كوفيد 19، المادية أخطر من الفيروس، الخطة البريطانية
حكومات تسمح بانتشار المرض على أراضيها!
رجال أعمال يقولون إن موت البعض ليس سببا لتوقف العمل!
أعمال قرصنة تمارسها الدول على المستلزمات الوقائية والطبية الخاصة بدول أخرى!
تجار يستغلون الأزمة لرفع الأسعار!
الإدارة الأمريكية تسعى لاحتكار اللقاح!
كل هذه آثار للفكر المادي ظهرت جلية في ظل أزمة فايروس كورونا الحالية. والفكر المادي هو فكر يرى أن الماديات فقط هي التي لها وجود أو قيمة، بينما الأمور الغيبية والمبادئ ليست حقيقية أو غير مهمة، وبرغم خطورة الفايروس إلا أن جزءً كبيرًا من آثاره على المجتمعات يرجع للتعامل معه بالعقلية المادية، وهذا ما سنتناوله في هذه المقالات.
خطة الحكومة البريطانية:
في بداية الأزمة بنت بريطانيا خطتها المعلنة للتعامل مع الفيروس على فرضيات غير مثبتة، متجاهلة الحقائق التي تتحدث عن خطورة الفايروس، وقررت أن تجرب الخطة الجديدة مع إمكانية انفجارها ووفاة الملايين، بل وإمكانية بقاء بريطانيا بؤرة للفيروس تهدد العالم كله، وكان من أهم أسباب تبني هذه الخطة هو تقليل الآثار السلبية على الاقتصاد، فالاقتصاد أهم من هذه الأرواح!
والفرضيات التي بنيت عليها الخطة هي:
1- مناعة القطيع:
بعض الأمراض عند الإصابة بها يكتسب الشخص مناعة ضدها مدى الحياة مثل الحصبة، وبالتالي عند انتشارها في المجتمع ستكتسب الأجيال الموجودة الصغيرة والكبيرة مناعة ضدها، مما سيؤدي لعدم ظهور حالات جديدة إلا نادرًا ونهاية المرض.
هكذا افترضت بريطانيا أن المرض الجديد يخضع لهذه الفرضية بالرغم من تسجيل عدد من الحالات التي أصيبت بالفيروس وتعافت منه ثم أصيبت به مرة ثانية دون مناعة! وتجاهلت الحقائق التي تتحدث عن وفاة الملايين إذا انتشر المرض على نطاق واسع!
2- انكسار حدة الفيروس في الصيف:
وهي احتمالية أعلى من الأولى، لكنها تظل احتمالية ، فتحاول بريطانيا تأجيل ذروة انتشار المرض لفصل الصيف، فستسمح له بالانتشار بمعدل أبطأ طبقا لتلك الخطة حتى حلول الصيف بدلا من محاولة منعه تماما من الآن!
وتتجاهل بريطانيا الحقائق التي تتحدث عن إصابات بالفيروس في أستراليا في فصل الصيف، حيث تقع أستراليا في نصف الكرة الأرضية الجنوبي فتنعكس فيها فصول العام، كما ظهرت حالات في مناطق حارة كبعض دول أفريقيا.
أيضًا منع الانتشار والوفيات الآن قدر المستطاع أفضل بالتأكيد من ترك الفيروس ينتشر ويزهق الأرواح أملًا في انحساره في الصيف!
3- بقاء الفيروس للأبد:
هناك فيروسات تصيب الإنسان كل فترة مثل الإنفلونزا والفيروس المسبب لمرض البرد الشائع، بنت بريطانيا أيضًا خطتها على فرضية بقاء الفيروس الجديد معنا للأبد، بل ساهمت هي في بقائه بسياستها تلك!
وتجاهلت الحقائق العلمية التي تتحدث عن ضعف الفيروسات الشديد أو موتها خارج الجسم وبالتالي في حالة الحجر الصحي الجيد لكل من أصيبوا بالمرض في بداية انتشاره يمكن القضاء على الفيروس فلا يبقى معنا!
