مقالاتقضايا وجودية - مقالات

كيف نتعامل مع مصائب الحياة؟

خلال الأيام الماضية عايشت مع أشخاص أحبهم عدة محن، سيدة فاضلة _تعمل معي_ ابنتها تعاني من مرض جعلها ترى الدنيا بعين واحدة، ثم تعرضت لحادث فقدت معها عينها السليمة.

سيدة تكتشف بعد عشرة سنوات من الزواج أن زوجها يخونها مع سيدة أخرى.

طبيب يفقد قدرته على الحركة في حادث سيارة ويفقد معه كل قدرته على العمل.

سيدة يموت زوجها الطبيب الناجح فجأة ويتركها بلا مصدر دخل. رجل أعمال يجد نفسه فجأة في السجن وفي لحظة يضيع كل تعب حياته وسمعته وأمواله وأسرته. أحداث حقيقية نراها كل يوم أو نسمع عنها ونعتقد أنها بعيدة عنا!

فضلا عن المحن و المصائب التي تصيب الناس ونراها أثناء مهنتنا في الطب كل يوم، ماذا يحدث لنا حين تصيبنا المصائب ؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الكهف المظلم

مصائب نعرف أنها موجودة، موجودة في كهف مظلم، لكن نسير في الحياة ونقنع أنفسنا أن هذا الكهف غير موجود! أو أن الكهف المظلم ليس فيه أشباح ولا وحوش! ثم فجأة نجد أنفسنا في هذا الكهف، في هذا العالم المخيف. نكتشف أن كل ما وثقنا فيه واعتقدنا أنه ثابت وقوي صخرة صلبة وجبل نحتمي به هو رمال متحركة، سراب، وهم! وقتها نشك في كل شيء، في أنفسنا، في الآخرين، في الدنيا، في الله، في الكون!

ثم نبدأ رحلة الاتهامات، من السبب؟  هل هناك سبب؟ هل العيب فينا أو في الآخرين أو في الظروف؟ ليس شرطا أن يكون هناك سبب، لكننا نبحث عن شخص أو شيء نعتبره السبب ونتهمه!

ثم ندخل مرحلة فقدان الثقة بالنفس وفي الآخرين، مرحلة احتقار الذات، لا بد أن العيب فينا، نحن نستحق هذا الألم وهذا العقاب لأننا حمقى، خطاة، أغبياء. لا بد من كبش الفداء كي نصب عليه حمم الغضب والحقد والانتقام! كبش الفداء نحن أو الآخرين أو الظروف والملابسات!

ما أجمل أن نعيش دور الضحية، وأن نرسم صورة الظالم الشرير للآخرين! نخفي خطايانا، ندّعي القدسية والتضحية! وكل البشر يتحولون إلى أغبياء، ويفقدون ذكاءهم وقت الغضب والانتقام  أو وقت الاستعجال أو وقت الخوف! قد نتخذ قرارا أحمقا في هذه الحالة، ونغرق أكثر في الكهف المظلم، نقضي بقية عمرنا في حالة الغضب والانتقام والخوف، حلقة مفرغة من العذاب.

 طريق الخروج

وقد نتوقف، ونستنجد بالله العلي العظيم، نهرب من الله إلى الله، نكسر الحلقة، نتحرر، ننطلق. نستعين به على مصائب الدهر، نطلب السكينة والطمأنينة والثبات، نتلمس طريقنا خطوة بخطوة إلى خارج الكهف المظلم، بالتدريج تهدأ أرواحنا، نبتعد عن الوحوش والأشباح، نستعيد توازننا، نصل إلى السكينة والطمأنينة، تتحول المحنة والمصيبة إلى قصة قديمة وذكرى ودرس. ونمضي في حياتنا، نتخطى مرحلة الكهف المظلم.

أولياء الله تصيبهم المحن و المصائب ، لكن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لأنهم يستعينون بالله على المصائب والمحن.

اللهم نسألك الثبات في الدنيا والآخرة.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضاً:

المعاناة تنسج المعنى

لماذا يتركنا نتأرجح بين الألم والملل؟

إن كنت محبطًا ولا ترى أملاً، فاقرأ هذه الكلمات

أ. د. خالد عماره

الاستاذ الدكتور خالد عماره طبيب جراحة العظام واستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس