كتاب فن الحرب .. لسون تزو
وفق المخطوطات الصينية القديمة فإن “سون تزو ووه ” كان جنديًا في مملكة تشي، وهي دولة صينية قديمة، اشتهر بمهارته في فنون الحرب، فطلب منه الملك هوو لوو أن يؤلف كتابًا يسجل فيه خبرته وتجاربه حتى يستفيد منها الناس والقادة في كل زمان، فألف سون كتابًا سماه “فن الحرب”، وعندما قرأ الملك الكتاب انبهر بما جاء فيه من قواعد عسكرية وأفكار تدل على ذكاء شديد، فسأله: “هل يمكنك تنفيذ بعض أفكار هذا الكتاب أمامي لأراها بعيني؟!”، قال: “أستطيع تنفيذها كلها أيها الملك فأي فكرة منها تقصد على وجه التحديد؟”، قال: “أن أراك تحول أشخاصًا عاديين إلى مقاتلين عظماء”، قال سون: “نعم يمكنني أن أريك كيف يكون ذلك، ولا أحتاج إلا إلى بضع أيام لأفعله”. فسأله الملك: “وهل يمكننا إجراء التجربة على نساء؟”، قال سون: “نعم بلا شك”، فقدم له الملك عشرات من جواري قصره الشابات، فشكَّل سون مجموعتين منهن، وعيّن على رأس كل مجموعة منهما فتاة قائدة، وأعطى كل واحدة منهن حربةً في يدها وقال: “طبعًا تعرفن الفرق بين الأمام والخلف، وبين اليمين واليسار”، قلن: “نعم”، فقال: “حسنًا، عندما أقول انظرن أمامكن، فيجب عليكن النظر إلى الأمام، وعندما أقول دُرّن لليسار فيجب عليكن الدوران لليسار”، ثم أعدَّ الترتيبات من أجل بدء التدريب العسكري، وعلى دقات الطبول أعطى أمره “درن لليسار” لكنهن انفجرن في الضحك ولم ينفذن الأمر، فعقّب سون تزو قائلًا: “إذا كانت الكلمات المستخدمة في إصدار الأوامر غير واضحة، فيقع اللوم وقتها على القائد، حسنًا سأعيد الأوامر بصوت أعلى ونبرة أوضح”.
ثم صاح قائلًا: “درن لليسار”، فانفجرت الفتيات في موجات من الضحك ولم ينفّذن الأمر، فعقّب سون تزو قائلًا: “إذا كانت الأوامر واضحة ومفهومة فهمًا شاملًا ولم ينفذ الجنود الأوامر، فيقع اللوم وقتها على الجنود”. وهنا أصدر سون تزو الأوامر بقطع رقبتي قائدتي المجموعتين أمام النسوة.
فوجئ الملك الذي كان يراقب التدريبات بهذا القرار القاسي، فلم يعجبه قطع رقبتي جاريتيه وكان يحبهما بشدة، فهمس في أذن سون تزو قائلًا: “لا داعي لقتل الفتاتين فقد أصبحت واثقًا بقدرتك على التعامل مع الجنود”.
فرد سون على الملك بحزم قائلًا: “بتكليفكم لي قيادة قواتكم العسكرية، وجدت أن بعض أوامركم لا يمكنني قبولها وأنا تحت هذا التكليف”، وهكذا وأمام إصراره الشديد، أُعدِمت القائدتين أمام الأخريات وفي الحال تم تعيين اثنتين غيرهما قائدتين للمجموعتين، واستُؤنف التدريب على صوت الطبول فلم يضحك أحد، وتقدمت النسوة في التدريبات العسكرية بكل دقة وانضباط دون أن يخاطرن بإصدار أي صوت.
ملحوظة على الهامش: قد يختلف الناس بخصوص هذه القسوة، إذ قطعت الرقبة لمحض مخالفة تعليمات في التدريب، وقد أتفق أنا وأنت على أنها قسوة زائدة عن اللازم، في حين سيرى غيرنا أن هذه القسوة تصب في النهاية في المصلحة العامة، لأنها كفيلة بتحقيق أعلى درجات الانضباط في الجيش وهو ما يعد من أهم أسباب النجاح، وسواء اختلفنا بشأن هذه النقطة أم اتفقنا فلن يغير ذلك من كون كتاب “فن الحرب” لسون تزو أحد أهم الكتب في تاريخ البشرية، بدليل الإقبال الكبير على قراءته وتدريسه، وبدليل أن مبادئه ما زالت مرجعًا لكثيرين حتى يومنا هذا سواء في المجال العسكري أو في الحياة بوجه عام.
