مقالات

بطل من ورق .. فاسكو دي جاما مستكشف رأس الرجاء الصالح

واحدة من أشهر الرحلات البحرية المربحة في القرون الوسطى كانت رحلة الحج السنوية ما بين البحر الأحمر والمتوسط وصولا للمحيط، ولأنها كانت رحلة مربحة ومضمونة فعلا فكان الأمراء وأغنياء زمانهم بيتسابقوا لامتلاك سفن قادرة إنها تلف تجمع في الحجاج وتوديهم من وإلى مكة، مع تأمين الطريق عن طريق معاهدات واتفاقيات مع قراصنة وحكام المناطق اللي بيعدوا منها، بيزنس مربوح وثواب كمان.

سفينة “مريم”

من ضمن السفن اللي كانت بتنقل الحجاج في الفترة دي سفينة كبيرة اسمها “مريم” أو “Meri”، كانت من ضمن ممتلكات حاكم مصر المملوكي وقتها “قانصوه الغوري”، ودي كانت رحلة A class للأغنياء اللي عايزين يحجوا في رحلة VIP لأنها كانت غالية ساعتها، يعني سفينة بتنقل أغنى الشخصيات، وكان طريقها بيبدأ من ميناء كاليكوت في الهند _قريب من مالابار_ وصولا لمكة عن طريق البحر الأحمر.

في سبتمبر سنة ١٥٠٢م تحركت السفينة من كاليكوت الهندية بعد ما حملت مجموعة من الحجاج الأغنياء وزوجاتهم وأطفالهم _منهم أغنى ١٠ مسلمين هنود في فترتها_ برفقة سفير مصري وطاقم السفينة والتأمين وخلافه، بعدد ٤٠٠ واحد فيهم ٣٠ ست و٢٠ طفل، وبدأت تتحرك ناحية مكة، وسط التكبير والتهليل للقيام بمناسك الحج.

خليك فاكر إنها رحلة مسالمة، لا هي تجارية محملة بضايع ولا هي حربية، مجرد سفينة ضخمة فيها مدفعية لحماية الحجاج فقط لا غير، وعليها مصريين وهنود وخلافه.

سيطرة بالسلاح

مسافة ما تحركت السفينة كام يوم في البحر، تحديدا يوم ٢٩ سبتمبر ١٥٠٢م، والناس مش في بالها أي حاجة، سمعوا صوت طلقات تحذيرية جاية من قلب البحر، فواحد من الملاحين بيطلع على الساري عشان يبص يشوف فيه إيه،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فيلاقي عدد ١٥ سفينة عليها أعلام القرصنة وأعلام البرتغال، بتقرب منهم، القلق عم السفينة وحاول القبطان إنه ينحرف في محاولة للهرب، إلا أن السفن كانت بتقرب منه ومستمرة في ضرب النار في الهوا للتحذير، فكان واضح إن سفينتهم مرصودة واليوم مش هيعدي على خير.

المهم السفن حاوطت السفينة “مريم” وحطوا السلالم وبدأت عملية السيطرة على السفينة بالسلاح لحد ما أخضعوها تماما وبقت تحت سيطرتهم، وبعد ما قدروا إنهم يسيطروا عليها، ظهر قائد القراصنة دول عشان تبدأ المفاوضات، راجل ملتحي شكله متدين وطيب كده، ووشه مش غريب على الناس، مين ده اللي بيحاول يسرقنا ده؟

فاسكو دي جاما والتلذذ بمعاناة الغير

فاسكو دي جاما.. نعم؟ فاسكو دي جاما المستكشف بتاع البرتغال؟ اللي بنمجد فيه عشان اكتشاف رأس الرجاء الصالح؟ اللي كان معاه أحمد بن ماجد ده؟ فاسكو دي جاما اللي المفروض بطل معروف يعني؟

آه هوا فاسكو دي جاما، المفاجأة إنه مكنش زي ما الناس فاكراه خالص ولا نبيل ولا أي حاجة، إنما كان عنده نزعة سادية، وجهل كبير نتيجة إنه غير متعلم، والوش اللي مكانوش عارفين إنهم هيشوفوه منه هو التلذذ بالمعاناة ومزاج متقلب.

ظهر “فاسكو دي جاما” وبدأ يتكلم مع السفير المصري ومعاه جوهر الفقيه، واحد من كبار وأغنياء كاليكوت الهندية. في البداية عرضوا على دي جاما إنهم يفدوا المسافرين باللي معاهم من فلوس وتوابل مقابل إنهم يسيبوهم يكملوا رحلتهم، لكن دي جاما رفض،

فكرر الفقيه العرض بالإضافة لأنه يدي ٤ سفن من ال١٥ سفينة بهارات تكفي شعبهم كله، وكمان عرض على دي جاما واحدة من زوجاته ومعاهم ابن أخوه فدية لحد ما يوصلوا ويجمعوله أي فلوس يطلبها، وكمان عرض عليه يعرفه على حاكم الهند الجديد “الزامورين” اللي أساسا كان بينهم خلافات فده عرض العمر.

بس واضح إن دي جاما مكنش نيته السرقة بس، إنما كان عايز يشوف ناس بتعاني، حابب يشوف المعاناة، ميوله كده بقى، فكان بيرفض وبيتعامل بخشونة وحابب نظرات الخوف اللي في عيونهم لا أكثر.

ثروات تكفي البحارة لسنين ولكن دي جاما لم يستكفي

فاسكو دي جاما طلع على السفينة مع رجالته، وأمرهم يقلبوا كل الفلوس والدهب اللي على السفينة، حتى اللي في صدور الستات، وكل الأكل والشرب اللي معاهم _حمولة خمس مراكب، وأمر رجالته إنهم يخلعوا المدفعية ويحملوها على السفن بتاعته، كل ده قصاد عيون الحجاج اللي رايحين يحجوا ومش في دماغهم أي حاجة.

على الرغم من إن دي جاما جمّع ثروات تكفي البحارة لسنين قدام من السفينة دي بس، لكن ده مشفاش نزعته السادية، فقبل ما يمشي من السفينة أمر رجالته يولعوا نار في كام جمب من السفينة كده ويسيبوهم يعانوا، وفعلا عملوا كده وسابوها والنار ماسكة فيها وركبوا سفينتهم وبدأوا يبعدوا شوية.

أول ما مشي، رجالة السفينة فكوا قيودهم بسرعة وتعاونوا مع بعض ببطولة ومعجزة قدروا فيها إنهم يطفوا النار وينقذوا السفينة من غير إصابات تذكر، الكلام ده عملوه بسرعة وكانت سفينة دي جاما والسفن بتاعته مبعدتش كتير، بس واضح إن دي جاما كان بيراقب المنظر من بعيد، لأنه أول ما شاف النار بتتطفي معجبوش الموضوع، وأمر رجالته يلفوا السفن تاني ويرجعوا للسفينة بتاعت الحجاج، طيب ليه؟ مزاجي كده.

عودة فاسكو دي جاما السفاح

السفينة مريم في عز ما كانوا بيعالجوا إصاباتهم وبيحمدوا ربنا على النجاة، تفاجؤوا إن سفن دي جاما رجعت تاني، طب ليه؟ ما أخد كل حاجة وسابهم على الأبيض يعني، وخد مجوهرات تكفي سنين قدام، عايز إيه تاني؟

رجع دي جاما، اللي معجبوش إنه يسيب الناس عايشة كده، دا ميرضيش الإيجو بتاعه، فالمرادي قرر إنه يرجع ويكمل عليهم، وأمر كل اللي على السفينة إنهم يخرجوا أي بضايع تانية مخبيينها منهم، حاول الحجاج إنهم يقاوموا وحصلت مناوشات لكن معرفوش يعملوا حاجة، حاولوا كمان يقنعوا دي جاما إن كل بضايعهم سايبينها في كاليكوت لأن دي رحلة حج مش رحلة تجارة،

فدي جاما اتعصب، وأخد واحد من الحجاج وربط إيديه ورجليه ورماه من على السفينة. المنظر ده خوف الناس وبدأوا يخرجوا كل حاجة معاهم، حتى الهدوم، حتى خشب السفينة أخده دي جاما، الستات كانت بتعيط وترفع أطفالها بتحاول إنها تستعطف دي جاما أو أي حد من رجالته، لكن ده مأثرش في أي حد فيهم.

بعد ما جمع دي جاما كل حاجة كانت في السفينة، قرر إنه يجمع الأطفال اللي على السفينة وياخدهم في سفينته الخاصة، أطفال رضع لسه في المهد، ٢٠ طفل أخدهم دي جاما على السفينة من أيادي أمهاتهم، وبعد ما جمع الأطفال أمر رجالته إنهم يجمعوا الرجالة على السفينة ويحبسوهم في بطن السفينة تحت مع ستاتهم، وقفل عليهم،

وراح مدي الأمر إنهم يضرموا النيران في السفينة وهما تحت. هل اكتفى بكده؟ لا دا قرر إنه يسيبها النار بتاكل فيها، ويبعد شوية بس يحاوط السفينة بمراكب عليها جنوده بالسيوف، عشان أي حد يطلع من السجن ده وينط في المياه الرجالة تقتله بالسيف،

عشان يتأكد إن كلهم ماتوا، إما على السفينة أو في المياه بالسلاح، لحد ما مات كل اللي كان في السفينة ٣٨٠ راجل منهم ٣٠ ست، على مدار ٥ أيام لحد ما غرقت السفينة بعد ما النار كلت الخشب، بكل اللي كان فيها.

