مقالات

هل نحن نعيش داخل برنامج محاكاة؟

فرضية المحاكاة لنيك بوستروم .. وكيف تغير من نظرتنا وتفكيرنا في العالم والكون

يمكن واحدة من أغرب الفرضيات العلمية اللي ممكن تسمع عنها، الفرضية اللي بتقولك إننا في الواقع عايشين جوة برنامج محاكاة، وإن الكون اللي إحنا عايشين فيه ده كله، وحياتنا كلها اللي جواة مش حقيقية، بل هي مش أكتر من مجرد وهم مصنوع بأناقة واحترافية عشان يعيشنا في أكبر كدبة عرفها التاريخ.

لو عايز تعرف إزاي ممكن حياتك كلها تطلع عبارة عن وهم جوة جهاز كمبيوتر، هات كوباية شايك الحلوة والنعناع في إيدك، وتعالى أحكيلك.

هل يتحقق فيلم ماتريكس؟

سنة 1999، صدر لأول مرة فيلم (The Matrix)، اللي كان بيحكي عن قصة هاكر تقليدي، بيكتشف إن العالم بتاعه اللي هو عايش فيه ده كله مجرد برنامج كمبيوتر، أو برنامج محاكاة أو ((Simulation)) زي ما بيقولوا عليه، وإن جسمه الحقيقي متوصل بكمبيوتر بره في العالم الحقيقي اللي هو أصلًا متدمر تمامًا، وبتحكمه آلات وروبوتات بالذكاء الصناعي، بتحاول تقضي على البشر وتدمرهم.

ساعتها الفيلم ده، والفرضية اللي بيقدمها خدوا العالم على غفلة، والناس انبهرت بالفكرة، بس بدأوا يعتبروها مجرد خيال علمي، بس اللي الناس مكانوش يعرفوه إن الفرضية دي مش مجرد خيال، لأ في الواقع فرضية فسلفية موجودة فعلًا، واتقدمت كذا مرة من فلاسفة كتير منهم رينيه ديكارت، وبتمتد جذورها تاريخيًا لأبعد من كده، بس آخر واحد تكلم عنها الفيلسوف المشهور في جامعة أوكسفورد، نيك بوستروم، صاحب نظرية الفلسفة المعاصرة المسماة بـمعضلة المحاكاة أو الـ((Simulation) Argument).

الحقيقة إن النظرية أو الفرضية الغريبة اللي تكلم عنها بوستروم دي، على قد ما هي غريبة، على قد ما كمان كانت مرعبة، عشان ممكن تخليك تشطح بدماغك في أسئلة وجودية ممكن تلفلك عقلك وتخلي مخك يسيح، بس خلينا نبدأ الموضوع ببساطة وواحدة واحدة، ونفهم هو قال إيه بالظبط.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ما هي فرضية المحاكاة؟

فرضية المحاكاةاللي قاله بوستروم، إن مع التطور الواسع اللي بنشوفه بيحصل كل يوم في العالم بتاعنا، ممكن ييجي يوم ويكون عندنا القدرة إننا نعمل برامج محاكاة أو ((Simulation)) للعالم بتاعنا، ويمكن كمان للكون كله، والعوالم والأكوان اللي إحنا ممكن نصممها دي، ممكن جدًا لو شخص دخلها بعقله، ميبقاش عارف إنها مجرد خيال، بل هيكون فاكرها الحقيقة وميعرفش غيرها، وولا عمره شاف شكل العالم الحقيقي من بره، بالظبط زي فيلم ماتريكس.

بس المعضلة بقى مش في الافتراض ده، ولا في تخيل إننا ممكن في يوم نعمل محاكاة للعالم، عشان مع تطور التكنولوجيا الرهيب اللي بنشوفه في كل يوم، فلازم هييجي علينا وقت ويبقى عندنا القدرة إننا نحول حلم زي ده لحقيقة، ولو ده بالفعل حصل في يوم ما في المستقبل، إيه اللي يضمن لنا إنه محصلش بالفعل في الماضي، وإن إحنا دلوقتي الناس اللي عايشين جوة المحاكاة ومنعرفش؟!

إيه اللي منع إننا نطلع مش حقيقيين، وحتى منعرفش إننا مش حقيقيين، وإن حياتنا دي كلها مش حقيقية؟!

اقرأ أيضاً: الإسقاطات اللي في الأحلام دي ليها إشارات في الواقع؟

متى تكون المحاكاة أداة مناسبة؟

لو إنت كنت متخيل من جواك إنه مستحيل يبقى في تكنولوجيا قوية بما فيه الكفاية لدرجة إنها تحاكي طريقة عمل الكون كله على المستوى الفيزيائي، بكل الكواكب والنجوم والمجرات اللي فيه، وكل الذرات والجسيمات الذرية، فإنت مش غلطان، عمل محاكاة للكون كله بكل الحاجات اللي فيه صعب ويمكن مستحيل كمان، بس الفكرة بقى اللي إنت مش واخد بالك منها إننا أصلًا مش محتاجين نعمل محاكاة لكل ده.

مش محتاجين نعمل محاكاة تعالج مليارات المجرات والكواكب والنجوم عشان نخدع النماذج بتاعتنا ونخليهم يفتكروا إنهم عايشين حياة حقيقية، لأ، إحنا في الواقع كل اللي هنحتاج إننا نحاكيه فعلًا، هو المساحة اللي مسموح ليهم إنهم يستكشفوها بس، لكن الباقي ده كله ممكن جدًا يكون مجرد خلفية مش حقيقية، زي صورة ثلاثية الأبعاد متصممة مخصوص عشان تخدع الـ(Subjects) بتوعنا وتخليهم يفتكروا إن الكون الواسع اللي هما عايشين فيه ده كله هو حقيقي، مش صورة.

من الأمثلة على المحاكاة

نفس الكلام ده ممكن يتطبق على الخلايا الحية، أو البكتيريا، أو مثلًا الذرات والجزيئات اللي بتكون الأجسام الصلبة اللي إحنا بنتعامل معاها كل يوم، يعني على سبيل المثال، لو قررنا نصمم محاكاة أو ((Simulation)) لحتة كيكة مثلًا، فإحنا مش محتاجين نصمم ونحاكي كل المليارات من المليارات من الذرات والجزيئات والروابط الكيميائية، لأ، كل اللي هنحتاج نعمله إننا نصمم شكل حتة الكيكة بس، ونبرمجها على إن طعمها يبقى حلو مش أكتر.

لما النموذج اللي عايش جوة المحاكاة ده يحاول يبص على اللي جواها بقى ويحطها تحت الميكروسكوب، فساعتها بس ممكن نعمله محاكاة مؤقتة للي هيشوفه جواها وهو بيبص من عدسة التليسكوب، ولما يشيلها من تحت التليسكوب، يرجع الحال كما كان.

بالظبط زي فكرة الفيديو جيمز، لو إنت دلوقتي بتلعب لعبة، فإنت ما بتبقاش شايف الكود، أو البرمجيات اللي مبنية من خلالها اللعبة دي، لأ إنت بتبقى شايف العالم والجرافيكس بتاعت اللعبة، وبتتخيلها على إنها حقيقة.

مثلًا الحيطة اللي الشخصية بتاعتك في اللعبة دي بتخبط فيها، بتبقى باينة مجرد حيطة جرافيك عادية جدًا، ما بيبقاش باين إنها مجموعة من البرمجيات والأكواد، متبرمجة على برنامج كمبيوتر، بيحولها لصورة جرافيك وهمية، في عالم افتراضي غير حقيقي.

اقرأ أيضاَ: حقيقة الواقع تفرض نفسها

تعرف على: الميتافيرس والأزمة الوجودية

حجج فرضية المحاكاة

فرضية المحاكاةيعني بناءً على الافتراض ده، مفيش أي حاجة تمنع إننا فعلًا نكون عايشين في برنامج محاكاة ومش عارفين، بس لو ده طلع حقيقي فعلًا، يا ترى إزاي ممكن نعرف حاجة زي كده أصلًا، وإزاي نتأكد منها؟!

حسب فرضيات نظرية المحاكاة أو الـ ((Simulation) Argument) الأصلية لـنيك بوستروم (Nick Bostrom)، ففي 3 شروط لو توافروا في الواقع بتاعك ده، فإنت عايش في ((Simulation)) أو محاكاة، مش عالم حقيقي.

محاكاة الدماغ البشري

الشرط الأول إننا نوصل في يوم من الأيام لمستوى من التكنولوجيا يخلينا نقدر نعمل محاكاة للوعي، وطبعًا بما إننا لحد النهاردة مش عارفين بالظبط إيه هو الوعي ده وبيشتغل إزاي، فإحنا في الحالة دي هنحتاج إننا نعمل محاكاة أو (Simulation) لنشاط المخ البشري كله، ده لو افترضنا إن محاكاة المخ هتقدر إنها تحاكي الوعي كمان معاها.

