مقالات

عن الحرب الناعمة

الحرب الناعمة مشتقة من مقولة “القوة الناعمة” كما روج لها المنظر الأول لهذه القوة البروفيسور جوزيف ناي نائب وزير الدفاع الأميركي السابق ومدير مجلس المخابرات الوطني الأميركي، وعميد كلية الدراسات الحكومية في جامعة هارفرد، وتعتمد هذه الحرب على نقل المعركة من الميدان الحقيقى للحرب الذى تحكمه عدة أمور منها التقدم العسكرى فى المعدات وغيرها من الأدوات ومرورًا بالصبر والتضحية والثبات والإيمان بقضية والدفاع عنها، وقد واجهت الدول الإمبرالية هذه العقيدة لدى الكثير من الشعوب التى احتلتها وهى بدورها ترهق أى جيش نظامى مهما بلغت قوتها العسكرية وفيتنام تعد نموذج لهذه المقاومة التى تعتمد على قضية محقة وعزيمة قوية لأفراد الشعب مما أدى بدوره إلى كسر القوة العسكرية التى كان يتفوق بها الجيش الأمريكى، وهناك أمثلة كثيرة فى التاريخ على هذا الأمر. مما اضطر الإمبريالية العالمية ومن خلال مراكز أبحاثها ومتخصصيها الذين يرصدون ويحللون الواقع فى كل البلاد تقريبًا إلى البحث عن طرق جديدة لغزو الشعوب والسيطرة على مقدراتها، حيث أن الطرق القديمة للغزو أصبحت تكلف الدول الغازية أثمانًا باهظة فى الأرواح والمعدات وبدأت تكشف المعنويات الرخوة التى يتمتع بها جنود هذه الدول حيث لا توجد قضية محقة يحاربون من أجلها، وما حدث فى العراق وأفغانستان من مصائب لحقت بالجيوش الغازية لخير دليل على ذلك.

عرّف مايكل آيزنشتات الباحث المتخصص في الدراسات الأمنية والعسكرية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى”1″ الحرب الناعمة بأنها ” استخدام الأقوال والأفعال والصور الانفعالية كجزء من حملة تواصل استراتيجي طويلة المدى لتشكيل الحالة النفسية لبلد معادٍ لأميركا. وحدّد أن نسبة الأقوال والتصريحات الإعلامية يجب أن تشكل20% من حملة التواصل الاستراتيجي الناعمة، في حين تتشكل 80 % الباقية من برامج وأفعال وتحركات ملموسة على الارض”2 “

وتنشأ القوة الناعمة من الجاذبية الثقافية لبلد ما، والمثل السياسية التي يحملها، والسياسات التي ينتهجها في الواقع، وعندما تبدو السياسات الأمريكية مشروعة بنظر الآخرين تتسع القوة الناعمة الأمريكية. وعندما نجعل الآخرين يعجبون بالمُثل التي نؤمن بها، ونجعلهم يريدون ما نريد فإننا لن نضطر الى الإنفاق كثيرًا على موارد السياسات التقليدية – العصا والجزرة – أي على عوامل الإرغام العسكري والإغراء الاقتصادي. ومن أهم المثل الأميركية التي لها قدرة على تحريك وجذب الآخرين نحونا الديمقراطية وحقوق الإنسان وإتاحة الفرص للأفراد”3

وأضاف أن القوة تنقسم إلى ثلاثة أشكال وأنواع “القوة الاقتصادية والقوة الصلبة العسكرية والقوة الناعمة” وعلى هذا الأساس فالقوة الصلبة لا تنفصل عن القوة الناعمة والقوة الاقتصادية، فهذه القوى الثلاث تشكل أبعادًا وزوايا القوة والتفوق والهيمنة والسيطرة في السياسة الدولية. وينبغي لمن يتصدى للعمل في الاستراتيجيات والسياسات الدولية أن يعرف أن “جدول أعمال السياسة العالمية قد أصبح اليوم مثل لعبة الشطرنج ثلاثية الأبعاد لا يمكن الفوز بها إلا اذا لُعبت بطريقة عمودية وأفقية”. ومشكلة بعض اللاعبين والزعماء أنهم لا يستطيعون اللعب إلا في اتجاه أو بعد واحد– أي إما إعلان وشن الحروب العسكرية أو فرض العقوبات الاقتصادية”4

