الفيلم باعتباره من الطبقة القليلة القادرة على التأثير في الطبقة العريضة من الجمهور.
السينما وسيلة لتغيير الواقع
بالطبع، نحن لا ننفي مسؤولية كل شخص عمَّا يتبنى من أفكار وسلوكيات ولكننا أيضا لا يمكن أن نقول مثلما يقول البعض أن السينما مجرد أداة لعرض الواقع كما هو وبما أن الجمهور يستمتع بما يشاهد حتى ولو كان يلعب على وتر الغرائز والميول غير السوية كالسادية والمزوخية واستخدام المادة كوسيلة للمتعة وغيرهم من الميول، فعلينا تقبل ذلك والجمهور مسؤول عن ما يرى ويتبنى رأيه.
نحن لا نتفق مع هذه الرؤية لأننا نرى أن السينما أداة لتغيير الواقع والتأثير فيه، حيث أنها لديها من القدرة ما يُمكنها من تغيير ثقافة شعب كامل؛ فعدد من يشاهدون فيلم ويناقشون أفكاره ويتأثرون بما فيه يفوق عدد من يقرأون ويتعلمون بمراحل،
ولدينا مثالا قويا نجده في كتاب “السينما والفلسفة” عن قوة الخطاب السياسي في السينما وما يمكن أن تُحدثه خطبة في فيلم من أثر على ثقافة شعب، فخطبة “شارلي شابلن” السياسية في فيلم “the great dictator” تجسد مثلا مثيرا للاهتمام في هذا الإطار، فقد كان الهدف الأساسي للفيلم تبديد أي بقايا انجذاب لـ”أودلف هتلر” والفاشية القومية عموما، وقد حقق الفيلم هذا الهدف بأسلوب ساخر وممتع .
خلاصة القول
قد تتسبب الأفلام في تشويش الجمهور وإرباكه نتيجة تلاعبها بالمشاعر أو مغازلتها لشتى الأهواء، فالبعض يعتقد أن نجاح الفيلم يعتمد في الأساس على مدى تلبيته للرغبات المكبوته لدى الجمهور، كما أننا غالبا نصدق ما نرغب في تصديقه لأن مشاعر معينة تنتابنا؛ لا لأن المنطق يدفعنا لتصديقه، فالسينما تمدُّنا بكثير من المعلومات الخاطئة وتضللنا في كثير من الأحيان، بقدر ما تطلعنا على قضايا فلسفية وتعمق معرفتنا الصحيحة بها، لذلك فإن اقتفاء أثر هذا التشويش جزء لا يمكن تجاهله، وإذا لم نتمكن من تغيير وجهة نظر صانعي الأفلام؛
فعلينا على الأقل إن كنا ممن يستطيعون التأثير في محيطهم كآباء أو مثقفين ألا نتعامل مع الأفلام على أنها مجرد أداة للتسلية؛ فنترك عقول ومشاعر الشباب والأطفال عرضة لهذا التشويش دون تدخل عقلاني يضبط هذه العملية، أما عن كيفية التدخل والحماية من الأثر السلبي مع الحرص الشديد على الاستفادة والاستمتاع في الوقت ذاته من مشاهدة الأفلام؛ فهذا ما سنتناوله في المقال القادم إن شاء الله.
المقال مستوحى من كتاب “السينما والفلسفة .. ماذا تقدم إحداهما للأخرى؟!”
اقرأ أيضا: