أندلسيات .. الجزء الأول
قصة الأندلس في كتبنا البسيطة
يقرأ أحدنا وهو طفل، في كتب تعليمية بسيطة، أن العرب قد عبروا المضيق، واحتلوا إسبانيا في نزهة عسكرية، وشيدوا هناك حضارة نهلت منها أوروبا كلها، وتفوقوا في كل شيء تقريبا، وبرعوا في الشعر حتى أن غزلياتهم صارت مضرب الأمثال.
لا تنسى الكتب التعليمية البسيطة أن تضع بين صفحاتها صورة لمسجد قرطبة الجامع أو لقصر الحمراء، فينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان علّمه أبوه، ولا يريد أن يغيّر الصورة النمطية عن الأندلس.
طارق بن زياد وخطبته الشهيرة
ليس غريبا إذن أنك عندما تحاول معرفة الأندلس وتاريخه، إذا لجأت إلى كتب غير المتخصصين، لا تجد إلا بضع قصائد وجملا نقلها واحد عن آخر، حتى حفظها الناس، يقولون إن القائد طارق بن زياد بعد عبوره المضيق، قد أحرق السفن وألقى خطبة شهيرة: “العدو من أمامكم والبحر من ورائكم، وليس لكم والله إلا النصر أو الشهادة”.
جمال الأندلس
يقولون أيضا إن الأندلس كان آية في الجمال، ويستشهدون بقصائد مثل “جادك الغيث إذا الغيث همي يا زمان الوصل بالأندلس”، “يا أهل أندلس لله دركم، ما جنة الخلد إلا في دياركم، وليس يدخل بعد الجنة النار”.
سقوط طليطلة
ثم ينتقلون إلى سقوط طليطلة، وقصيدة “يا أهل أندلس شدوا رحالكم، فما المقام بها إلا من الغلط”.
وينتهي المطاف عادة بحديث عاطفي عن خيانة أبي عبد الله الصغير لوطنه، ثم بكائه وهو يغادر غرناطة إلى غير رجعة، وإلى جانبه أمه -يقولون إن اسمها عائشة الحرة- فتقول له: “ابك كالنساء على ملك لم تدافع عنه كالرجال”.
إلى هنا تنتهي قصة الأندلس في كتبنا البسيطة، وفي المجموعات التي يديرها البعض على صفحات التواصل الاجتماعي.
حقائق عن الأندلس
لكن البعض منا يتخصص في الدراسات الأندلسية، أدبا وتاريخا، ويقرأ مصادر كتبها أوروبيون، فيدرك أن بعض ما قرأه في كتبنا التعليمية البسيطة في حاجة إلى تنقيح.
فتح الأندلس لم يكن فتحا عربيا خالصا
بعد أن يطمئن الطفل العربي إلى أنه سليل أجداد عظماء فتحوا بلاد الدنيا، يصطدم -عندما يشرع في البحث- بالحقيقة الأولى: لم يكن فتح الأندلس فتحا عربيا، بل اشترك فيه مسلمون غير عرب، ويكفي أن قائد الفتح نفسه، طارق بن زياد، كان من البربر أو الأمازيغ.
كان الإسلام فقط هو الذي يجمع الفاتحين، لكن الاختلافات بينهم كانت حاضرة، لدرجة توزيع أهل كل بلد على مدينة إسبانية، منعا للتنازع بسبب العصبيات، ولذلك فالأثر الشامي حاضر بدرجة أكبر في مدن بعينها، وقُل مثل ذلك عن الأثر اليمني والأمازيغي.
لم يكن طارق بن زياد عربيا، ولذلك فمن المستحيل أن يكون قد ألقى تلك الخطبة العصماء التي تداولتها كتب المدارس.
قصة إحراق السفن
تستطيع أن تشك أيضا في موضوع إحراق السفن، عندما تقرأ أن القائد الإسباني إيرنان كورتيس عندما وصل إلى المكسيك أحرق السفن حتى لا يكون أمام جنوده إلا القتال حتى النصر.
اطمأن مؤرخونا إلى رواية الأجداد، ولم يكلفوا أنفسهم عناء التحري عن الحقيقة، أما على الجانب الآخر فالأبحاث تتواصل، وقد صدر عن مؤسسة البابطين كتاب اشتركت شخصيا في ترجمته، ألّفه مجموعة من الباحثين الإسبان عن تاريخ إسبانيا في الفترة من 711 إلى 1492، وفيه بحث خاص بأحداث عام 711.
يذهب الباحثون إلى أن هزيمة إسبانيا فى تلك الحرب القصيرة إنما ترجع إلى عوامل داخلية إسبانية وإلى عوامل أوروبية أخرى.
المهم في دراسات الأوروبيين هو أنهم يتحدثون عن وثائق، أما في عالمنا العربي فالارتجال هو عمدة التأليف، حتى أصبح التأريخ مهنة يشتغل بها بعض المشهورين من الدعاة، ولله الأمر من قبل ومن بعد، والحديث موصول بإذن الله
اقرأ أيضاً:
“الورق السمرقندي وأهميته في الحضارة الإسلامية”
أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا