فن وأدب - مقالاتمقالات

كتاب فن الحرب .. الجزء الثاني

للفيلسوف سون تزو

تحدثنا في المقال السابق عن كتاب فن الحرب، وقلنا إنك كلما تعمقت في قراءة هذا الكتاب ستكتشف أن تحقيق الهدف في ميدان القتال لا يختلف عن تحقيق الهدف في أي ميدان آخر، وأن الكاتب ليس رجلًا عسكريًا داهية فقط بل فيلسوفًا كبيرًا أيضًا، فالقواعد التي بنى عليها فكره العسكري يمكن لأي إنسان أن يبني عليها فكره في الحياة عمومًا فيحقق بها النجاح، وأن أسباب الانتصار في معركة لا تختلف عن أسباب الانتصار في منافسة رياضية مثل السباحة أو كرة القدم، أو حتى في صراعك مع ظروف حياتك لكي تعوض نقصًا في إمكانياتك المالية أو في قدراتك الجسمانية أو في صفاتك النفسية والشخصية، أو لكي تتغلب على تحدٍ ما أيًا كان نوعُه.

من الصعب قراءة فن الحرب وتقول إنه يتحدث فقط عن ساحة الحرب، إلا إذا عرَّفنا الحياة أنها ساحة حرب، فعندما تقرأ وصايا سون في هذا الكتاب فإنك قد تتذكر حياتك الشخصية لتقول: “نعم لقد طبقت هذا المبدأ في الموقف الفلاني ولهذا ربحت” أو “لو كنت طبقت هذا المبدأ في الموقف العلاني لما كنت خسرت”، هذا رغم أن هذه المواقف لا علاقة لها بالحرب أو العسكرية من قريب أو بعيد، لكن أسباب الانتصار في الحرب وغير الحرب تتشابه في نواحٍ كثيرة، وهذا ما أعطى الكتاب قيمته ونجاحه وانتشاره، فأنت جندي في عملك لا تختلف عنك جنديًا في ميدان القتال، كما أن قائدك في الشركة التي تعمل بها لا يختلف عن القائد وسط نيران المعركة، فالكل مطالب بتحقيق الهدف من معركته الخاصة أيًا كان نوع التحديات.

هل نجح سون تزو في تطبيق تعاليم كتاب فن الحرب؟

لقد كتب سون تزو رائعته هذه في العقد الأول من القرن الخامس قبل الميلاد، وقدم نسخة منها إلى الملك هوو لوو سنة 512 ق.م.، وقد جاء الكتاب مصنفًا كالتالي: الخطط، العمليات الحربية، الاستراتيجية الهجومية، الترتيبات، القوة، نقاط ضعيفة ونقاط قوية، الصراع المسلح، المتغيرات التسع، السير في معالم الأرض، الأنواع التسعة للأرض، الهجوم بالنار، استخدام العملاء السريين.

فهل نجح سون في تطبيق تعاليمه؟ نعم، والدليل ما فعله الملك هوو لوو الذي تمكن مستعينًا بآراء سون من إخضاع جيرانه وتوسيع حدود مملكته، بالإضافة إلى أن تعاليم سون ساعدت مباشرة في تمكين إمارة كيم من توحيد الإمبراطورية الصينية عام221 ق.م.، بل إن كتابه “فن الحرب” اعتُبِر أحد أهم الكتب في تاريخ البشرية. لدرجة وصفه في المحافل العسكرية وبين المتخصصين في العلوم الاستراتيجية بأنه “الكتاب المقدس للدراسات العسكرية”، فالكتاب الذي وضع منذ قرابة 25 قرنًا لا يزال صالحًا للتطبيق حتى اليوم في مجال إدارة الصراع، ليس الصراع العسكري فقط، لكن الصراع على المستويات كلها: الفردية والجماعية والقومية والدولية والسياسية والإدارية وحتى الرياضية، وفصول الكتاب ليست سردًا لأحداث معينة، بقدر ما هي جمل أو فقرات إرشادية ذات مغزى تكتيكي عام.

تعرف على: كونفوشيوس الحكيم التربوي

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الحكمة الصينية التي أثرت في العالم

كانت أول ترجمة لهذا الكتاب إلى الفرنسية منذ مائتي عام، وقد حمل في زمنه قيمةً عاليةً لما تضمّنه من فكر في التّخطيط العسكري، فكان له أثرٌ خاص على كبار رجال السّياسة والقادة العسكريّين، مثل القادة الأمريكيين الذين استفادوا منه –مع الأسف– في عملية “عاصفة الصحراء” عام 1991، فقد حرصت القيادة الأميركية على أن يحمله كل جندي ذهب إلى حرب العراق لقراءته، وقبلها استفاد منه نابليون والقادة الألمان، كذلك كان مُلهمًا للزّعيم العالمي ماو تسي تونج، كما أن الشركات اليابانية اعتادت أخذ النصائح التي حفل بها من أجل تطبيقها في عملها رغم بعد مجالات عملها عن العسكرية، فهو كما قلنا يمكن تطبيق ما جاء به في كل مجال، لأنه لا يركز على تحقيق النصر فقط، بل أيضًا على تجنب الهزيمة وتفادي الخسائر أو تقليلها بقدر الممكن. كما يشرح كيف يمكن أن يتحقق النصر مع تجنب القتال إذا كان ذلك ممكنًا.

اختلف الناس بخصوص كتاب فن الحرب، فالبعض اعتبره كتابًا عن “الحُبِّ والحياة والنجاح والحرب”، والبعض الآخر لم يره إلا كتابًا عن “فلسفة الحرب وإدارة الصراعات وكسب المعارك”، أما “سون تزو” نفسه فيعتقد أن قيمة كتابه الحقيقية في تجنّب الحرب من الأساس، والوصول إلى التسويات بغير حرب، وإخضاع العدو بِلا قتال، والحقيقة أن الكتاب من الصعب وصفه في جملة مختصرة ولا حتى تلخيصه في عبارات، فهو فكرة متكاملة لا بدَّ أن تقرأها متأنيًا حتى تستطيع تكوين فكرة حقيقة عنه ولكي تستفيد منه حقًا وتستمتع به.

استراتيجيات سون تزو الخالدة

كتاب فن الحرب

جدير بالذكر أنه بسبب هذا الكتاب أصبح سون تزو أول مفكر اعتبر الحرب فنًا وخداعًا واستراتيجية، لا قوة واندفاعًا وقتالًا فقط، وهو يقول: “يجب على المرء أن يعرف نفسه (لكي يصلح نفسه) ثم يعرف عدوه (من حيث نقاط القوة والضعف)، عندها فقط سيكون مستعدًا للحرب ولو خاض مئة معركة فسيربحها كلها ولن يخسر بعد ذلك قط”.

لا تجد صعوبة في فهم ما جاء به كله من نصائح، فهي ما زالت صالحة ومفيدة حتى وقتنا الحاضر، صحيح أن به بعض الأفكار التي صارت اليوم بديهية أو التي عفا عليها الزمن كما يقولون، إلا أن هذا طبيعي لأنه مكتوب من آلاف السنين، كما قد تلاحظ عدم التناسق في بعض الفصول، ويعود ذلك إلى ضياع بعض أجزاء من الكتاب بسبب عامل الزمن، وقد تصطدم بصعوبة الأسماء الصينية وتشابهها وهذا مربك إلى حد ما، لكنه في الأحوال كلها كتاب مهم ومفيد للمهتمين بالتفوق العسكري أوبفكرة التفوق عمومًا في كل مجال، إلى الدرجة التي تجعل القارئ يدرك بسهولة لماذا هو واحد من أهم الكتب في التاريخ.

اقرأ عن: الفرق بين التفكير الاستقرائي والاستنباطي

أقوال سون تزو في كتاب فن الحرب

يقول سون تزو في فن الحرب:

“يجب عدم الكشف عن المكان الذي نعتزم القتال فيه، حتى يتعين على العدو الاستعداد لهجوم محتمل في عدة نقاط مختلفة مما يفرق قوته”.

“إذا حاصرت عدوك فيجب عليك أن تترك له سبيلًا للهروب، فبهذا فقط يمكنك الانتصار دون قتال”.

“على القائد الحكيم أن يدرك أنه كما توجد طرق لا يجب استخدامها ومدن لا يجب محاصرتها، ومواقع لا يجوز التنازع فيها، فهناك أوامر من الملك لا يجب طاعتها”.

“يمكنك منع خصمك من هزيمتك بالدفاع، لكن لا يمكنك هزيمته دون شن الهجوم”.

“يجب أن يكون القرار مثل انقضاض الصقر، في التوقيت المناسب الذي يمكّنه من ضرب ضحيته وتدميرها”.

“يمكنك التأكد من النجاح في هجماتك إذا هاجمت فقط الأماكن غير المحمية، ويمكنك ضمان سلامة دفاعك إذا كنت تشغل فقط مواقع لا يمكن مهاجمتها”.

“يمكن تشبيه الجيش بالمياه، فكما أن المياه المتدفقة تتجنب المرتفعات وتسرع إلى السهول، كذلك يتجنب الجيش نقاط القوة ويضرب نقاط الضعف”.

“يعلمنا فن الحرب ألا نعتمد على احتمالية عدم مجيء العدو، بل على استعدادنا لاستقباله، وألا نعتمد على فرصة عدم مهاجمته لنا، بل على حقيقة أننا جعلنا موقفنا منيعًا”.

“يربح المحاربون المنتصرون أولًا ثم يذهبون إلى الحرب، وتُربَح الحروب جميعها أو تُخسَر قبل خوضها على الإطلاق بالاستعداد الجيد، في حين يذهب المحاربون المهزومون إلى الحرب أولًا ثم يسعون للفوز”.

“يجب اختيار القائد صاحب الشخصية العالية والذكاء ليكون قادرًا على معرفة الرجل المناسب ليضع المسؤولية عليه ويتوقع النتائج الجيدة”.

“يجب أن يكون القائد قادرًا على إرباك ضباطه ورجاله بالتقارير والمظاهر الكاذبة، ومن ثم إبقائهم في جهل تام”.

“القائد المثالي الذي يستحقّ منصبه هو الذي يعرف كيف يجمع بين صلابة الموقف والثبات على المبدأ والمرونة واللين، ويأخذ بالاعتبار المواهب الفرديَّة، ويستخدم كلَّ رجلٍ وفق كفاءته”.

“القائد الخبير في المعركة يحرك العدو ولا يدع العدو يحركه”.

“يتطلع المقاتل الماهر إلى تأثير الطاقة المشتركة والعمل الجماعي، ولا يركز على العمل الفردي”.

“أصحاب المهارة في الحرب يقهرون جيش العدو دون معركة، ينتصرون بالاستراتيجية”.

“يجب أن يكون المحارب المستعد للقتال مستعدًا أيضًا للموت”.

“قد يعرف المرء كيف ينتصر دون أن يقدر على ذلك، فلا بد من القوة والإمكانيات لدعم التخطيط الجيد”.

“حيث يوجد الجيش ترتفع الأسعار وعندما ترتفع الأسعار تنفد ثروة الشعب، فلا تصنع جيشًا ولا تستخدمه لأن الخسارة عندها تكون فادحة”.

“هناك طريقة ذكية لأكل ضفدع حي، أنا فقط لا أعرف ما هي”. (يقصد أنه دائمًا هناك حل لكل مشكلة فابحث عن الحل حتى تجده).

“إذا عرفت العدو وعرفت نفسك، فلن يكون انتصارك موضع شك”.

“لكي تعرف عدوك، يجب أن تصبح عدوك” (يعنى أن تفكر بعقله وظروفه ودوافعه لكي يمكنك توقع سلوكه).

“التدريب الجيد أهم عناصر النصر، فالجندي المتمرس فور تحركه لا يشعر بالتردد أو الارتباك، ولا يكون في حيرة من أمره أبدًا”.

“يأتي النصر من سعة الحيلة في المشكلات”.

“لا تعلن عن قدراتك ومقومات انتصارك مقدمًا”.

“مهما كان الوضع والظروف يائسة لا تيأس، عندما يكون هناك ما تخشاه فلا تخف، عندما تكون محاطًا بالمخاطر لا تهتز، عندما تكون من دون موارد اعتمد على الحيلة، عندما يفاجئك العدو فاجئ العدو كما فاجأك”.

“ما لم تدخل مخبأ النمر، لا يمكنك الإمساك بشبل النمر”.

“هاجمه حين يكون غير مستعد، واظهر حيث لا يتوقعك”.

“من كان ينتظر عدوه حتى يهاجمه لن ينتصر”.

“لسنا مؤهلين لقيادة جيش إلى أرض إلا إذا كنا على دراية بجبالها وغاباتها ومزالقها ومنحدراتها ومستنقعاتها”.

“لا يوجد أكثر من خمس نوتات موسيقية، ومع ذلك فإن مجموعات هذه النوتات الخمس تؤدي إلى مزيد من الألحان أكثر مما يمكن سماعه في أي وقت مضى، لا يوجد أكثر من خمسة ألوان أساسية، لكنها مجتمعة تنتج درجات ألوان أكثر مما يمكن رؤيته في أي وقت مضى، لا يوجد أكثر من خمسة أذواق أساسية، ومع ذلك فإن مجموعات منها تنتج نكهات أكثر مما يمكن تذوقه في أي وقت مضى”. (يعنى أن قدرتك على التكتيك والمناورة والابتكار غير محدودة).

“تقدير حالة العدو وحساب المسافات ودرجة صعوبة التضاريس للسيطرة على النصر هي فضائل القائد العام”.

“الشيء المهم في العملية العسكرية النصر وليس المثابرة، لهذا عليك بالهجوم والصدمة والمفاجأة، أما الخوف من حجم جيش العدو، فيدل على نقص شديد في الذكاء”.

“لا يوجد مكان لا يمكن فيه التجسس”.

“لا تطارد جنود الجيش العائدين إلى ديارهم ففي انسحابهم انتصارك، ولا تهاجم الجيش المتردد المتباطئ بل أعطه الفرصة للانسحاب بسلام”.

“لا تبتلع الطُعم المقدم من العدو واعمل على أن يبتلع العدو طعمك”.

تعرف على: سمات وأخلاقيات القائد الحقيقي

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ . شامخ الشندويلى

الشاعر والكاتب والسيناريست المعروف