نعود للقصة، فسرعان ما أرسل سون تزو رسالة إلى الملك تقول: “لقد دربت جندكم من نساء القصر ونظمتهن كما أردتم، وهن الآن على أهبة الاستعداد لكي تستخدمهن في أي مهمة تريدها، حتى لو كانت الخوض في الماء والنار”.
ازداد إعجاب الملك بسون تزو، فعيَّنه قائدًا عامًا للجيوش وأرسله ليحارب مملكة تشوو المجاورة، فهزمها بسهولة وشق طريقه إلى عاصمتها ينج، ثم أرسله إلى الشمال حيث زرع الخوف في مملكتي تشي وتشن، ومن نصر إلى آخر ذاع صيت سون أكثر من ذي قبل، وتوسعت نتيجة لانتصاراته مملكة هوو لوو.
اقرأ أيضاً: الحرب والشرف.. تحديات أخلاقية
أسرار فن الحرب
تروي المخطوطات الصينية كيف انتصر سون مرةً على جيش يقدر عدد جنوده بتسعة أضعاف جيشه، وذلك بسبب افتقار عدوه إلى عنصري التنظيم والإدارة.
هكذا راح سون تزو يثبت للملك وللناس جميعًا على أرض الواقع، صحة ما وضعه كله من نظريات وقواعد في كتاب “فن الحرب”، حتى صار الكتاب من أمهات كتب الفكر والفلسفة لا محض كتاب في فنون الحرب، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أنه عندما دوّن فيه قواعده ومبادئه في الحرب التي استخلصها من خبرته الطويلة في المعارك بالإضافة إلى عبقريته الشخصية في القيادة، جاءت فيها المعرفة ممزوجة بمتعة التعلم، وتعانقت فيه العلوم الحربية بعلوم الفكر والإدارة والاجتماع، بل كذلك بما يمكن تسميته جدلًا بعلم النجاح أو “فن الحياة”، كما سيتضح للقارئ أن جانبًا كبيرًا من المعرفة العسكرية في الحقيقة وطيد الصلة بعلم النفس، لهذا وجدت فيما بعد مسميات مثل الحرب النفسية وسلاح التوجيه المعنوي وغيرها، وهذا منطقي لأنك تحتاج إلى علم النفس في إعداد جنودك، كما تحتاجه في التأثير المضاد على عدوك حتى تجعله يفر من الميدان أو يستسلم أو تخور قواه، وقد تكتشف من قراءة هذا الكتاب أن سؤالًا مثل “كيف تنجح في الحرب” في الحقيقة مثل سؤال كيف تنجح في أي مهمة أو كيف تحقق أي هدف في أقل وقت ومن أقصر طريق وبأقل خسائر ممكنة، ففي علوم الحرب توجد علوم الحياة كلها التي عُرِفت عبر التاريخ البشري انتهاء بما يسمى حاليًا بعلم التنمية البشرية.
اقرأ أيضاً: الحرب الرمزية
استراتيجيات سون تزو
الحقيقة المؤكدة أن شهرة سون تزو الكبيرة لم تأت من كونه قائدًا عبقريًا في أرض المعركة، ولا لأنه ترك للناس تاريخًا يدرسونه وقصصًا تروى عنه فقط، بل لأنه دوَّن علمه وخبرته في الحروب في هذا الكتاب فجاءت في غاية الحكمة والإبداع، مثلما في قوله:
“إن كنت تعلم قدراتك وقدرات خصمك، فما عليك أن تخشى من نتائج أي معركة، وإن كنت تعرف قدرات نفسك وتجهل قدرات خصمك، فلسوف تعاني هزيمة ما بعد كل نصر مُكتسب، أما إن كنت تجهل قدرات نفسك وقدرات خصمك، فالهزيمة المؤكدة حليفك في كل معركة.
وعندما يقاتل القائد على أرضه فهو يقف على أرض مُـشتِـتة، وقد سُميت كذلك لأن الجنود يعلمون قربهم من أرضهم وبيوتهم، وهم حتمًا في حالة شوق للعودة إلى زوجاتهم وأبنائهم، لذا سينتهزون الفرصة التي تسنح في أثناء القتال، لينتشروا في الأرض مشتتين في الاتجاهات كلها فارين إلى وطنهم. وعندما يتغلغل القائد داخل أرض معادية لمسافة قصيرة، فهو يقف على أرض سهلة، وذلك بسبب سهولة الانسحاب منها والعودة إلى أرضه”.
وقوله:
“عليك أن تتظاهر بالغباء وبالانصياع لرغبات العدو وتحقيقها، فإذا أظهر العدو رغبته في التقدم أظهر له ما يغريه ويشجعه على ذلك، وإذا كان العدو متلهفًا للانسحاب تأخر وتلكأ كي تشجعه على تراجعه، الغرض في النهاية دخول العدو حالة من التكاسل والتراخي حتى يكون في وضع مُزرٍ قبل أن تهجم عليه”.
وقوله:
“يمكن تشبيه التكتيك الماهر بالثعبان “شواي جان” الذي تجده في جبال شانج، فما إن تضرب هذا الثعبان عند رأسه حتى تجده يهاجمك بذيله، وما إن تضرب ذيله حتى يهاجمك برأسه، وما إن تضربه في منتصف جسمه حتى يهجم عليك برأسه وذيله”، وهو يقصد ألا تتردد وألا تبطئ في رد الفعل، وأن تكون جاهزًا لكل موقف يباغتك بالتعامل الذي يناسبه.
“انظر إلى أتباعك كأنهم أبناؤك ستراهم يتبعونك إلى أقاصي الدنيا، واعتبرهم أولادك الأحباء فستراهم يقفون إلى جوارك في أحلك الظروف”.
“ليس هناك أكثر من خمسة ألوان أساسية، لكن مزجها يعطينا ألوانًا أكثر مما يمكن رؤيتها وهكذا يمكنك استخراج كثير من الإمكانيات المخفية من داخل جنودك وأدواتك”.
“تستند كل حرب إلى الخداع ومن ثم عندما نكون قادرين على الهجوم يجب أن نبدو غير قادرين، وعند استخدام قواتنا يجب أن نظهر غير نشطين، وعندما نكون قريبين يجب أن نجعل العدو يعتقد أننا بعيدون، وعندما نكون بعيدين علينا أن نجعله يعتقد أننا قريبون”.
اقرأ عن: الحرب السيبرانية
من أقوال سون تزو
ومن أقواله القصيرة التي فيها ما قل ودل من الحكمة والخبرة:
“أصحاب المهارة في الحرب يجلبون العدو إلى ساحة المعركة ولا يسمحون له هو بأن يحضرهم إلى هناك”.
“ليس للجيش شكل ثابت تمامًا كما أن الماء ليس له شكل ثابت، فعليك أن تتكيف مع مواجهتك للعدو دون إخبارهم مسبقًا بما ستفعله.
واجعل هدفك أن تحسم المعركة لصالحك بسرعة، فالحرب الطويلة لا يستفيد منها أي طرف”.
“القائد الماهر هو الذي يقود أتباعه كأنه يقود رجلًا واحدًا”.
“الانتصار في المعارك ليس النجاح التام، النجاح التام أن تكسر مقاومة العدو دون قتال”.
إذا أظهر القائد ثقته برجاله وأحسن معاملتهم، وأصر في الوقت نفسه على إطاعة أوامره، فسيكون ذلك من صالح الجانبين”.
“من حيث المبدأ، فإن القيادة والسيطرة على أعداد كبيرة من الأتباع شأنها شأن السيطرة على عدد صغير، فالأمر في توزيع الأعداد ليس إلا”.
“القائد المثالي يعرف كيف يجمع بين الصلابة والمرونة”.
“تتجسد القيادة الماهرة في تحويل ما هو محنة إلى مكسب”.
“قم بالتعتيم على خططك كليل مظلم، لأنك بغير ذلك لن تستطيع مفاجأة العدو وهزيمته”.
“تُربح المعارك كلها قبل أن تبدأ، الاستراتيجي المنتصر في الحرب لا يسعى إلى المعركة إلا بعد الانتصار”.
“يتحقق النجاح في الحرب بتكييف أنفسنا بعناية مع هدف العدو”.
وللحديث بقية…
تعرف على: التفكير في علم النفس وأنواعه وخصائصه
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا