إصداراتمقالات

فقاعة الصابون

أذكرعندما كنا أطفالا صغارا كان من أمتع الألعاب لدينا هو اللعب بفقاعات الصابون , كان مظهرها رائعا .. كروية بشكل متناسق , بسطح أملس لامع , عندما ينعكس عليها الضوء تظهر ألوان قوس قزح , كنا نستمتع بنفخها ومشاهدتها وهي تطير عاليا , كان أحدنا ينفخ والباقون يجرون خلفها ويحاولون لمسها , كنا نتحدى بعض في من يستطيع أن ينفخ أكبر فقاعة, وكنا نغيظ بعضنا بلمسها لتفرقع, كنا نظل نشاهدها وهي تطير في الهواء, نرى كيف يتلاعب بها الهواء يمينا ويسارا وترتفع عاليا حتى تتلاشى, حتى تفنن البعض في التعامل مع الفقاعات وأصبحوا يقدمون العروض بفقاعات الصابون الكبيرة .

إن فقاعة الصابون بخفتها وهشاشتها وحتى لمعتها وانعكاس الألوان عليها يشبه إلى حد كبير الحياة المادية التي يعيشها الناس في هذا الزمن, فمازال الناس كالأطفال في رغباتهم إلا من رحم ربي , يلهثون وراء زخرف الماديات .. ينبهرون بألوانها الخلابة معتقدين أن سعادتهم وكمالهم في الحصول على أقصى قدر ممكن من الممتلكات الثمينة, يسعون خلف بريق الأسماء العالمية, و قدوتهم هم مشاهير الغناء و الفنانين .. رموز الحياة المادية الفارغة .

 فخدعة الماركات العالمية على سبيل المثال انطلت على السواد الأعظم من الشعوب الفقيرة- للأسف أكثر من الشعوب الغنية- فتجد الشخص منهم يسأل عن اسم الماركة وشهرتها قبل أن يسأل عن الخامة وجودتها, إذا لم يكن حذاؤه من الماركة الفلانية لا يقبل به ويجب أن تكون الماركة ” أصلية “, و كأن الأرض التي يمشي عليها ستشعر بفرق الحذاء الملبوس ! إذا لم يكن عطره من أفخم وأغلى الأنواع المعروفة فستصبح الحياة كلها بلا رائحة, بل حتى نوع الساعة التي يلبسها في يده, إذا لم تكن من أفخر الماركات و أحدث الموديلات فلا يصح لبسها, و كأن الوقت سيتغير حسب نوع ساعة اليد, الحذاء سيظل هو الحذاء مادام مريحا في القدم, و العطر سيظل عطرا مادام منعشا للأنف, و ساعة اليد ستظل ساعة يد مادامت تعطي الوقت الصحيح, والله ما بتفرق معانا الأسماء !

مثال آخر هو الاهتمام الزائد بجمال الشكل عن جمال الجوهر, تجد أن معايير الجمال تعتمد بالكلية على المظهر الخارجي, مما جعل الكثيرين يتسابقون لملاقاة تلك المعايير من وضع مساحيق تجميل وصولا إلى عمليات الجراحية لتغيير الشكل .. حتى أن الأمر لم يقتصر على النساء بل طال بعض الرجال أيضا! ,مما جعل البعض يتأثر في تعامله وتقبله للآخر بناءًعلى الشكل, فيرضى من أصحاب الشكل الجميل ما لا يرضاه من أصحاب الشكل القبيح, وقعوا فريسة القشرة الخارجية ليسقطوا في فراغ الجوهر.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولو تحدثنا عن التكنولوجيا من هواتف نقالة وحواسيب وتلفزيونات وغيرها, وعن سرعة التغيير فيها وكيف يلهث الناس وراء كل جديد فيها بشكل مبالغ فيه, سيطول الحديث فيها.

تلك الحياة المادية بكل زخارفها وبهرجتها تشبه فقاعة الصابون في لمعانها وألوانها, مادامت بعيدة المنال ستظل تزغلل العيون وتلهب القلوب, وفي اللحظة التي تلمس فيها تلك الفقاعة تنفجر وتختفي اللذة المنشودة, فلن تشعر بالسعادة التي كنت تتوقعها وتنتظرها, لأنك ستجدها أصبحت سرابا ولا شيء آخر, لأنك بعد فترة من الزمن ستعتاد ما تمتلكه وتظل تبحث عن فقاعة أخرى معتقدا أن فيها السعادة والخلاص, سيظل بحثك عن السعادة مستمرا .. و سيطول ذلك البحث .. ولن تصل لما تفتقده من سعادة .. لأنك تبحث في الطريق الخطأ !

إن من يظل يجري خلف فقاعة الصابون ستظل عينه معلقة في السماء ولن يرى طريقه الذي يسير فيه, ستعميه ألوانها وبريقها عن إدراك حقيقتها الفارغة والهشة, و يظل يتابعها وهي تطير وترتفع عاليا دون أن يستطيع لمسها وإذا لمسها تتلاشى ولا يبقى لها أثر , ثم يسقط في هاوية المادة الفانية .

من يعي تلك الحقيقية .. حقيقة فقاعة فارغة, لن يفني عمره في الركض وراء سراب ويبتعد عن هذا العالم المادي البغيض, و سيعمل عقله ليجد البديل .. البديل إلى السعادة الحقيقية ..

سيصل لحقيقة المفاهيم ويسبح في عالم الأفكار عاليا دون سقوط, يعرف ما له قيمة حقيقية فيسعى إليه ويحافظ عليه,

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حينها تنعكس ألوان السعادة الحقيقية على قلبه ويشعر ببريقها في نفسه.

بالاهتمام بالجوهر, بالاهتمام بالروح ومتطلباتها من العلم والمعرفة, بحسن أخلاق الإنسان وقربه من ربه, بتحقيق الغاية من خلقه .. في تحقيق العدالة لكل البشر, يكون الجمال الحقيقي .

بعدها سينطلق العقل في بحثه عن الحقائق وعندما يصل للسعادة سيضيء القلب ويصبح هو مصدر النور والألوان لتنعكس سعادته على من حوله, ويصل للمقام المناسب له كإنسان .

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

رشا الشتيحى

طبيبة أسنان

محاضرة وباحثة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالاسكندرية

مقالات ذات صلة