وتابع يقول “إن سياق القوة قد تغير بفعل عوامل لها صلة بالعولمة وانتشار وسائل الإعلام والاتصال والمعلومات ويقظة المشاعر القومية والإقليمية وعدم ردعية السلاح النووي وضمور وضعف شهوة الغزو والاستعمار العسكري لدى الدول الكبرى ما أدى الى تغيير وتبدل في أشكال القوة، لأن معادلات القوة لا تعمل إلا في السياق والإطار الذي توجد فيه علاقات وموازين القوة. فالدبابة لا تصلح لحرب المستنقعات والغابات، والصاروخ والمدفعية لا يصلحان لجذب وكسب الآخرين. ومن ناحية أخرى القوة الناعمة هي الأكفأ والأفعل في عالم اليوم على توفير القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج والأهداف المتوخاة بدون الاضطرار الى الاستعمال المفرط للعوامل والوسائل العسكرية والصلبة، وهي الأقدر على تشكيل تفضيلات وخيارات الآخرين وجدول أعمال الآخرين السياسي، وكل دولار يُصرف في مجالات القوة الناعمة أفضل وأجدى بأضعاف من صرف 100 في مجالات القوة الصلبة”5.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الحرب كمفهوم ومصطلح معجمي تعني غالبًا ” النزاع المسلح بين دولتين أو أكثر من الكيانات غير المنسجمة الهدف منها إعادة تنظيم الجغرافية السياسية للحصول على نتائج وغايات “. وقد أضاف إليها المنظر العسكري التاريخي كارل فكلاوزفيتز نظرته الثاقبة والعميقة عندما قال إن “الحرب هي عمليات مستمرة من العلاقات السياسية ولكنها تقوم على وسائل مختلفة. وإن لكل عصر نوعه الخاص من الحروب، والظروف الخاصة، والتحيزات المميزة”1وبالتالي فالحرب الناعمة شكل من أشكال الحروب تتخذه الدول عند انسداد الخيارات العسكرية أمامها بمواجهة دولة أو كيان أو حزب معادٍ لمصالحها ” 6 “

وكي لا يقع الخلط بين مفهوم الحرب الناعمة وغيرها من العمليات الدعائية والنفسية والسياسية الشبيهة فإننا سنضع مؤشرات وعلامات إذا ما توفرت فإننا نكون بصدد وقوع حالة نسميها “الحرب الناعمة” وهي ثلاثة:

ـ وجود اصطفاف وحشد دولي وإقليمي وداخلي ضد نظام أو جهة ما.

ـ تحرك القنوات الإعلامية في حملة يومية وأسبوعية متواصلة.

ـ استغلال مناسبة وتحريك الأحداث بصورة فجائية لصناعة دراما إعلامية.

وترجع أهمية معرفة ما لهذه الأمور لأنها تغير قرارات الدول بدون حرب لأنها تدفع للاستسلام للقوة الناعمة سلميًا لأنها تدفع بخفاء.. لأنها خالية من الأسلحة.. لأنها توجه الحياة والمصير وتوجه الإعلام والدين عند ضعاف النفوس .

ولكى نتجنب مخاطر هذا النوع من الحروب يجب أن يكون المجتمع واعيًا بخطورة وأبعاد مثل هذه الاستراتجيات الجديدة للدول الإستعمارية وأن يتحمل المثقف آلامه لدورهم فى كشف هذه الممارسات على الشعوب ومحاربتها بالتأكيد على الثوابت الوطنية والدينيه لأفراد المجتمع. فإن هذه المخططات تجد لها بيئة خصبة في البلدان التى ينتشر فيها الجهل والتخلف وعندما لا يمتلك مثقفو هذه البلدان من المعرفة والمنهج المعرفى السليم ما يمكنهم من الدفاع عن ثوابتهم .

———————————————————————————————————

1- معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني

دراسة منشورة في 2010 تحت عنوان “دور القوة الناعمة في الحرب النفسية”- 2

جوزيف ناي، القوة الناعمة، مكتبة العبيكان 2007 ص 12،ص20 و ص 27-3

القوة الناعمة.المصدر السابق . ص. 27-4

المصدر نفسه. ص. 25 وص 33 -5

– القاموس العسكري، منشورة على موقع الموسوعة العالمية الحرة ويكيبيديا -6

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.