كيف نقرأ النص الفلسفي
كثيرا ما تواجهنا أسئلة من أبنائنا الطلاب في مرحلة الليسانس أو حتى في مرحلة الدراسات العليا، وكذلك مع من نتعامل معهم في حياتنا اليومية من غير المتخصصين، هذه الأسئلة تدور في فلك واحد هو لماذا دراسة الفلسفة صعبة؟ ولماذا نصوص الفلاسفة مستغلقة الفهم؟ ولماذا كلما حاولنا الاقتراب منها نشعر بأننا لانريد دراستها؟
تكمن الإجابة على كل هذه التساؤلات في قول واحد ألا وهو الحب، قد يتعجب البعض من هذه الإجابة لكن أقول لمن يتعجب يا صديقي هل تتفق معي أن الحب يصنع المعجزات؟ إذا أحببنا ما نقدم على فعله ستزول وستذلل كل العقبات والصعاب، فليس هناك صعب ولا هناك سهل والصعب ما صعبناه على أنفسنا والسهل ما ركنا إليه، إذا أقدمنا بحب على دراسة الفلسفة فستحبنا وكلما ازددنا حبا فيها زاد حبها لنا بل وشدتنا إليها وقربتنا إليها أكثر وأكثر.
مقومات النص الفلسفي
وهكذا في كل أمور حياتنا، لكن ما هي مقومات فهم النص الفلسفي ؟ المقوم الأساسي أن يكون لديك حصيلة لغوية تستطيع أن تتعامل من خلالها مع نصوص الفلاسفة الذين كانوا يكتبون نصوصهم باللغة العربية الفصحى، فلابد أن يكون لديك إلمام بمفردات اللغة.
المقوم الثاني لابد أن تكون لديك دراية بفهم المصطلح الفلسفي ، فهناك مصطلحات قد تكون مستغلقة الفهم ومن ثم لابد أن تعود إلى معاجم وقواميس المصطلحات الفلسفية من أجل الخروج من هذا المأزق.
ثم هناك مقوم رئيس ومهم هو أن لا تقرأ الفلسفة بدون مرشد لك ومعلم تسترشد به في فهم العبارات التي تحتاج إلى ضبط ودقة في الفهم.
كيف نقرأ النص الفلسفي؟
ثم نأتي إلى كيفية قراءة النص الفلسفي وليكن نصا للكندي فيلسوف العرب، في البداية لا نكتفي بمؤلف واحد بل نقابل النص الموجود في مثلا رسالة الكندي إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى عن مثلا تعريف الفلسفة، نقابله بكتاب آخر للكندي كرسالة الحدود ونقوم بالمقارنة والمقاربة بين النصين، ثم نخرج الألفاظ مستغلقة الفهم ونعرضها على أساتذتنا أو على معاجم الفلسفة.
ونبدأ بعملية تحليل لهذا النص، وأقصد بالتحليل ليس تحليلا فقط وإنما شرح وإضافة ومقارنة ونقد لإبراز شخصيتك، وكذلك الأمر عندما نقرأ نصا للفارابي أو ابن سينا أو ابن رشد أو اسبينوزا، أو كانط أو هيجل أو ماركيوز، أو الكواكبي والأفغاني وعبده والطهطاوي وزكي نجيب محمود، وغيرهم.
المهم ألا نصاب بالإحباط واليأس بل نقرأ مرات عديدة وعديدة، فكل شيء يأتي بالمراس والتعود المهم نأخذ الخطوة الأولى، كذلك أرى أننا بعد قراءة النص وتحليله لم لا نعبر عنه بأسلوبنا فكما كانوا هم رجال فنحن أيضا رجال لنا فكرنا ولنا آراؤنا، نفكر ونبحث ونكتب ونشترشد بآراء هؤلاء لكن لانقصها ونلصقها بل نجعل أفكارنا تتعانق مع أفكارهم لنصل إلى غايتنا المرجوة ألا وهي نهضة وصحوة فكرية حداثية مستنيرة،
تخرجنا من مستنقع وبراثن التبعية البغيضة العفنة من أجل تشييد مشروع حضاري فكري متزن يتناسب مع متغيرات العصر، مشروع حداثي يجمع بين عبق وأصالة فكرنا ومعاصرا لواقعنا المعيش، وهذا ما نصبوا إليه ونحلم به،
رؤية تجديدية لفكرنا من أجل الانطلاق للعالمية ويحدث مواكبة ومعاصرة للثورة المعلوماتية الكبرى فلا نتقوقع داخل النصوص بل نوظف هذه النصوص بفكر حداثي مستنير يواكب ركب التقدم، فالفلسفة لا تدعونا إلى العود القهقري للخلف وإنما الفلسفة والنص الفلسفي دعوة للفكر وإعمال العقل في كل صغيرة وكبيرة، فالفيلسوف الحق والمفكر الرشيد هو الذي لا يحتقر شيئا مهما بلغ من ضآلة الشأن مبلغ الطين والشعر.