مقالاتفن وأدب - مقالات

قنديل أم هاشم… التراث المصري يتحدىما هو حديث

بين التراث والحداثة

عنوان هذا المقال هو عنوان رائعة يحيى حقي «قنديل أم هاشم» والرواية، التي تشير لقضية الصراع بين التراث والحداثة، تحكي عن قصة شاب من الطبقة الفقيرة يحصل على بعثة إلى فرنسا لدراسة الطب فتبهره أضواء باريس والحضارة الغربية بمقوماتها الجذابة من حرية للرأي وانفتاح على الآخر، وتقدم في كافة المجالات

وتمثل تلك المرحلة لهذا الشاب صدمة تغتال كل ما عايشه في وطنه وفي الحي الذي تربى فيه،  هذا الحي الفقير البسيط الذي يتبرَّك بالأولياء الصالحين ويتداوى فيه المرضى بزيت قناديل المسجد وعندما يعود إلى وطنه يحاول أن يغير التراث و عقلية وفكر أهل الحي ويحدث التصادم بين العقلية المنفتحة والعقلية المنغلقة ..بين التراث و الحداثة وتلك هي الأزمة التي يكابدها جيل وراء جيل!

فتلك الأزمة التي تداولها الفلاسفة والمفكرون، وهل نتبع التراث والأصالة أم نتبع المعاصرة والحداثة أم هل يمكن أن نوفق بينهما؟ فهناك تيار يتشبث بالماضي وينادي بالعودة إلى التراث والأصالة وأن الخير كله في اتباع السلف وترك كل ما هو جديد وأن الاتباع هو الحل، ولا شك أن المحافظة على التراث هو ما يميز الأمم وكل دولة تحرص كل الحرص على أن يكون لها أصل وتحفظ التراث والتاريخ وهو أمر ممدوح أن نحافظ على هذا التراث؛

لكن الغلو في أن ننادي بالعيش في الماضي وترك الحاضر أمر لا يستسيغه العقل، فكيف لنا أن ننغلق ونتشدق بأمجاد الأسلاف؟ وكيف لنا أن نتقبل مكتشفات الأسلاف ونتشدق بما وصلوا له ونترك ما هو جديد وحديث؟ فمن ينادي بالعيش في الماضي لهو واهم ومنفصل كليةً عن الزمن.

وعلى النقيض مما سبق هناك من ينادي بهدم القديم والأخذ بكل ما هو جديد وهو ذلك التيار الذي ينادي بأخذ كل ما هو جديد كما قال أحد المفكرين الكبار بأن نأخذ كل ما أنتجته الحضارة الغربية بخيرها وشرها! وهنا يحدث التماهي في الآخر وتختفي الشخصية الإنسانية التي تميز ذات عن أخرى فهذ الرأي يجانبه أيضا الصواب؛ حيث يمحو ذاتنا تماما.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كلاهما اتباع وليس إبداعا

والملاحظ أن كلا الاتجاهين يحدث  فيهما الاتباع وليس الإبداع؛ فأصحاب التيار المحافظ التقليدي يتبع الأسلاف والتراث  في كل صغيرة وكبيرة ويلغي فكرة إعمال العقل والفكر وتعطيل ملكة التجديد، وأصحاب التيار المنفتح الحداثي ينادي أيضاً باتباع الآخر في كل صغيرة وكبيرة، فكلا الاتجاهيين يقوم بالاتباع والسير على خطى الآخر أياً كان.

فالذي يقلد ما وصل له الغرب في الملبس والتقاليع الجديدة هو متبع مقلد، والذي يقلد الأسلاف هو أيضا منقطع عن زمنه وعصره  ، ما نريده لكي تنهض أمتنا العربية من كبوتها التي طالت ليس هدم القديم والتراث وليس اتباع الغرب وتقليده والتفاخر بأن أعلى ناطحة سحاب توجد لدينا على الرغم من أن من صممها وبناها وشيدها هو ابن الحضارة الغربية!

وليس معنى أننا نستخدم أحدث ما وصل له الغرب من تكنولوجيا هو تقدم لنا، بل هو استهلاك لما أنتجه الآخر، ما نريده لأمتنا أن تبدع وأن تخرج من حيز التقليد إلى حيز الإبداع ومناطحة الكبار ومنازلتهم في ميادينهم الفكرية والتقنية، ما نريده هو ثورة على الذات النائمة نومة بيضاء الثلج وتريد قبلة الحياة التي تنتشلها من الموات إلى الحياة.

الحل

فالعيش في الآخر أيا كان هو إلغاء وموت للذات الإنسانية، فعلينا أن نهتم ونحافظ على التراث لكن لن ننقطع داخله، وعلينا بأن نبدع ونخرج من دائرة الاتباع إلى دائرة الإبداع، ومجال الإبداع يحتاج إلى تربة خصبة لكي ينمو ويزدهر يحتاج إلى تضافر كل الأيادي وتعاونها، سواء بدأ من الفرد البسيط أو الأمة كلها

فمن يبدأ بنفسه ويبدع في مجال من مجالات الحياة فهو يضع لبنة في بناء التقدم، ومن يبدع ويساعد الآخرين على الإبداع يضاعف من مشاركته في بناء الحضارة والتقدم، فلنعمل عقولنا ونجتهد كلا في مجاله، على الطالب أن يبدع في دروسه ويسأل وينقد، وعلى الباحث أن لا يكتفي بالنقل من المراجع بل يبدع بطريقته الخاصة، وعلى أساتذة الجامعة أن يبدعوا ويخرجوا من طلابهم كل ما هو جميل ،علينا أن نتخذ الإبداع عنوانا لوجهتنا القادمة دون أن نهدم القنديل.

اقرأ أيضا:

سراب الحياة

 اعمل نفسك ميت

عن الحرية و كيف أكون حرًا؟

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

محمد سليم

عضو بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالإسكندرية