مقالاتقضايا وجودية - مقالات

هل تجوز الرحمة على الملحد؟

انتشر على مواقع التواصل خبر موت أحد المشاهير التي أعلنت منذ مدة إلحادها وبدأت في الدعوة للإلحاد ودعم كل من يقدم على اتخاذ هذا القرار، ومع زيادة انتشار الخبر؛ ازدادت الانقسامات حول ما إذا كان يجوز الترحم عليها أم أن الترحم وطلب المغفرة من الله لا يجوز إلا على المؤمنين فقط! وهنا نتساءل كيف نحكم على شخص ما بأنه ناجٍ أو هالك ؟ وهل كل من قال بلسانه أنه معتنق للدين حقًا ناجٍ ؟ وهل كل من قال بلسانه أنه مُلحد أو لا ديني هالك ؛ لأنه قفز بلا رجعة من السفينة؟

كيف نحكم على صلاح وفساد البشر؟

إذا أردنا الحكم على شخص بعينه بأنه ناجٍ أو هالك فهذا أمر مستحيل .. لماذا؟

قبل أن نجيب عن “لماذا” علينا أن ندرك الجوانب التي تُشكل المنتج النهائي والتي يمكننا من خلالها الحكم على صلاح أو فساد إنسان.  يبدو أنه لا خلاف على كون أفعال الإنسان من أهم العوامل -ان لم تكن عند البعض هي العامل النهائي- للحكم على صلاح أو فساد الإنسان وهذا ما يجعل البعض لا يهتم إلا “بالمعاملة”

بغض النظر عن انتمائك أو دينك ..إلى آخره، وهناك فئة أخرى ترى أن الأفعال لا تُعد مؤشر لصلاح أو فساد الإنسان لأن “المظاهر خداعة” والعامل الأساسي للحكم هو مدى صلاح قلب الإنسان وارتباطه بخالقه،

وهناك عامل يبدو أنه غائب عن الكثيرين؛ وهو عقل الإنسان الذي يُشكل به الإنسان رؤيته للعالم من حوله وللإله وعدله ومن ثم درجة تشاؤمه وتفاؤله في الحياة؛ فهذا أيضا من الجوانب التي تشكل المنتج النهائي للإنسان .

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لماذا لا نحكم ؟

ولكن إذا جمعنا هذه الآراء، وقلنا بأن كل ما سبق يُشكل جوانب الإنسان بمعنى أن عقله وقلبه وفعله معا يشكلوا المنتج النهائي الذي يمكننا تقييم مدى صلاحه أو فساده بناء عليهم؛ فلماذا قلنا في البداية أن الحكم على شخص بعينه أمر مستحيل ؟

لأن طبيعة النفس البشرية وما تمر به من تقلبات لا يطّلع عليها إلا العليم سبحانه وتعالى، فربما نرى الأفعال، ولكن ماذا عن الملكات المغروسة في القلب؟!

من الممكن أن نرى من يتصنَّع فعل الكرم من أجل مكانة اجتماعية ومن الممكن أن تتظاهر دولة ما بأنها تقدم العون لشعب يعاني من مجاعة وهو السبب الحقيقي في معاناة من يقدم لهم العون،

أما عن المعتقدات والأفكار؛ فمن الممكن أن نرى شخص مجتهد ولا يستخدم إلا الوسائل الشريفة للوصول لأهدافه – أي أن أفعاله صالحة- ولكنه ينسب الفضل لنفسه ويقول (إنما أوتيته على علم عندي) بدلا من أن ينسب الفضل لمسبب الأسباب الذي بيده إزالة الأسباب المتاحة في أية لحظة أو إعدام قدرة هذا المجتهد على اتخاذ الأسباب؛ فمعتقده فاسد بالرغم من صلاح فعله وهكذا ..

حكم لا ضرورة له

إذا تأملنا في التحليل السابق لجوانب الإنسان؛ سنجد أنه لا وقت لدينا للانشغال بالحكم على فلان من الأساس؛ بل علينا أن ننشغل بأنفسنا ونستيقظ عند سماع مثل هذه التغيرات التي تطرأ على البشر وتُغير مسار حياتهم.

فمثلا إذا افترضنا أن أفعالنا تميل في معظمها للصواب؛ فماذا عن تصوراتنا ومعتقداتنا عن الإله؟! أليس من الممكن أن نقول بألسنتنا أنه الرزاق ونخشي أن يمنعنا صاحب العمل الرزق ؟! أليس من الممكن أن نقول بألسنتنا بأن الله قادر على كل شيء، ولكننا لسنا موقنين بأن الأوضاع من الممكن أن تتغير للأفضل !

وإذا افترضنا صلاح أفعالنا؛ فماذا عن الغل والحسد والكبر والعُجب وغيرها من الملكات القلبية السيئة التي تنغرس فينا بقدر انغماسنا في وسائل التفاخر الاجتماعي ؟!

وماذا إذا كانت أفعالنا نفسها فاسدة لأنها ناتجة عن اتباع ما وجدنا عليه أباءنا لا عن علم وروية ودليل وسؤال لأهل العلم !

كيف نضمن النجاة ؟

لا ينجو إلا من يستمر في السباحة؛ لا من تعلَّق بوهم أن كل من ينطق ببعض الكلمات فهو ناج؛ لأنه ركب سفينة النجاة؛ فالعاقل يرى نفسه مالك للحقيقة، ولكنه يرى نفسه طالبا لها ساعي لتطبيق ما علمه منها، وعلى هذا يمكننا تشبيه علاقتنا بالدين الصحيح أو بالحقيقة بشكل عام بالسباحة لا بركوب السفن والفارق على حد التعبير المذكور في كتاب التدين العقلاني أمران:

الأول : أن من يركب السفينة يظن أنه ناج بغض النظر عن أفعاله على السفينة وأنه لم يعد مهدد من خطر ارتفاع الأمواج؛ فإنه سيصل عاجلا أم أجلا إلي بر الأمان، أما إذا كان سابحا؛ فإنه سينجو فقط ما دام يراعي الضوابط ويجيد السباحة ولكنه بمجرد التوقف عن السباحة أو تجاهل تلك الضوابط؛ فإنه سوف يكون هالك .

الثاني : أن راكب السفينة قد يجد نفسه مميزا عن من لم يركبها، أما من لم يركبها فإنه هالك إلا في بعض الحالات الاستثنائية، ولكنه إذا كان من السابحين فلا ميزة لسباح على الآخر إلا بمراعاة ضوابط السباحة والاستمرار فيها، ولن ينشغل من الأساس بغيره، لأنه إذا انشغل بغيره غفل عن نفسه.

خلاصة القول:

إلهنا هو العليم بحال كل إنسان وتقلباته؛ وهو الوحيد القادر على إعطاء كل ذي حق حقه بلا زيادة أو نقصان والأمر ليس بهذه السهولة بحيث نقول أن من يُردد بعض الكلمات ويفعل بعض السلوكيات فهو ناج ومن دونه هالكين،

ولكننا مع ذلك لا نتفق مع من يمتنعون تماما عن إطلاق الأحكام ويخلطون بين الحكم على الأشخاص وبين تصنيف الأفكار والأفعال إلى حسن وقبيح وفق معايير واضحة عقلية ودينية وعلمية،

فبدون هذا التصنيف تنتفي قدرة الإنسان حتى على تقييم نفسه ومعرفة ما إذا كان يجاهد في الطريق الصحيح أم لا.

وأخيرًا هل تجوز الرحمة على الملحد؟ سؤال لا أظن أنه يستحق عناء البحث عن إجابته ومع ذلك فمن أراد الإجابة يمكنه الرجوع لأهل العلم والفقه فهم المنوطين بالإجابة على مثل هذه التساؤلات.

اقرأ أيضا

 الإلحاد في ميزان العقل

الإنسان والحكم الظنى وأثره في حياتنا

التربية في مواجهة الإلحاد

محمد خيري

عضو بفريق بالعقل نبدأ القاهرة