مقالاتفن وأدب - مقالات

Inside Out – إتباع المشاعر في كل شئ، ولكن أين العقل؟ – قلبٌ وقالبٌ

أثناء طفولتي كنت متيمة بالشعر الطويل وأقيس طول شعري من حين لآخر لأتأكد أن طوله زاد وأنني في الطريق لتحقيق حلمي بأن يصل طول شعري حتى أخمص قدمي، يومًا ما شاهدت ذلك الإعلان عن كريم للشعر، ولسوء حظي كانت الممثلة فيه ذات شعر قصير فأخذت تحركه بحرية يمينًا ويسارًا حتى اقتنعت أن هذا هو حلمي البديل الذي سأحققه بما فيه من سهولة عن القديم وتجديد يتناسب مع شخصيتي المندفعة، وفعلا بعد أيام من الإلحاح لأحصل على هذه القصة .. حصلت عليها، ولم ألبث أيام قليلة حتى أصبت بخيبة الأمل الناجمة عن التخلي عن حلمي القديم في مقابل قصة لم تجعل شعري يتحرك بالحرية التي بدت بها الممثلة، وعن الوقت الضائع و الرجوع إلى خط البداية.

كم مرة خدعنا بريق شخص ما وأعمانا عن رؤية عيوب قد تبدو واضحة جلية للبعض لمجرد أننا لا نرى منه سوى ضوء نجمه الساطع؟! ، كم من شخصية مرموقة كاد الناس يصنعوا لها التماثيل وبعدها كادوا أو رتبوا بالفعل المكائد لإغتيالها؟! كم من مرة في التاريخ اختارت طائفة أن تجنب عقلها في سبيل اتباعها لهواها الذي قادها لاتباع شخص أو فكرة واستلذت سهولة اعتقال حرية اختيار العقل فكان مصيرها وأمتها الضياع ؟!.

فيلم قلبٌ وقالبٌ (inside out) كان من الأمثلة الفجة على أن البريق المغشي للأبصار لا يجب أن يكون بالضرورة للتحزيب أو للخداع الشخصي، لا يجب أن يكون هذا البريق مقصودًا أصلًا لإخفاء عيب ما بل ربما أخفى جهل صانعه لا أكثر.
فيلم قلبٌ وقالبٌ (inside out) كان من الأفلام التي وصلت إلى قائمة أوائل أفلامي المفضلة خلال النصف ساعة الأولى منه، وخلالها أيضًا أدركت خطأه الفادح الذي سأذكره فيما بعد، الخطأ الذي منعه من أن يكون مكتمل الأركان بالنسبة إلي، أبهرتني بدايته وشخصياته، تواصل معي عندما وجدت حالاتي المختلفة في شخصياته وتفاعلاتي ممثلة بصورة مذهلة في إطار -قد يبدو- تلقائيًا وبسيطًا.

عرض الفيلم فكرة أهمية الحزن في حياتنا بلغة يفهمها الأطفال ليتعلموا التعبير عن حزنهم وألا يكبتوه أو يستمروا بالهروب منه، وإن كانت هذه الفكرة أهم للكبار الذين اعتادوا على كبت هذا الحزن لأنهم هم الكبار ولأنهم هم المفترض بهم إظهار الصورة السعيدة دائمًا المتقبلة لآلام الحياة الواحدة تلو الأخرى.
من منا لم يمر بتجربة حياتية آلمته حتى النخاع ؟!
قلبت حياته رأسًا على عقب وهزت أركانه التي ظنها ثابتة مع بقاء نفَسِه؟!
من منا لم يتوصل إلى حقيقة أنه ليس هنالك مخلوق على وجه البسيطة يستطيع تفهم ألمه إلا هو، وإن كان الدعم من العائلة أو الأصدقاء هو العمود المادي الوحيد الذي يحيل دون سقوطه؟
من منا لم يحتج إلى وقت الحزن هذا ليعلم أن الصديق وقت الضيق ليست أسطورة وأن الصديق الحقيقي هو من يتحمل حزنك وإن تمادى ومن يساندك وقت ضعفك وإن طال؟
الفيلم وأنا مثله لا ندعو للعيش في الكآبة أو الألم طوال الحياة، وإنما فقط نريد أن يأخذ كل شئ حقه، أن يأخذ الحزن حقه وأن تتدخل البهجة متى حان وقتها وأن تتدخل قوى الغضب لحماية النفس عند الخطر وهكذا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فكم مرة في الفيلم قالت البطلة ان حلمي شئ ما و تغيير وأغفل الفيلم المسئول الرئيسي عن أفعالنا وتصرفاتنا وهو العقل، العقل هو المضغة المسئولة عن اتخاذ القرارات والشروع في تنفيذها متأثرًا في ذلك بالمشاعر التي من صميم دوره أن يتحكم في حجمها على آلية اتخاذ القرارات.
حتى وإن كانت البطلة فى الحادية عشر من عمرها فعقلها حينها في طور النمو وموجود، كما أن العقل لم يتواجد في أي من أبطال الفيلم حتى الأم والأب، بل وتساوي الجميع في مشهد النهاية بدءًا بالطفلة وانتهاءً بالقطط والكلاب، لم تتم كتابة الفيلم من قبل بضعة أطفال بل استُشير فيه عدد من علماء نفس ومن المفترض أنه قائم على أساس علمي، لا أتهم الصانعين بأنهم أرادوا إيصال الفكرة المعيوبة عن قصد، وإنما هي مثال بسيط لما قد يمرره الإعلام للجماهير عن قصد أو بدونه.

من أسهل الأفعال وأقلها استهلاكًا للجهد هو نقد شئ نكرهه، يليه نقد شئ لا نضع له ثقل حب أو كره، ومن الصعب أو ربما أكثر ما نميل لإغفاله هو الحكم المنطقي الصحيح على ما نحب،على ما نجح في إبهارنا،على ما حرك مشاعرنا معه من فرحة وحزن وقلق وغضب وغيرة، لا أتمنى أن يسير البشر مهتمين باستخراج عيوب بعضهم البعض،بل فقط المحاولة قدر الإمكان التزام الحياد وقت الحكم ووقت اتخاذ القرارات، أن لا نسمح لأي شئ كان أو أي شخص كان أن ينفذ إلى داخلنا قبل الفلترة العقلية والحكم المنطقي، تكرار سؤال “هل المحتوى المقدم لي صادق ومطابق للحق ولا يخالف مبادئي أم لا؟هل أنا مستوعب ما أشاهد من محتوى ظاهر أو باطن أم أنني أسمح بعبور فكرة تناقض الحق دون فلترتها” بدءًا بإعلان على التلفاز مرورًا بخبر تنشره قناة ما وانتهاءً بفيلم (رسوم متحركة).

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب

اضغط على الاعلان لو أعجبك

آية سعيد

طالبة بكلية الطب _ جامعة المنصورة

عضوة ومحاضرة في فريق مشروعنا بالعقل نبدأ المنصورة

مقالات ذات صلة