فيروس كورونا على أي الأحصنة نراهن؟
في ظل ذلك السباق المحتدم الذي يشهده العالم مع مستجدات فيروس كورونا شبه اليومية، وتلك الزيادات الملحوظة في عدد الإصابات، يظل السؤال الذي يطرح نفسه بقوة وبشكل متكرر ما هو السلوك الذي نتمناه من فيروس كورونا؟ وعلى أي الاحتمالات يجب أن نراهن ؟
مقارنة بالفيروسات المختلفة
في البداية لا بد أن نعترف بأن أي رهان على الزوال التام لفيروس كورونا واختفاء إصاباته بشكل كامل هو رهان خاسر لا محاله، لأنه بالإضافة إلى كونه رهانا لا يتسق مع ما لدينا من معلومات عن معظم الفيروسات وسلوكياتها، فهو أيضا رهان ذو مردود سيئ على الصحة النفسية للأفراد والمجتمعات، خاصة أولئك الذين يمنون أنفسهم بالعودة إلى عالم خالٍ تماما من الكورونا.
وإن المتأمل لسلوكيات الفيروسات المختلفة يجد أن أقصى ما نتمناه وما يمكن أن نراهن عليه في الوقت الحالي هو أن يسلك فيروس كورونا مسلك سابقيه من الفيروسات التنفسية، فيخضع لعدد من الطفرات الوراثية منتجا سلالات جديدة تجمع بين قدرتها على الانتشار بشكل أكبر وإحداث إصابات أقل فتكا من نسختها الأولى.
ومن المعلوم أن احتماليات الطفر هذه تزداد مع زيادة انتقال الفيروس من شخص إلى آخر، وهو الأمر الذي لا يجب أن يصيبنا بالقلق، فمن المعروف لدى العلماء أن عمليات الطفر لا تصب -في أغلب الأحيان- في مصلحة الفيروس واستمرار حياته، بل هي تجعله أكثر وهنا وأشد ضعفا من ذي قبل.
كما أن عملية انتقال الفيروس من شخص لآخر ومواجهته أجهزة مناعية مختلفة يقلل من قوة الفيروس ومن شراسته في عملية تشبه إلى حد كبير عملية الترويض، وهو ما يقلل قدرة الفيروس على إحداث المرض أو (الإمراضية) pathogenicity كما يسميها العلماء.
لماذا علينا ألا نقلق؟
وكما ذكرنا في مقال سابق فإن الفيروسات الذكية تحاول قدر الإمكان أن لا تقتل عائلها، وذلك لأن استمرار العائل حيا يوفر لها مدة أطول وفرصة أكبر للبقاء والتكاثر، أما الفيروسات التي تقتل عائلها فإنها تموت بالتبعية لأنها لن تجد بسهولة عائلا جديدا للعيش بداخله، ويطلق العلماء على هذه الظاهرة قاعدة الطفيل الناجح، ويضعون عبارة (لا تقتل عائلك) و(لا تحرق جسورك إلا بعد عبورها) شعارين لها.
وقد تناول عدد من العلماء هذه الفكرة في عدد من مؤلفاتهم، فيقول ويليام ه ماكنيل في كتابه أوبئة الطاعون والشعوب سنة ١٩٧٦: (إن جرثومة المرض التي تقتل عائلها سريعا تخلق أزمة لنفسها، ذلك لأنه يجب العثور على عائل جديد بطريقة ما للإبقاء على استمرار سلالتها). كما كتب باستير: (أكثر الطفيليات كفاءة الذي يعيش في تناغم مع عائله).
وبالتالي فإن النهج الحالي الذي يسلكه فيروس كورونا من تغير في بعض صفاته وظهور سلالات جديدة منه ومن ثم انتشاره بشكل أسرع وأقل فتكا لهو المسلك الطبيعي الذي نتمناه و نراهن عليه، والذي لا يجب أن يقلقنا بالمرة، وإن يوم النصر الحقيقي هو ذلك اليوم الذي تتحول فيه الإصابة بفيروس كورونا إلى ما يشبه أدوار البرد العادية.
وأخيرا أذكر أن اهتمامنا بنظافة الأيدي ولبس الكمامات واستعمال المناديل عند السعال والعطاس وتجنب مخالطة الآخرين عند الإصابة بالأمراض لا بد وأن يتحول إلى سلوكيات عامة وأساسية في حياتنا سواء وجد فيروس كورونا أم لم يوجد، ونسأل الله العافية والسلامة للجميع.