مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

فلسفة التسامح – هل ننظر لمفهوم التسامح بشكل سليم صحيح دون مبالغه أو تنظير؟

التسامح هو قيمة من أنبل القيم فى مجتمعنا، والتى تعتبر من مكارم الأخلاق، ويُنصح بالتحلى بها فى الشباب والصغار. وهو أحد أهم الشعارات التى تُرفع اليوم فى عالمنا لأجل مواجهة العنف سواء كان ذلك العنف هو عنف ضد النساء فى البلاد المختلفة أو حتى العنف الإرهابى،

ولكن ظهر على الجانب الآخر استخدام ثانٍ لذلك اللفظ؛ حيث شاع استخدام المفردات المتعلقة بالتسامح كثيرًا في وسائل الإعلام، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، في السنوات الأخيرة.

حتى أنها أضحت من بين الضروريات فى الخطاب السياسي والاقتصادي الرسمي للعديد من الأنظمة والمؤسسات. ولكن يتبادر إلى الذهن ذلك السؤال “هل ننظر لمفهوم التسامح بشكل سليم صحيح دون مبالغه أو تنظير ؟!” وهل تنظر الفلسفة إلى هذا المفهوم بتلك النظرة التى ننظر لها نحن فى مجتمعنا؟!

 مفهوم التسامح وعلاقته بالفلسفة :- 

الفلسفة هى نمط خاص للتفكير أو بمعنى أكثر بساطة يمكن تعريف الفلسفة على أنها البحث عن الحقيقة وإدراك علل الأمور بطريقة منطقية عقلية. أما بالنظر إلى التسامح؛ فإنه يعنى البذل والعطاء والتساهل مع الآخرين، ولكن فى عصرنا هذا وما يُشَار إليه فى العديد من المجتمعات على أنه تقبل المواقف الأخرى واحترام الرأى المخالف بتسامح دون غضب .

وبنظرة مُبسَّطة سوف يتبادر إلى ذهن القارئ أنه لا جدال ولا خلاف فى نظرة الفلسفة للتسامح وذلك لأن الفلسفة تعنى البحث عن الحقيقة. والباحث عن الحقيقة لا جدال عليه فى تقبل الاختلاف والتضاد فى الرأى وقبول الأفكار المختلفة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ويتضح مدى قوة التسامح فى الفلسفة حيث يبلغ أقصى درجاته فى موقف “ابن رشد” من آراء المخالفين له والخصوم حيث يُلقِى باللوم على الإمام الغزالى لأنه لا يتفهم موقف الخصوم؛ بل يُطلق الحكم بفساد الخصوم دون أى مقدمات وكذلك “أرسطو” الذى يرفع التسامح إلى أعلى مقام؛ بل أنه ورد فى بعض الكتب أنه رفع من قيمته ليصل إلى العدل.

الخلاصة

وخُلاصة ذلك يمكننا اليقين بأن لا تصادم بين الفلسفة والتسامح؛ فالفلسفة لا تتناقض معه ولكن تدعو فقط لتصحيح المفهوم.

بالتأكيد؛ لا مانع ولا إشكال فى استخدام مفهوم التسامح فى احترام أصحاب الديانات الأخرى واحترام حقهم فى ممارسة ما يريدون من شعائر خاصة بهم، ولكن ما يحدث اليوم من تغيير وتطوير لمفهوم التسامح ومحاولة قلب الموازين الخاصة بالتسامح؛ هو الأمر غير المقبول والذى يجب مواجهته.

وما يحدث اليوم هو أكبر دليل على ذلك من حيث يتم اليوم توظيف شعار التسامح فى العديد من الميادين السياسية والاجتماعية؛ فإنه بالطبع العدل يأتى قبل التسامح.

التسامح والقضية الفلسطينية

ولنضرب بذلك المثال ما يحدث فى قضيتنا الفلسطينية؛ حيث نجد أن المحتل الإسرائيلى ينشر الدعوات فى وسائل الإعلام المختلفة ويدعو مستنكرًا على العرب والشعب الفلسطيني حقهم فى أنهم يرفضون التسامح ويرفضون العيش فى سلام جنبًا إلى جنب بجانب المحتل.

ولكن هل يمكن التسامح فى حقه في هذه الحالة؟! في تلك الحالة يختلف المفهوم بالطبع؛ فهو حق للشعب الفلسطينى ولا يمكن التسامح فيه أو حتى على المستوى الخاص بنا فى حياتنا اليومية؛

فنجد الموظف يتأخر بشكل مُتكرر دون سبب منطقى وإذا قام المدير باتخاذ إجراء ضد ذلك الموظف فإننا نلقى باللوم عليه ونصفه بأنه عديم الرحمة؛  لذلك يجب الحذر من تبديل وتحويل المفاهيم فى مجتمعنا اليوم؛ حتى لا يتم الغزو الثقافى لنا تحت شعارات تبدو فى ظاهرها أنها لصالح الأمم وفى باطنها تحمل الكثير من المعانى.

اقرأ أيضا

الإنسان بين حتمية الخطأ و منطقية التسامح

ماذا أنتجت النسبية الأخلاقية؟

الإنسان والسلوكيات الأخلاقية

مصطفى عاطف

عضو بفريق بالعقل نبدأ الصعيد