فلسطين .. الواقع الأليم
أما آن للعالم الذي يدعي التمدين والتحضر أن يفيق من غفلته وتغافله ويقف في وجه الكيان الصهيوني الغاصب المحتل ويمنعه من جرائم الإبادة التي يمارسها ضد الشعب الفلسطيني المحاصر؟ أما آن للضمير الإنساني أن يستيقظ من سباته ويهب من منامه ليمنع إسرائيل مما تفعله من دموية ووحشية ضد الشعب الفلسطيني المفرد بلا حماية أو وقاية، المعزول بلا إمداد أو مساندة؟ أم أنهم توافقوا جميعًا على القضاء على الجنس العربي –مسلميه ومسيحييه– في بلد الأقصى؟!
لقد وصلت القضية الفلسطينية إلى واقع غير مسبوق من سكوت العالم عما يجري تجاه الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، بل من إعراض العالم عن القضية الفلسطينية برمتها، ففي كل يوم أناس يموتون وأطفال يشردون، لدرجة أنه بعد ثلاثة أشهر فقط من بداية العدوان تشير إحصائيات التدمير الحاصل إلى ما يزيد عن خمسة وعشرين ألف شهيد وشهيدة، وما يربو على الستين ألف جريح وجريحة، والطامة الكبرى: النزوح الجبري القسري لما يقارب المليوني شخص من قطاع غزة، أي ما يقارب 85% من إجمالي سكان القطاع إلى الدول المجاورة، ذلك كله دون أن تتحرك الدول التي تدعي التحضر، والكيانات الأممية التي تدعي رعاية الحريات، ودون أن نسمع منهما إلا دعوات الشجب والرفض والاستنكار، كأن أصحاب القرار العالمي قد تبلد إحساسهم وجمدت دماؤهم وصمت آذانهم وعميت أعينهم، وضرب على قلوبهم غشاوة فهم لا يفقهون! ولا يشعرون بالمأساة التي تقع لهذا الشعب الشامخ.
إنني أتساءل كما تتساءل أنت قارئي العزيز بالطبع معي: أين مجلس الأمن وقراراته؟! وأين هيئة الأمم المتحدة وأعضاؤها؟! هل وفَّرا حماية فلسطين أطفالها ونساءها وشيوخها وعجائزها؟! هل وفَّرا حماية المدنيين العزل؟! للأسف الشديد لم يحميا أحدًا من هؤلاء، ولم يجدوا من ينصرهم من نيران الأعداء وقنابلهم وصواريخهم.
هل يمكننا أن نتساءل أيضًا: أين العقوبات الدولية؟! وأين القوات الدولية؟! أأصبحتا عقوبات وقوات مخصصتين لمن يعادي الكيان الصهيوني أو الأمريكي فقط؟! أم أنهما مخصصتان لدول بعينها؟! لقد أصبح الوضع مقيتًا، وسياسة الكيل بمكيالين أضحت شيئًا مزريًا لا يطاق، لكن هيهات هيهات أن يستشعر ذلك هؤلاء المجرمون السفلة، فالذين رضوا لأنفسهم أن يتسببوا في تدنيس البقاع الطاهرة المباركة بنص القرآن الكريم: “سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”، الإسراء (1)، وتدمير أقدم الحضارات الإنسانية ليس لهم ضمائر تستشعر الجرم الذي يفعلون، وليس لهم قلوب تحن وتئن لدموع الثكالى وأصوات الأطفال.
لقد توافق الغرب الظالم وأصحاب المصالح الآثمة على أن يتركوا فلسطين لقمة سائغة لإسرائيل تفعل بها ما تشاء، من قتل أنفس وتدمير منازل واختطافٍ وسجنٍ وتعذيب للشعب الصامد، واقتلاع لأشجار الزيتون وتعكير للسماء الصافية، وفعل ما يحلو لها كله دون خوف أو وجل من أي قرار ضدها، وما ذاك إلا لأن الفيتو الأمريكي الآثم يحمي تصرفاتها ويحول دون توقيع أي عقوبات عليها أو المساس بأمنها.
للأسف الشديد، لقد أصبح أقصى أمانينا الآن أن يجد الفلسطينيون لهم مكانًا يعيشون فيه بجانب الكيان الصهيوني الغاصب، فبعدما كانت إسرائيل بالأمس هي التي تبحث لها عن وطن، ولشعبها عن مأوى أصبحنا نحن الذين نبحث عن ذلك، فقد أصبح الأمان للفلسطينيين حلمًا والحياة في وطن أملًا يسعون للحصول عليه! وهذا بعد أن كانت فلسطين كلها وما حولها لهم، وهذا مرده إلى الأفاعيل النكراء التي فعلها اليهود على مدى العقود العشرة الماضية، من هجمات وتدمير وحصارات واعتقالات، ولم يكن لدى الفلسطينيين إلا المقاومة والمقاومة ثم المقاومة، في صمود الشوامخ وإباء الرجال.
للأسف مرة أخرى، هذا كله والعرب يساندون حينًا ويتهاونون أحيانًا مما أدى إلى تمادي اليهود الصهاينة في اعتداءاتهم وبغيهم، وتكالب السفلة على الأرض المباركة والمقدسات الطاهرة، وهذا أدى إلى ما نحن عليه الآن من هيمنة إسرائيلية سافرة على الأراضي الفلسطينية كلها، فلا يحق لأحد الدخول أو الخروج إلى فلسطين دون السماح من قوات الاحتلال وبعد إجراءات شديدة التعقيد، وفي أحايين كثيرة لا يسمح له بذلك، أي أصبح من بقي من هذا الشعب معزولًا عن العالم أجمع.
إنني أوجه النداء لكل من بقي في قلبه ذرة من الإنسانية، لكل من بقي في ضميره شيء من اليقظة أن نتكاتف جميعًا كل بما يستطيع، لمواجهة هذا العدو الغاصب المحتل، لإنقاذ إخواننا المحاصرين في غزة وما حولها، وأن يبحث كل واحد عما يستطيع أن يقدمه من دعم ومساندة لهذا الشعب الأبي، وأوجه ندائي إلى من هم في موقع المسؤولية أن تتوحدوا لإنهاء هذا العدوان الغاشم، وصدقوني جميعًا إننا ما اجتمعنا في أي موقعة قبل ذلك إلا كان النصر حليفنا، وما تشتتنا إلا كانت الهزيمة عقابنا، وصدق الله تعالى حين حثنا على الالتفاف حول راية واحدة لمواجهة العدو إذ يقول: “وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” “الأنفال 46”.
مقالات ذات صلة
الفلسطينيون حتى لا يكونوا أندلسًا أخرى
عائلة روتشيلد (The Rotschild Family)
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا