كيف يحدث الخلاف بيني وبينك؟
عقلين وواقع واحد
دائماً ما تكون الخلافات ملازمة لنا في حياتنا موقف بين صديقين، وآخر بين قريبين، وأخري مع مذيع بالتلفاز وضيفه، وأخري مع بائع وغيرها الكثير من الخلافات، فيمكننا القول أنه ما إن اجتمع شخصان أو أكثر كان في الأغلب بينهم خلاف بين بعضهم البعض عن مسألة معينة أو أكثر، فكيف يحدث ذلك الخلاف في حين أننا كلانا عاقل وكلانا من المفترض أن يكون مدركاً لواقع واحد بحقائقه الثابتة؟.
وهنا يأتي تفسيرنا لما تعنيه جملة ” عقلين وواقع واحد ” فمثلاً إن أشار صديقان إلي حائط ما فاختلف كلاهما حول طوله، فقال الأول بأنه خمسة أمتار وقال الثاني بل هو ثلاثة أمتار، فالاثنان أدرك كلاهما الحائط بعينيه وافترض تقريبًا بعقله طولًا معين إلا أن الحائط في الواقع يحمل طول بعينه أي حقيقة واحدة، وهذا ما يعلن عنه وحدة قياس ورصد الواقع في تلك الحالة وهي المتر (أمور مادية).
وهنا يأتي دور تفنيد مسببات الخلاف
مسببات الخلاف:
1- أدوات المعرفة ودورها في تشكيل رؤية الإنسان.
” أدوات المعرفة ودور كل منها وطبيعته التي يدرك بها الواقع لتتكامل تلك الأدوات لصياغة رؤية شاملة للواقع على صعيديه المادي والمعنوي ”
أدوات المعرفة لدي الإنسان متعددة؛ لكل منها طبيعة خاصة تُمكن الإنسان من إدراك جانب من الواقع ؛ فلديه العقل وهو قوة من قوي الجانب الروحي لديه وبه يتم إدراك الأمور الكلية أو القواعد العامة كوجود خالق للكون أو أن قيمة كالعدل حسنة أو أن من العدل أن يكون هناك حساب للإنسان ليُثاب المُحسن ويجازي المسيء بما فعل وهكذا من الأمور الكلية التي يمكن للعقل إدراكها .
ويملك كذلك الإنسان أداة أخري وهي الحواس والتي تمكن من خلالها بالتعرف على قواعد وقوانين العالم المادي فاستطاع التوصل من خلالها لقوانين الطبيعة ( العلم التجريبي ) وأصبح كلاهما أدواته لرصد الجانب المادي للواقع كأنه يعلم من علم الطب كيفية التعامل مع جسده ، ويعلم من علم الجيولوجيا والفيزياء والكيمياء والأحياء و الفلك و غيرها من العلوم ما يمكنه من القدرة على التوافق مع طبيعة الأرض و تطويعها لخدمته.
وكذلك النص الديني الذي يقدم له منظومة متكاملة من القوانين التي تضبط تعاملات الأفراد بداخل المجتمع وتمنح الإنسان الطرق التي يمكنه من خلالها عبادة الخالق وشكره وتربية وتهذيب نفسه .
الاختلاف في الأدوات المعرفيه أحد أوجه الخلاف لدى البشرية
وتلك الأدوات جميعها كما تقدمنا وفق طبيعة خاصة تمكن الإنسان من إدراك جانب من جوانب الواقع والاختلاف يحدث مثلاً بين شخص وآخر حينما يستخدم أداة محل أداة أخري أو تتكون رؤية شخص ما أو فكر معين وفق أداة أو أداتين فقط معتقدًا أنهما هما أداة إدراك الواقع وحسب .
وهنا من الممكن ذكر الكثير من الأمثلة، فنجد الخلط بين استخدام الأدوات محل أخري أمر شائع على مر العصور حتي في عصرنا الحالي وما أوصلنا إليه الفكر المادي من نظرة مادية للواقع قائمة على أداة الحس والتجربة فقط معتمدًا على العقل لخدمة تلك الأداة ليس لتوجيهها واستخدامها فقط في محل طبيعتها التي تقتضيها وهي أن تدرك فقط الجانب المادي من الواقع إلا أنه يلغي بذلك وجود أصلاً جانب معنوي أو ما ورائي (ما وراء الطبيعة) للواقع
لأنه بتناقضه ذلك يظن أنه ما لا يدركه الحس والتجربة ليس سوي أساطير وأوهام ولعلنا سمعنا تلك الأمور تاريخياً كذلك حينما طالب الناس الرسل والأنبياء مطلب متناقض كهذا فقالوا لهم ” أرنا الله جهرة ” أو ” أنهم يرووا الملائكة مثلاً ، وهذا الفكر المادي للأسف يناقض نفسه فما أكثر ما لا نراه مقارنة بما نراه فكيف يدرك ما هو ليس بمادي من خلال أدوات مادية؟!!
فكان الاختلاف في الأدوات المعرفية تلك أحد أوجه الخلاف لدي البشرية منذ القدم فهي الأدوات التي تتكون من خلالها رؤية صاحبها، فإن لم يحسن استخدام الأدوات؛ أدرك الواقع بشكل خطأ، وظن أن رؤيته تلك صحيحة، وأنه يملك الحقيقة في حين أنه لم يملك دليلاً يطابق الواقع ليطرحه فيبرهن به على صحة ما أدرك من الواقع
، كما ظهر لدينا في مثال الحائط واختلاف الصديقين عليه فالمرجح هنا لصحة رأي أحدهما هو حقيقة طول الحائط نفسها ( أي حقيقة الواقع ) والتي يعلنها الدليل المطابق للواقع وهو في حالتنا المادية تلك يكون المتر، أما في حالة الأفكار والرؤي تكون البراهين والاستدلالات العقلية .