الفكرة بقى إن دي هتكون عملية صعبة ومعقدة لدرجة لا يمكن تتخيلها، عشان لو افترضنا إن كل تفاعل واتصال ما بين الأعصاب هو عملية مخية، ففي الحالة دي هنكتشف إن مخنا البشري الطبيعي بيعمل ما لا يقل عن 10 أس 17 عملية مخية في الثانية الواحدة! يعني 100 مليون مليار عملية في الثانية!

كل الرقم ده لمخ واحد بس، ما بالك بقى إن إحنا هنعمل محاكاة لكل البشر اللي إتولدوا وماتوا من بداية التاريخ، اللي هما بناءً على تخمينات حسابية ممكن يكونوا تقريبًا 300 مليار بني آدم من ساعة خلق البشر لحد دلوقتي.

اضرب بقى إنت 10 أس 17 في 300 مليار، وشوف الناتج، وخليني أوفر عليك وأقولك إن الرقم اللي هيطلعلك ده أكبر من عدد النجوم الموجودة في الكون المرئي كله، أظن ده كافٍ لإنه يديك فكرة عن مدى استحاله الرقم، فهل إنت تتخيل بقى إن ممكن يكون في كمبيوتر قادر إنه يعمل العمليات دي؟!

هل يقترب الحاسوب من محاكاة الدماغ البشري؟

الإجابة الأولية اللي ممكن تقولها إنه مستحيل، بس في الواقع هو ممكن، في مثلًا تكنولوجيا مقترحة حاليًا، ممكن في المستقبل نستعملها في تصميم كمبيوتر افتراضي متطور، بيتبني حوالين الشمس أو النجوم، وبيستهلك الإشعاع بتاعها للطاقة، وبيحول ده لمعالجات وحسابات، كمبيوتر زي ده لو اتعمل في المستقبل، فهو قادر إنه يعمل محاكاة لمليارات البشر في نفس الوقت.

ده غير كمان الحواسيب الكمية أو الـ (Quantum Computers) اللي بتتعمل حاليًا، وهتقدر إنها في يوم تكسر حاجز التكنولوجيا اللي نقدر نستوعبها، يعني ممكن كمبيوتر كمي مستقبلي، يعمل الـ(Simulation) اللي إحنا بنتكلم عنها دي بسهولة.

بس لو إحنا في يوم وصلنا لقدر التطور الكافي لإننا نعمل حاجة زي كده، وعملناها فعلًا، ده بردو لسه مش معناه إننا جوة محاكاة، عشان لسه في شرطين كمان للنظرية لازم يتحققوا قبل ما نقول إن موضوع المحاكاة ده حقيقي.

اقرأ أيضاً: هل يوجد واقع؟!

اقرأ أيضاً: نحو أخلاقيات للتكنولوجيا العصبية

محاكاة العالم

الشرط التاني اللي افترضه نيك بوستروم إن الحضارات المستقبلية المتقدمة للدرجة اللي تخليها تقرر إنها تعمل محاكاة للعالم، تكون موصلتش لمرحلة من التهور والانحدار تخليها تدمر نفسها بنفسها، يعني إحنا لو جه علينا أي وقت في المستقبل، ودخلنا في حروب وصلتنا لإننا ندمر جنسنا بنفسنا، أو دمرنا الكوكب بتاعنا بأي وسيلة تانية زي التلوث أو الاحتباس الحراري أو الحروب النووية أو البيولوجية أو غيره، فكل اللي إحنا بنقوله ده هينتهي هنا.

أصل هنعمل محاكاة إزاي وإحنا مش موجودين أساسًا وانقرضنا، ودمرنا الكوكب بتاعنا وحضارتنا بالكامل؟ مستحيل علينا ساعتها إننا نوصل للتكنولوجيا الكافية إننا نصمم محاكاة زي دي، ومش هتكون في موارد طبيعية أو بشرية تخلينا نصممها من الأساس.

محاكاة الحضارات المستقبلية المتطورة

بس لو افترضنا إن ده محصلش، وإن حضارتنا فضلت مكملة، فالشرط التالت والأخير في النظرية الفلسفية الغريبة دي، بيقول إن لازم الحضارة المتقدمة فوق البشرية دي يكون عندهم رغبة كبيرة إنهم يعملوا محاكاة للتاريخ بتاعهم، وطبعًا هتسألني إشمعنى يعني يكون عندهم رغبة؟! ما أكيد هيكونوا عايزين يعملوا حاجة زي دي حتى لو لمجرد الفضول أو الاستكشاف، زي ما كل العلماء بيعملوا دلوقتي.

بس الحقيقة بقى يا صديقي إننا لو جينا نتكلم عن الحضارات المستقبلية المتطورة دي، فهيكون صعب علينا وعلى عقولنا الحالية إننا نفهم هما وقتها هيكونوا بيفكروا إزاي، وده عشان الناس دول هيكونوا بالنسبة لنا متطورين لدرجة مش هنقدر نستوعبها وأكبر من فهمي وفهمك.

تخيل إنك بتحاول تشرح للقطة بتاعتك يعني إيه تلفيزيون وموبايل وإنترنت وفيسبوك ويوتيوب، القطة مستحيل عليها وعلى عقلها إنها تفهم أو تستوعب ليه البشر عندهم تلفيزيونات وموبايلات، وليه بيعملوا حاجة اسمها إنترنت وفيسبوك عشان يتصوروا عليه صور سيلفي ويعملوا لبعض لايكات، أهو إحنا بقى هنبقى عاملين زي القطط بالنسبة للحضارات المتطورة للدرجة دي.

بالتالي ساعتها صعب إننا نفهم أو نستوعب هما فعلًا هيبقوا عايزين يعملوا محاكاة للتاريخ بتاعهم ولا لأ، ممكن مثلًا تكون فكرة إنهم يعملوا محاكاة للتاريخ والواقع القديم بتاعهم، هي فكرة غبية ومتخلفة بالنسبة لهم، ومش حاجة محتاجينها من الأساس ولا ليها فايدة بالنسبة لهم، ممكن يكون عندهم طريقة تكنولوجية بتخليهم يشوفوا التاريخ من غير محاكاة، ممكن يكونوا متطورين لدرجة إنهم وصلوا لوسيلة للسفر عبر الزمن، الاحتمالات كتير جدًا وصعب نحصرها كلها.

اعرف عن: روبوتات الدردشة وكيفية التواصل مع الموتى

هل نعيش في محاكاة؟

فرضية المحاكاةبس لو فعلًا كانوا عايزين يعملوا حاجة زي كده،و الشرط التالت ده تحقق، إذًا فاحتمال إننا نكون عايشين جوة محاكاة أو (Simulation)، مش هيبقى صفر خالص، بل بالعكس، الاحتمال هيكون كبير جدًا جدًا، وحسب الافتراضات بتاعت النظرية، فـقصاد كل شخص واعي وعاقل مخلوق من اللحم والدم، هيكون في مليار مثلًا موجودين في برنامج المحاكاة.

يعني احتمال إنك إنت تكون الشخص اللي من لحم ودم ده، في الواقع 999 مليون و999 ألف و999 من مية، في المية، فتخيل إنت بقى.

تخيل إن اللي إنت بتعتبره واقع، وبتصحى تشوفه وتعيشه كل يوم، ممكن يطلع مش حقيقي أصلًا، تخيل إن صاحبك اللي بتقعد معاه على القهوة، ممكن يطلع مش صاحبك أصلًا، تخيل إن إنت ممكن تطلع مش إنت، وتكون مجرد شوية سطور من الأكواد والبرمجيات، في برنامج محاكاة عاملاه حضارة متطورة فوق بشرية!

الاحتمال حقيقي وموجود، والمرعب إن مفيش أي وسيلة نقدر نعرف بيها أو نتأكد منها في يوم بشكل قاطع، ومحدش أبدًا هيعرف حاجة زي كده إلا في نهاية حياته، لما تنتهي الفترة اللي بيقضيها على الكوكب ده، ويروح لمكان تاني بعيد أكيد هيعرف فيه كل الحقايق اللي كان نفسه يعرفها.

بس للأسف، ساعتها كل اللي هنعرفه هيكون في علم الغيب، ومش هتكون في فرصة لحد غيرنا يعرفه أبدًا.

مصادر:

https://www.newyorker.com/books/joshua-rothman/what-are-the-odds-we-are-living-in-a-computer-(Simulation)

https://bigthink.com/arguments-live-matrix–arguments-against

https://www.vox.com/future-perfect/2019/4/10/18275618/(Simulation)-hypothesis-matrix-rizwan-virk

https://www.scientificamerican.com/article/are-we-living-in-a-computer-(Simulation)/

https://www.(Simulation)-argument.com/

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. محمود علام

كاتب روائي وباحث، وسيناريست