لحوم العلماء .. بين المدح والذم!
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض لأحد العلماء المشهورين في الوسط الديني .. والعجيب في الأمر أن هذا العَالِم إذا عاد للحياة مرة أخرى؛ ربما تبرأ من الطرفين لمغالاتهم في مدحه وذمه بما لا يطيق.
بالطبع هناك من المنصفين من يتحدث بموضوعية عن منهج الرجل؛ فيظهر العيوب والمزايا ولكن كيف نضمن أن لا نقع في فخ المغالاة والتهويل مدحًا كان أو ذمًا؟ وكيف نتعامل مع من يضع الناس في قوالب؟ إما أن تكون مع أو ضد ولا ثالث لهما؟
ثلاث فئات من الناس
إذا نظرنا لواقعنا بموضوعية؛ سنجد أن هناك ثلاثة فئات ممّن يتعاملون مع قضايا تصنيف العلماء: جاهل يتبع ما وجد عليه آبائه ومن تربى في كنفهم، وعالم ربانيّ لا يخشى في الحق لومة لائم، وعالم يتبع هواه يعرف الحق ويقوله فقط إذا كان يدفع عنه ضررًا أو يجلب له منفعة.
من يتبعون الظن
الفئة الأولى هي الأكثرية؛ منهم محب للحق والخير ولا يعلمه ولا يعرف أهله، ولكنه يظن أن آبائه ومن تربى في كنفهم وتعلم من كبارهم هم أهل الحق، فما يقولونه ومن يتبعونه هم الحق وأهله ومن ينتقدهم ضال ولو كان نقده حق. وهذه الفئة لا تتبع إلا الظن، تظن أنها على حق وتظن أن عُلماءها على حق، وما يقولونه هو الحق ولكن دون سؤال عن دليل؛ فالحق عندهم يعرف بالرجال، فلماذا نسأل عن دليل صحة الرجال؟
العلماء الربانيّين
أما الفئة الثانية؛ فهي الأقلية العاقلة، والتي دائما ما تبحث عن الحق وأهله، ويميلون مع الدليل حيث يميل. الحق عندهم لا يُعرف بالرجال كما عند الفئة الأولى؛ بل العكس فالحق عندهم هو ما طابق الواقع، حتى أن البعض يتفاجأ من نصرتهم لمخالفيهم إذا ثبت أحقيتهم، ويتفاجئون من نصرتهم للظالم لو اتضح أنه المظلوم في هذا الموقف أو ذاك.
فهم أهل الدقة والحكمة فلا يزر وازرة وزر أخرى. هؤلاء هم من يٌفرقون بين الحكم على الفعل والقول وبين الحكم على النية التي ليس لأحد من الخلق الحكم عليها. هؤلاء القلة هم من لا تجدهم إلا بعد طول مجاهدة لنفسك؛ فيهديك الله إليهم ليرشدوك لطريقه حقًا.
أئمة الباطل
أما الفئة الأخيرة؛ فهي الأقلية الجائرة؛ هم يعرفون الحق وأهله، ولكنهم أئمة الباطل الذين لا تشغلهم إلا الدنيا، ولا سبيل لتحقيق آمالهم إلا بهدم العلم والعلماء، فتجدهم يترصدون عيوب العلماء –وخاصة علماء الدين- فيقولون فيهم كلمات حق وباطل.
وكلمة حقهم هي الكلمة التي يُقال لها “كلمة حق يراد بها باطل”، هؤلاء لا يُظهرون أخطاء العلماء لحماية الحق وإرشاد الناس إليه؛ بل إنهم يريدون هدم كل ما يتبناه هؤلاء العلماء من علم ودين.
بالطبع فكلما أسقطوا عَالم في نظر العامة؛ سَهُل عليهم إسقاط غيره؛ فيُفسح لهم الطريق لتحصيل المنافع الدنيوية التي لا سبيل لتحقيقها إلا بهدم العلم والعلماء والتعتيم على الحق ورجاله.
بعد أن قمنا بتحليل الواقع يبقى السؤال “كيف نتجنب أن نكون من المُغالين الذين لا يتبعون إلا الظن؟”
فنقول؛ العاقل لا يحكم إلا بعد جمع المعلومات من مصادرها الصحيحة؛ فإذا أردنا الحكم على أحد العلماء علينا أن نقرأ كتبه ونتعرف على سيرته، مُتحلّين بمنهج العقلاء في البحث والتمحيص فلا نصدق كل ما نقرأ من أخبار ولا تحليلات إلا ما تواتر منها عن الرجل، وإذا لم يكن لدينا من الحلم والصبر وطول البال ما يؤهلنا لجمع المعلومات والحكم عليها؛ فالتوقف عن الحكم والخوض في هذا الجدال أولى.
ولكن إذا وجب علينا الحكم ولم يتوفر لنا جمع المعلومات والحكم بأنفسنا، يمكننا التوجه لمن نثق بأنهم على علم بحقيقة هذا العالم ونسأله ولكن هذه الخطوة تحتاج لدقة شديدة لكي لا نكون من الذين يتبعون من يتبعون الظن ولو كانوا في ظاهرهم علماء، فأهل الحق “العلماء الربانيين” هم فقط من يمكن أن نثق بهم وهم قلة نسأل الله أن يوفقنا ويهدينا بهم إليه.
اقرأ أيضا:
مسار إجباري (الفلسفة والدي ) – هل يتعارضان؟