كورونا يخبرنا بأن شمس الأخلاق قد غابت عن جزء كبير من عالمنا
من الطبيعي قدرة العقل على رصد نظام الكون الدقيق وعظمة إتقانه. وكما يعلم علماء التجربة والطبيعيات أن قوانينهم المدركَة من خلال الحواس والتجربة لا شك فيها، عدا ما تم افتراضه نظريا.
فتدل تلك القوانين على حكمة صانعها ومحدثها، ومن خلال تلك القدرة الممنوحة للإنسان ليكون حرية الإرادة تمكن الإنسان من خلال فهم جزء كبير من تلك الطبيعة وقوانينها أن يطوعها لاستخدامه،
فنتج عن ذلك الكثير من الاختراعات إلى أن وصلنا إلى محادثة من هو في أقصى بقاع الأرض دون التواجد معه في نفس المكان، وما كانت كل تلك الأشياء إلا في حقيقة واحدة لجوهرها وهي أنها وسائل لتسهيل الأمر على البشر بالتقريب لما هو بعيد ولتوفير الجهد والوقت له.
وبطبيعة المادة وما يحدث فيها من تنازع وحراك مستمر، حيث أنه قد يصاب أحدهم بمرض ما وباختلاطه ببعض من في مجتمعه يجعله قادرا على نقل ذلك للغير. وبانتقال أي شخص من هذا المجتمع لمجتمع آخر مثلا في النصف الآخر من الكوكب فإنه قد ينشره هناك.
أو أنك قد تسقط قنبلة ذرية في مكان ما في العالم يحدث خللا في طبقات الأرض فيتم التأثير بالسلب على بعض البقاع الأخرى في الكوكب من اختلال في المنظومة الطبيعية وإحداث كوارث نتيجة لذلك.
كذلك نتيجة بعض السلبيات كأدخنة المصانع وما يفعله غاز ثاني أكسيد الكربون من احتباس حراري لكوكبنا، فكان من الضروري على الإنسان أن يعمل عقله في جدوى الوسيلة المستخدمة ونوع تأثيرها على الطبيعة فإن كان إيجابيا استمر باستخدام تلك الوسيلة، كوسائل إنتاج الطاقة من موارد طبيعية كالرياح أو الشمس.
أنواع البشر في التعامل مع القيم الإنسانية
وهنا يظهر أمامنا نوعان من البشر نوع تسوقه الشهوة والمنفعة ونوع آخر تسوقه القيم الإنسانية من عدل وخير. فنجد مثلا تاجرا فاحش الثراء يسعى جاهدا للحصول على الكثير من الربح حتى وإن تنازل عن جودة منتجاته. وعلى العكس قد نجد آخرا يكسب جيدا ومع ذلك يرضى بما يكسب ويحاول جاهدا أن يحافظ على جودة منتجه أو أن يرفع منها.
فأما الأول فلن يهمه في حياته أي ضرر يسببه لذلك الكوكب طالما أنه يستمر في جمع المال والموارد والسعي بشهوة للتحكم فيها واستنزافها مهما كانت تبعات ذلك، حتى وإن كان سيحتل غيره أو يسرق ممن هو أضعف منه، كما فعلت بعض الدول العظمى كأمريكا في حربها مع العراق والكثير فى حروبها.
وأما الثاني فسيضع بجوار منفعته قيمه، فما أن وجد نفسه يفعل فعلا يضر الطبيعة بمخلوقاتها امتنع عن فعل ذلك مرة أخرى حاملا قيم العدل والحب ومطبقا لها.
ويبدو جليا لنا أن كثرة وجود النوع الثاني من البشر يحافظ على الطبيعة ويتعامل مع بني جنسه بقيم إنسانية تضمن توزيع ثروات العالم بعدل دون ظلم، وكذلك منع استخدام أي وسيلة مادية تضر طبيعة كوكبه مهما كانت غير معترض لمسار التقدم العلمي والتكنولوجي بل حاثا لعلمائه على السعي الدائم لإيجاد بدائل سليمة لا تحدث أي تأثير سلبي على طبيعة عالمه هذا.
الفكر المادي وما فعله بالبشرية
وللأسف استطاع أصحاب الفكر النفعي نشره بقدرة كبيرة وتربية السلوك البشري لدى الكثيرين عليه. فانتشر النوع الأول ونتج الكثير من الاضطرابات الطبيعية في عالمنا لما يقوم به الإنسان في عالمه ووسائله المستخدمة التي لا فارق لديه أنها تضر كوكبه أم لا طالما تنفعه، فهذا مطلبه. وأضحى المحرك لدى الكثيرين من البشر هو مصالحهم المادية ومدى انتفاعهم.
منذ فترة وجيزة سطع خبر انتشار فيروس يُعجز الكثير من العلماء ويمثل تهديدا كبيرا للبشر حول العالم، إلا أننا هنا لسنا في محل خوض كيفية التخلص بل في محاولة بحث أسبابه. فلنفترض سويا أننا قد خرجنا سالمين من هذا الوباء، هل هناك ضامن لعدم عودة وباء آخر لعالمنا؟
وهذا محور حديثنا ألا وهو سلوك الإنسان المؤثر سواء بالإيجاب أو السلب في عالمنا، هل يتحلى هذا السلوك بقيم إنسانية خالصة تحكمه بعدل وحب وتعاون فلا يفسد ولا يطغى؟ أم أنه يتحلى بقيم نفعية أنانية تدفعه الشهوة لنيل المزيد مهما كانت نتائج مسعاه طالما أنه ينتفع؟
رب ضارة نافعة (مصيبة كورونا إنذار للبشرية لمراعاة ضرورة القيم الإنسانية)
وكأي إنذار لسوء نتائج الفعل يجب على الفاعل إعادة تقييم فعله فلربما وجد الخلل. ولأن الوعي هو السلم الذي يصل بنا إلى حقائق الأشياء والأسباب فوجب أن نسعى لأن نعيد شبابنا إلى الرشد. .
فالكثير من شبابنا يشير بأصابعه نحو الغرب مندهشا لما أحدثته حضارتهم من تقدم مادي وتكنولوجي غير مدرك لحقيقة أسس قيام الحضارة الفاضلة. فلا نقلل من شأن الغرب في تقدمهم التكنولوجي ولكن سؤالنا هو هل التقدم الحضاري قائم فقط على ذلك؟
فأين إذًا القيم الحاكمة لتعاملات البشر في مواقف حياتهم المختلفة؟
وكيف توصف وتُعرف حرية المرء رغم كونه جزءا من مجتمع يتأثر بسلوكه الكثير من الناس؟
وهنا يبدو لنا أن هناك الكثير من أسس قيام الحضارة وأن التقدم التكنولوجي شيء مهم، إلا أنه لا قيمة له إن كان شخص يستخدم أداة تكنولوجية حديثة وهو قد لا يهمه أن يصلح بها أو يفسد، فعلم مجرد من قيم وأخلاق يصل بنا لصناعة قنبلة نووية لا يحرك مخترعها ساكنا لما قد تسببه من موت حين تلقى في بلد ما.
وكذلك إن تحرك عالم بقيم إنسانية سليمة يبحث ويدقق لإيجاد علاج لمرض يعجز البشرية ويميت الكثير من الناس، وبعد حصوله عليه ينشر علمه ليوقف الموت ويحفظ الأرواح بمبادئ إنسانية غاية في السمو والنبل.
سبب الخلل في السلوك
وإلى هنا نتوصل إلى أن الخلل في الفعل ناتج عن فكر منطلق من رؤية ما، فإن أصاب تلك الرؤية خلل نتج فعل قبيح أثر بأثر سلبي على المجتمع، وهو ما يشير إلى أن فرضية تقول ربما سبب كورونا هي نتيجة إهمال الكثيرين من البشر للقيم الأخلاقية و القيم الإنسانية التي يجب أن تكون أصل رؤيتهم وتشكل أفعالهم،
ولكن تحكيم قيم نفعية بمعاييرها المادية يؤدي لأفعال شنيعة من الممكن أن تسبب خللا في نظام الكون الدقيق، وقد كان قبل ذلك كوارث كتلك وسيكون كذلك إن استمرت النفعية المادية تسيطر على فكر البشرية.
فمن ميزان العدل أن يعود ناتج الفعل على الفاعل، أو كما قالوا قديما لكل فعل رد فعل وهذا قانون مادي سليم، فكيف نرجو حياة فاضلة وتحكم الكثير منا مبادئ النفعية وتغيب عن عالمنا شمس العدالة والأخلاق، فيطغى في غرب الأرض أناس على حقوق آخرين، ويجوع في جنوبها الضعيف، وآخر يفيض لديه خير فيبذخ به في مشرقها، وشمالا يقف آخر ينتظر مصلحة له دون أن يحرك ساكنا لما يرى من ظلم.
كل هذا يصيب عالمنا بوعكة أخلاقية قد لا ينتج عنها مرة أخرى وباء فقط بل قد تكون كارثة أكبر بكثير من تلك، فلا يصلح المكان إلا بصلاح ساكنيه.