الدهب اللي جمعه دي جاما من السفينة دي بس من كتره _على حد وصف الشهود_ كان يكفي إنه يفدي كل المأسورين أو اللي شغالين بالسخرة في مملكة فاس في المغرب، اللي هما مئات الآلاف ساعتها، ثروة لا تعد ولا تحصى، لكنه مكتفاش إنه يسرق، لا دا قرر إنه يمارس عقده النفسية على المسالمين دول.

أما عن الأطفال، فأخدهم دي جاما معاه لما رجع على لشبونة، وألحقهم بكنيسة القديسة ماري في بيليم، عشان يبقوا بعد كده رهبان مسيحيين في البرتغال بالغصب، ومصيرهم بعد كدة مش معروف.

رحلة فاسكو دي جاما إلى الهند

دي جاما بعد الحادثة دي وقبل ما يرجع على لشبونة، توجه لكاليكوت في الهند اللي هيا كانت السفينة دي خرجت منها، وراح على هناك يهددهم، ويحكيلهم على اللي عمله في الحجاج عشان يخافوا، فالحاكم “زامورين” وكان هندوسي وقتها خاف، وحاول إنه يعمل مصالحة مع “فاسكو دي جاما”، فاشترط دي جاما على زامورين إنه يعمل إيه؟

يطرد كل المسلمين من بلاده، ويدفعوله تعويض يرضيه وخلاص. حاول زامورين إنه يفاوضه تاني لأن اللي بيطلبه ده صعب، فبعتله كاهن اسمه “تالابانا نامبوتيري” وده كان صديق فاسكو دي جاما في رحلته الأولى اللي اكتشف فيها رأس الرجاء الصالح، يعني ليه دلال عليه،

وأول ما دخل الكاهن ده عليه وبدأ يتكلم، دي جاما اتعصب، من لا شيء كده، واتهمه إنه جاسوس، طب جاسوس ليه ولمين يا فاسكو دي جاما؟ معرفش بقى، أنت جاسوس، وحكم عليه إن شفايفه وودانه يتقطعوا ويتخيط مكانهم ودان كلب هو والكهنة كلهم اللي كانوا معاه، ويرميهم بعيد.

وطلبت مع فاسكو دي جاما بعد كده إنه يقصف كاليكوت بالمدافع من البحر على مدار يومين، مدينة مسالمة أصلا وميناء مش عسكري وسكان مسالمين، فجأة بيتضربوا بالمدافع عشان بس دي جاما عايز كده،

وهجم على السفن كلها اللي هناك اللي هيا مش سفن عسكرية خالص، وجمع ٣٨ صياد من السفن دي وأعدمهم قدام عينيه، والباقي قطع مناخيرهم وودانهم وبعتهم لزامورين برسالة إنه مستعد للصلح بس يدفع تعويض لفاسكو دي جاما يعوض بيه سعر البارود والمدافع اللي اتضربت عليهم، متخيل؟

بطل مزيف

حصلت معركة واحدة بحرية بين زامورين وفاسكو دي جاما حاول فيها حاكم كاليكوت إنه يرد على المعاملة دي، بإنه بعت ١٠ سفن تحت قيادة قراصنة عرب، لكن في النهاية دي جاما انتصر لأنه كان مجهز عنه وعدد أسطوله أكبر،

وفي النهاية أخد الفلوس اللي هو عايزها، وبضايع مكونة من توابل وبهارات، كانت باكورة تجارة الهند ساعتها، وحمل موارد تانية بكميات ضخمة زي الرز والحبوب مثلا، وساب كام سفينة لتأمين التجارة البرتغالية ورجع على لشبونة.

اتكرم فاسكو دي جاما هناك على إنه بطل برتغالي قادر يحل المشاكل البحرية في التجارة البرتغالية، على الرغم إنه حصل زي فتور كده بين إمانويل الأول ملك البرتغال وقتها وبين دي جاما بسبب مزاجه السيئ ده،

وبسبب حادثة الحجاج اللي حاول يخفيها عن الكرسي البرتغالي، وبسبب إنه مقدرش يقبض على زامورين اللي كان عامل قلق للبرتغاليين في الهند، إلا إنه اتقال عليه بطل ومستكشف عبقري وموروثلنا لحد النهاردة إنه البطل مستكشف طريق رأس الرجاء الصالح.

اقرأ أيضاً:

الملّاح تشنغ خه

مفهوم القوة وصورة البطل الحقيقي

بطل المشهد

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

محمد أمير

كاتب ومؤرخ وصانع محتوى