فن وأدب - مقالاتمقالات

الأخبار الرائجة (Trend)

نشر مجمع اللغة العربية بالقاهرة على صفحته الرسمية في الفيس مقترحًا للأ.د محمد رجب الوزير، وقد أجازه المجمع، وهو اعتماد كلمة ترند بمعنى: اتجاه أو نزعة أو ميل أو موضة. وجمعها: ترندات.

وقد أثار القرار نقاشًا بين رفضٍ وتقبّلٍ للأمر، وقد نشر العالم اللغوي الجليل أ.د خالد فهمي على صفحته في الفيس توضيحًا لطرق التعريب في العربية، ما ملخّصه أنّ التعريب له صور:

  • نقل اللفظ الأجنبي بصورته الأجنبية إذا لم يستطع المعرّب العربي إيجاد مكافئٍ لهذا اللفظ الأجنبي.
  • نقل اللفظ الأجنبي بعد تطويع أصواته الأساسية للأوزان الصرفية العربية.
  • نقل اللفظ الأجنبي بمعناه، أي: إيجاد لفظ عربي يؤدي نفس معنى الأجنبي وإشاعته.

وصف فضيلته أن المسلك الأخير “أنضج المسارات”، لكنه مرهون بالوضع الحضاري للأمة، واقترح معدلًا عربيًا للفظ الأجنبي (Trend) هو “الصدارة”، وقال: “يكون البديل عن جملة ركب الترند: تصدّر الأخبار، أو تصدّر وسائل التواصل”.

وقد نقلتُ كلام فضيلته لمكانته العلمية الكبيرة، ولأن قرار المجمع أثار نقاشًا فسبوكيًا لدى عامة المتعلمين وكذلك المتخصصين، فالعلامة اللغوي المعروف أ.د سعد مصلوح، قال في منشور له متفاعلًا: “ثمّة كتابٌ شاركت في ترجمته عنوانه في الإنجليزية: (Trends in Linguistics)، وقد جعلت عنوانه في الترجمة العربية }اتجاهات البحث اللساني{“، وتساءل قائلًا: “ما رأيكم بعد القرار الأخير القاضي باعتماد الكلمة الإنجليزية في الاستعمال لو قدّر للكتاب أن يطبع ثانية هل أطيع القرار الموقر وأغيّر العنوان إلى: }ترندات في اللسانيات؟{ أقول: اللهمّ كلّا”.

كذلك علّق الأديب والعالم الأزهري أ.د مصطفى السواحلي الذي تعدّ صفحته الفسبوكية لوحة فنية أدبية ساحرة: “الكلمة غريبة وغير مطابقة لأوزان لغة العرب”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وقد علّقتُ قائلًا على بعض المنشورات التي عُنيت بالأمر: “أظنّها لوثة مفادها: نحن منفتحون ومتجاوبون مع العصر، لم لا يسمونه: رائج، مثلًا؟!”.

لكنني جلست أتأمّل الأمر حتى يتبيّن لي وجهته، فقلت في نفسي هذه معطيات الأمر:

  • الكلمة أجنبية، ولها مفهوم محدد: الأخبار الأكثر رواجًا على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تثير الانتباه في الوقت الحاضر، وهي آنيّة متغيرة.
  • ربما خضع الإقرار بالكلمة تحت الضغط الشائع حاليًا من رغبة في إظهار اللين والرفق والانفتاح والتجاوب مع الحياة، وهو ضغط فكري وثقافي واضح.
  • إقرار الكلمة أثار انتقاد بعض من كبار العلماء اللغويين الرافضين للقرار، خاصة أن الكلمة لها نظائر استعمالية في العربية في كلّ مواقف التعبير، فمن عنوان كتاب علمي متخصص كما ذكر العلامة أ.د سعد مصلوح، إلى الأخبار اليومية التي تأخذ “الصدارة” كما ذكر العالم المجمعي أ.د خالد فهمي.
  • اقترح كثير من المعلّقين على صفحة المجمع –مثلما فعلت واقترحت كلمة: رائج– مقترحاتٍ متنوعةً نالت استحسان كثير من المتابعين، منها: رائج (وقد اقترحه كثيرون)، ذائع، منتشر، مستشري، متداول (وهذه مستعملة فعلًا)، وحجتهم أن البديل العربي دالٌّ على ذات المعنى الأجنبي، فما مبرّر تعريب الكلمة الأجنبية بلفظها؟ كما أن المجمع قال: إن ترند بمعنى: اتجاه، نزعة، ميل، فوضع هو بنفسه المقابِلات العربية، مع وصف البعض أنّ ما حدث استسهال من المجمع في نقل الألفاظ.
  • يرى البعض أن اقتراح المجمع متأخّرٌ، فالكلمة مستعملة في الواقع اللغوي، بل بديلها العربي (متداول – رائج) أيضًا مستعمل لدى الواعين من أبناء العربية.