2- طريقة عمل العقل إحدي أهم مسببات الخلاف
طريقة عمل العقل تتم بجمع المعلومات وترتيبها وصولاً للمجهول فمثلاً رياضياً 2س+ 4 = 10حينما نرتبها جيدًا 2س = 10 -4، لنتوصل إلي أن 2س = 6 فنجد أن س = 3 وهكذا يعمل تفكيرنا ليتوصل إلي المجهول، وفي الحياة مثلاً حينما يقابل الشخص مشكلة ما فيجمع معلوماته حول المشكلة ليتوصل إلي الحل بعد ترتيبها ترتيباً معيناً،
فمثلاً باب الشقة لا يريد الإغلاق فيذهب إلي احتمالات حول المشكلة؛ تقول بأنه من الممكن أن يكون المشكلة في القفل أو في مفاصل الباب فيذهب ليتفحص المشكلة فيجد أنها في القفل فيغيره وبالتالي جمع المعلومات الصحيحة وترتيبها ترتيب سليم يمكّننا من الوقوف على الحل؛ أي معرفة المجهول، وحينما يختلف شخصان في موضوع واحد إن لم يتوافقوا في جمع المعلومات الصحيحة و ترتيبها الترتيب الصحيح حتمًا سيحدث بينهما خلاف،
فمثلاً زوجان بينهما خلاف حول مشكلة أن تحصيل ابنهما لتلك السنة الدراسية قد تدني، وتري الزوجة أن السبب في ذلك إهمال الطفل وأنه يقضي ساعات طويلة على الألعاب الإلكترونية، في حين أن الأب يري أن السبب في عدم فهم الطفل نفسه؛ فهو يحفظ ويظهر ذلك في تذكره ما قد ذاكره لمدة قصيرة وبعد ذلك ينسي ما قد ذاكره.
الزوجان كل منهما جمع المعلومات بطرية معينة ورتبها ترتيبًا معين ومن يملك الدليل الواقعي هو من سيقف على السبب الحقيقي للمشكلة، وهكذا خلافاتنا؛ فإن لم توضح صحة معلوماتنا وترتب بالطريقة السليمة حتمًا سيحدث الخلاف
3- موانع التفكير
أي قصور نفسي يسبب تأثير على القوة العقلية في عملية التفكير سواء حب الظهور أو الأنانية أو الكبر أو العُجب أو غيرها و العاطفة والغضب والشهوة.
العقل كما تقدمنا يعمل وفق مقدمات مكونة من معلومات مجموعة وصولاً إلي نتائج عبارة عن أسباب وحلول مستنتجة ، فإن تلك العملية عملية أشبه بآلية حسابية والتي تضبطها قواعد التفكير المنطقي فتعتمد على فقط الإدراك وإعمال الذهن وفق ما تم إدراكه من معلومات للتوصل إلي نتائج، وتلك العملية طبعًا يؤثر فيها الكثير من العوامل النفسية،
فمثلاً شخص ما يفكر في شيء ما يحبه كوجبته المفضلة فيبرر لنفسه أكل قدر قليل منها رغم أن الطبيب يحذره من ذلك أو أن شخصين يتناقشان فيجادل أحدهما الآخر بعد أن أقام صديقه دليله الواضح مبارزًا إياه لنصرة نفسه وكبريائه أو أن يتمادى شخص ما بعد أن يدرك أن ما يقول خطأ لمجرد أن لديه عجب فيستمر فيما يقول ويتمسك به، ولعل في أمثلتنا ما يظهر ما تحدثه موانع التفكير من خلاف بيننا وغيرها الكثير مما تكشفه لنا قواعد التفكير المنطقي.
كيف يحدث التوافق ويحل الخلاف:
بالتحلي بقواعد التفكير المنطقي يصبح لدي المرء قواعد ضابطة لعملية تفكيره، وكذلك لكشف حقيقة الأفكار المتناقلة إليه، فمثلاً حين كثر اللسان الأعجمي في العرب، وأصبح الخطأ في اللغة يُظهر احتياج الناس لقواعد تضبط للناطق والسامع والقارئ والكاتب بالعربية اللغة نفسها طريقة استخدامها، ليكتشف الخطأ و يصححه سواء لنفسه أو لغيره،
وكذلك كانت عملية التفكير فحين ازدادت الأفكار الفاسدة واختلطت مع الأفكار السليمة ، وأصبح الأمر مرتعًا للسفسطة والسفسطائيين، فوجب أن تخرج قواعد تضبط عملية التفكير ومن طبيعة القواعد أنها كائنة من خلال طبيعة الفكر السليم أي كقواعد النحو حينما خرجت من اللغة الصحيحة .
وهنا نعي أن الخلاف أصله إما إدراك خاطئ للواقع أو اختزال الإدراك على مجرد أداة معرفية أو أكثر في غير محلهم وبالتالي خطأ رؤية صاحبها، أو أن الطريقة التي يعمل بها ذهن المدرك في المعلومات طريقة خاطئة سواء عدم صحة المعلومات المجموعة أو في طريقة ترتيبها، أو أن المدرك لديه من الموانع التي تعيقه على إتمام عملية التفكير السليم فتمنعه من الوصول إلى الحقيقة.
ولأن الواقع دائمًا واحد فخلافنا يفصله دليل مطابق للواقع يرجح رأي صاحبه ويعلن بأنه قد أصاب الحقيقة.
اقرأ أيضاً:
الاختلاف الواجب قبوله بين مركزية الإنسان ومركزية الإله