4- حتمية إصابة البعض بالمرض:
وضعت بريطانيا هذه الفرضية كمسلّمة لا يمكن الفرار منها، بالرغم من أن منع دخول أي أجنبي للبلاد دون حجر صحي في بداية الأزمة كافٍ لمنع دخول المرض لأي بلد!
5- فشل نظام الحجر الصحي وحظر التجول:
وهي فرضية أيضًا مذكورة في الخطة، بالرغم من نجاح تجربة الصين المعتمدة على هاتين النقطتين، وبالرغم من توصية منظمة الصحة العالمية بهما.
6- صنعهم لتحليل جديد خلال وقت قليل:
في تبريرهم لخطتهم اعتمدوا على احتمالية تقول بنجاح مختبراتهم في اختراع تحليل جديد يرصد الأجسام المضادة للفيروس خلال أسابيع قليلة، وذلك لصعوبة وتكلفة استعمال تحليل “بي سي آر” المتاح، وقد نجحت كوريا الجنوبية في السيطرة على المرض بعمل تحاليل “بي سي آر” على نطاق واسع في بداية الأزمة دون انتظار تحاليل جديدة محتملة!
7- قدرة علم الإحصاء على معرفة عدد الحالات دون تحاليل:
بالرغم من أن عمل التحليل هو الطريقة الوحيدة الأكيدة لمعرفة المصابين بشكل أكيد، والاشتباه في كل من خالط المصابين وظهرت عليه أعراض طبقا لتوصيات منظمة الصحة هو الطريقة المنطقية لتتبع المرض وحالاته.
لماذا يتم الاعتماد على كل هذه الفرضيات والاحتمالات وترك الحقائق العلمية التي تتحدث عن كيفية انتشار الأوبئة وكيفية التحكم بها عن طريق الحجر والعزل؟ ولماذا تجاهل تجربة الصين وكوريا الجنوبية الناجحتين باستعمال هذه الأدوات؟ بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع سياسات الصين وكوريا الجنوبية بشكل عام.
إن ترك الحقائق والذهاب للفرضيات هو خلاف المنطق والعقل، وخلاف علم الطب وعلم الأوبئة وخلاف توصيات منظمة الصحة العالمية، بل وخلاف التجارب الناجحة في التعامل مع الفيروس.
تقول الخطة إن من أهدافها تقليل الخسائر الاقتصادية، كما حاول الأوروبيون في البداية الحفاظ على حدود دولهم مفتوحة ضمن الاتحاد الأوربي وعدم إسقاط اتفاقية “الشنجن”، إذن الحسابات الاقتصادية والسياسية أهم من حيوات الملايين التي قد نفقدها نتيجة ترك الفيروس ينتشر بهذه الطريقة! يبدو أن هذه هي الإجابة التي تقدمها بريطانيا للعالم!
من حسن الحظ أن الحكومة البريطانية تراجعت في النهاية عن خطتها، لكن تم هذا بعد تطبيقها لفترة والسماح للمرض بالانتشار بالفعل، وقد تراجعت الحكومة بعدما وصلتها معلومات عن عدم قدرة المنظومة الصحية البريطانية على التعامل مع هذا العدد الضخم من الإصابات.
ولكن حتى بعد تراجعها رفضت الحكومة اتباع نهج الدول الأخرى في فرض إجراءات الحظر والإغلاق بالقوة، وذلك لأغراض سياسية وانتخابية، كيلا يقال إن الحكومة غير ليبرالية أو تقيد حرية الأفراد باستخدام القوة، وقد أدى هذا النهج لاستمرار السلوكيات غير المناسبة حيث خرج المواطنون للحانات والساحات، واستمر انتشار المرض على نطاق واسع.
لقد أدى الفكر المادي لوصول الإصابات في بريطانيا لعشرات الآلاف لحظة كتابة المقال منهم رئيس الوزراء نفسه، والوفيات إلى عدة آلاف.
وهكذا قتلت المادية البريطانيين لا الفيروس! فالفيروس كان يمكن تقليل أو منع انتشاره إن تخلت الحكومة البريطانية عن ماديتها!
اقرأ أيضا:
لماذا لا لم تقم الدولة بدورها على أكمل وجه في مواجهة الفيروس؟