بقي أن للمقترح أن يقول: إن اللفظ مستعملٌ وجرى على الألسنة واعتماده أولى، وللمعترضين أن يقولوا: إن له نظائر مستعملة، وهي معبرة جدًا، ولو أخذنا كل لفظ منتشر لتحولنا إلى لغة أخرى غير لغتنا العربية.

لمواجهة ضعف الحصيلة اللغوية أتذكر أيام كنا نتسلم في الصف الأول الثانوي نسخة من “المعجم الوجيز”، فدعم الحصيلة اللغوية لدى المتعلمين بالكتب وكذلك بإدراج حصّة مثلًا للقراءة في المعجم، وكذلك أن يظهر المجمع مثل هذه القرارات مقترحات أولًا يطلب فيها رأي الجمهور وفيهم المتخصصون، ويدرج العلماء الألفاظ المعرّبة في كلامهم حتى تشيع، وتختار الألفاظ المعرّبة سلسةً ومعبرةً كي نتمكن من إشاعتها، وندرك الفرق بين إدخال لفظ نحن مضطرون إليه، وإدخال معنى اللفظ أي ترجمته إلى كلمة عربية صحيحة.

في هذا الإطار كم أود أن نشترط على كل الشركات الأجنبية أمرين:

أن تسمي منتجاتها بكلمات عربية، وتسمّي فروعها بألفاظ عربية، فالمسمّى القديم لشركة “سوق دوت كوم”، أفضل عندي من “أمازون”.

الأمر الثاني: أن تكون كل المطبوعات المصاحبة للمنتجات التي توضح طرق الاستعمال والصيانة إلخ باللغة العربية، وكذلك تعليمات الأدوية إلخ.

وكم أود أيضًا أن يصدر قانون يمنع أن يطلق على أي متجر أو منشأة ترفيهية أو صناعية إلخ لفظًا أجنبيًا أو يكتب بحروف أجنبية، وأتذكر كم أشعر بالسعادة وأنا أمر على المحلات التي تسمى بكلمات عربية ذات معان معبّرة، في ظل هذا الاجتياح الأجنبي لأسماء المقاهي والمحلات والشوارع إلخ.

كم أود أن يوفّر المجمع خدمة لغوية جماهيرية لمساعدة أصحاب المحلات على تسمية محلّاتهم بألفاظ لغوية عربية، ورعاية لكتابة ذلك بخط عربي ينشر جمال الخط العربي في المجتمع.

أظن المقترحات السابقة أولى بعناية علماء المجمع.

أختم بما ذكره أ.د خالد فهمي، يقول: “والجدل الدائر حول تعريب اللفظ الأجنبي (Trend).، جدل صحي يعكس محبّةً وتعاطفًا مع اللسان العربي، وهي نقطة إيجابية ينبغي دعمها لدى جماهير شعبنا العربي”.

أخيرًا فإن أهم الأخبار الرائجة حاليًا الزلزال الذي نزل بإخواننا في دولة المغرب الشقيق، فخالص مواساتي لهم وعزائي لأهل الضحايا، ودعائي للمصابين بالشفاء، وللمتضررين بأن يعوّضهم الله خيرًا.

مقالات ذات صلة:

كتبنا العربية في مكتبة الأسكوريال

قوة الثقافة العربية

الدادية العربية!

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. محمد السيد قياسة

مدرس اللغويات – كلية اللغة العربية بالمنصورة – جامعة الأزهر