قضية اللاجئين السودانيين وجرح السودان الشقيق
في منتصف أبريل من عام 2023، اندلعت الحرب في السودان بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهما طرفا الحكم اللذان يتقاسمان السلطة منذ 2019م بعد سقوط آخر الرؤساء عمر البشير، وحتى اليوم دارت معارك دامية في مدن سودانية مختلفة بما فيها العاصمة الخرطوم، أودت بحياة أكثر من 13 ألف شخص وفق تقديرات الأمم المتحدة، وأثارت تحذيرات من حدوث مجاعة وتسببت بأزمة نزوح.
مآسي إنسانية يتعرض لها الشعب السوداني
تشير تقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بنزوح أكثر من 740000 لاجئ سوداني وصلوا إلى بلدان مجاورة في ظروف مزرية، من ضمنها تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطي ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان، وأدى تصاعد النزاع في الخرطوم وفي منطقتي دارفور وكردفان إلى حدوث نزوح داخلي على نطاق واسع، وإلى وقوع إصابات ووفيات بين المدنيين على نطاق واسع، كما يتزايد ورود تقارير مثيرة للقلق بشأن انتهاكات جسيمة لحقوف الإنسان، بما في ذلك انتهاكات جنسية ومخاطر أخرى تعتري الحماية في أثناء فرار الأشخاص.
يقول المفوض السامي في تقريره الذي قدمه إلى مجلس حقوق الإنسان –يسلط الضوء على مجموعة من الانتهاكات والتجاوزات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان التي ارتكبتها الأطراف المتصارعة والمتحاربة في السودان في المدة بين نيسان/أبريل وكانون الأول/ديسمبر 2023م، يقول إن الأساليب العدوانية للأطراف وُثقت جيدًا، وشملت هجمات متعددة وعشوائية تستهدف المناطق والمباني السكنية، واستُخدِمت الأسلحة ذات التأثير واسع النطاق، حتى في المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية، وقال إن مكتبه تلقى تقارير مثيرة للقلق عن عمليات ذات دوافع قبلية شملت قطع الرؤوس في شمال كردفان، وحوادث في مناطق مختلفة، بما فيها الخرطوم، وغرب دارفور، وولاية الجزيرة، وأضاف أن هناك آلافًا من المدنيين المحتجزين تعسفيًا لدى الطرفين والمنتسبين إليهما، وتقارير مقلقة عن مصير مئات اختفوا، وأضاف أيضًا توثيق حالات انتهاك جنسي وأفادت تقارير بأن رجالًا مسلحين ينتمون إلى قوات الدعم السريع مسؤولون عن 81% من الحوادث.
وفقًا لتقرير السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد على تقرير جديد عن الوضع الإنساني في السودان قالت إن الوضع الإنساني في السودان هو الأسوأ في العالم، ويتعين على الدول كافة اتخاذ مزيد من الإجراءات لإنقاذ الأرواح، ووفقًا للبيان فإنه “بعد مرور عام من القتال دُمِّر الإنتاج الزراعي وأنظمة الأسواق، وتسبب القتال بنزوح عشرة ملايين شخص وتهجيرهم وعرقلة العمليات الإنسانية، ويعاني نحو 25,6 مليون سوداني نقصًا حادًا في الغذاء، وثمة أكثر من 750 ألف شخص ضمن مستوى الكارثة من انعدام الأمن الغذائي، وهو المستوى الخامس من نظام خماسي المستويات الذي يتبعه التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، ويأكل كثير من الناس أوراق الأشجار ويغلون التراب ليطعموا به أطفالهم وفقًا للبيان.
أزمة اللاجئين السودانيين بمصر
تقدر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمصر في تقرير صادر في 3 أبريل الماضي، أعداد الوافدين غير النظاميين بثلث الوافدين الجدد (72%)، فيما تقدر أعداد الوافدين من السودان بين أبريل 2023م ومارس 2024م بنحو 508,827 شخصًا، يمثل السودانيون 500 ألف منهم، ويصرح مسؤول ملف اللاجئين في المفوضية المصرية للحقوق والحريات محمد سعيد أنه لا يوجد حل لتقنين أوضاع الاجئين والنازحين ومنهم السودانيين سوى دفع مبلغ مالي أو بالتسجيل لدي المفوضية، مع العلم أنه ما إن يستلم أي شخص سوداني ورقة تحديد مقابلة مع موظف المفوضية يُوضَع تحت الحماية المفوضية، إذ تنص الورقة أن حاملها “أبدى حاجته للحماية الدولية”، ومن ثم يجب حمايته من الإعادة القسرية إلى بلده الأصلي أو إلى أي بلد سيكون عرضة فيه لخطر الإعادة القسرية بصفة غير مباشرة.
الدور الاستعماري الأمريكي في تفاقم الأزمة في السودان
بروز الأدوار الاستعمارية الأمريكية هناك أدى إلى إشعال الصراع، وذلك عندما أرسلت قوات حفظ السلام إلى دارفور ضمن مخطط تدخل الولايات الامريكية لفرض واقع جديد أدى إلى تغيير الهوية، بداية من بروز قضية التطبيع مع إسرائيل كونه عاملًا مهمًا في توجيه السياسة الأمريكية، مما ترتب عليه تدخل أيادٍ صهيونية بمباركة أمريكية، وكذلك تحالف الأطراف المتنازعة مع الإثيوبيين وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، والطامة الكبرى حصول الولايات المتحدة الأمريكية على مبلغ 300 مليون دولار من الخزينة السودانية الخاوية ضمانًا لرفع السودان من على قوائم الإرهاب.
إن العبرة التي يمكن استخلاصها من الانخراط الأمريكي الطويل في القضايا السودانية أنها لا تريد أن تبني هذه العلاقات على قاعدة المصالح المشتركة للعلاقات الثنائية، وإنما أن تكون في وضع يفرض الشروط على الجانب السوداني مثل قضايا الأقليات التي تثيرها في السودان، التي يهدف بها تفكيك السودان الشقيق، وليس الأمريكان فقط من ينهب ثروات السودان، فدول مثل روسيا والصين ودول أوروبا كان لها دور في نهب ثروات شقيقتنا السودان الحبيبة وإدخالها في صراعات داخلية كل وفق مصلحته.
الآثار المترتبة على افتقار السودان ونهب ثرواته
إن الآثار المترتبة على افتقار السودان ونهب ثرواته يجعله هدفًا سهلًا للغزو الثقافي وتغيير الهوية العربية، ومع استمرار الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع فقدت معظم الأسر في السودان مصادر دخلها، وأصبحت الدائرة تضيق أكثر فأكثر على السودانيين في الداخل والفارين داخليًا واللاجئين، وأن أضرارًا لحقت بالعملية التعليمية وخسائر أيضًا في القطاع الزراعي والحيواني بلغت 20 مليار دولار وكذا الصناعي.
تسوء الحالة النفسية والاجتماعية للاجئين السودانيين يومًا بعد يوم بالتوازي مع تردي الحالة المعيشية في المخيمات، إذ يعاني النازحون مجموعة المشكلات التالية: انتشار الفقر وانعدام فرص التعليم وسبل كسب المعيشة وتردي الخدمات الصحية ومشكلات سوء التغذية ونقص التمويل ونقص مياه الشرب وتفشي الأمراض والأوبئة.
في الآونة الأخيرة ومع تداعيات الحروب في السودان وانفصال الجنوب صيغت مشاريع ثقافية جديدة عملت على تدمير السودان، مثل غرس مصطلح “التباين العرقي والثقافي” و”التعددية الثقافية”، ويحاول الاستعمار الغربي تأكيد التمايز الثقافي حتى تطور الأمر إلى صراع انفصالي مسلح ألقى بظلاله على الأطروحة الثقافية للمفكرين السودانيين، لذا عمد الاستعماريون إلى الفصل العرقي للجنوب عن الشمال بقوانين المناطق المقفولة، وبتعميق الشعور القبلي في الشمال (سياسة فرق تسد) حينما استخدموا أسلوب الإدارة الأهلية، لذا يتعرض السودان للحرب على الهوية الوطنية والهوية العربية والإسلامية تجعله ضمن مشاريع غربية وأمريكية في المنطقة.
في النهاية
أشقاؤنا في السودان يعانون ويلات الحروب، ويجب إيجاد فاعلين بالدول العربية لإنهاء النزاع والحروب، والاستعانة بالخبراء في الخدمة الاجتماعية وعلم النفس وعلم الاجتماع ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات العاملة مع اللاجئين في وضع الخطط والحلول لهم، وتشجيع المراكز البحثية والتدريبية في كليات الخدمة الاجتماعية ومعاهدها والتخصصات النفسية والاجتماعية على عمل البحوث والدراسات التي تساعد في حل مشكلات اللاجئين السودانيين، وإنشاء الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية التي تعمل على رعايتهم سواء بمصر أو خارجها، وذلك أيضًا بالتوازي مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وفتح شراكات تدريبية مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ،وكذا شركاء المفوضية لتدريب خريجي كليات الخدمة الاجتماعية ومعاهدها والتخصصات النفسية والاجتماعية لتقديم الدعم للاجئين عمومًا والسودانيين خصوصًا.
ندعو أيضًا جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الإفريقي والجهات المعنية جميعها إلى إيجاد حل للقضية السودانية ومشكلة اللاجئين السودانية، والعمل على حل مشكلاتهم التي تواجههم في بلدانهم، ونشر السلم الداخلي ووقف الحرب وبناء سلام شامل ودائم في السودان الشقيقة.
مقالات ذات صلة:
الأطفال اللاجئون المنفصلون عن ذويهم
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا