بدايةً لا بد أن نوضح أن المقصود بكلمة “الديني” هنا هو الأديان السماوية (الإبراهيمية) كلها، ليس دينًا معينًا، مشتملًا على النصوص المقدسة والكلام المنسوب لأهل الاعتبار في كل دين، كالأنبياء وغيرهم.
و “كل شيء” هنا معناها بالفعل كل شيء، خاصة النواحي الاجتماعية والعلمية بالتفصيل وليس الإجمال، ومن حيث تفصيلات الأحداث وطرق التدافع بين البشر وتفاعلات الأمم مع بعضها البعض.
ففي إحدى طرق التفكير، يتم إسقاط النصوص والأحاديث على الأحداث عالمية والمحلية.
فكل ضائقة تكون فتنة …. ولذلك نص.
وكل ضائقة لها طريقة التفكر فيها والتعامل معها …. ولذلك نصوص ونصوص.
فإذا رأيت صراعًا بين فريقين، أخرجت النصوص التي تحض على المجاهدة والتصارع المقدس …. فتصير ضائقتك ابتلاءً، وامتحتنًا من الرب، وبنفس النصوص تكون المجاهدة جهادًا في سبيل نفس الرب، وتحت إمرته …. والنص يقول أن نصرك -حيث إنك قد عرفت الرب- كان حقًا على الرب.
فإن غُلبت وانهزمت، أو يئست وتعبت، أو خارت عزيمتك وانكسرت …. أو ببساطة إن كسلت ومللت … فالعزلة هى الحل.
والعزلة مريحة بالفعل، إن كان لك من المال والعزوة والقوة أن تعيش في وقتك مرتاحًا مطمئنًا … أما مساكين الناس …. فلهم الرب.
فالأمم في ذلة وانكسار، ثم تنهض لما يبعث الرب النبي، ثم بعد موت النبي أو رفعه تعود الذلة …. هكذا أخبر الرب.
والذلة مستمرة، والشر في انتشار …. هكذا أيضًا أخبر الرب.
ثم يرسل الرب ذاك “المخلّص” إلى الناس، فيهزم الشر وينشر الخير … والناس تنظر وتشاهد.
بعضهم يضل …. فهي فتنة.
وبعضهم يهتدي …. فهؤلاء جنود الرب.
الرب هدى … وليس للناس شيء.
الرب رفع النبى فانتشر الشر …. وليس للناس شيء.
والرب أخيرًا أرسل المخلّص …. وأيضًا ليس للناس شيء.
ونحن إن تأملنا في الأمر ربما نجد فيه إساءة للرب …. يهدي ويضل ويهدي، ثم جنة أو نار، دون أن يكون للناس يد في أي شيء
ونحن إن استعرضنا التاريخ الإنساني، وجدنا أن أكثر النهضات بدأت عندما فهم الناس أن هناك سننًا كونية وضعها نفس الرب تحكم جريان الأمور في الدنيا.
بواطن النفس البشرية وتشابك علاقات الشعوب على الأرض وأسرار العلوم كلها قد أجراها الرب على سنن ثابتة صنعها بيده كما صنَعَنا … وحفظها كما حفظنا.
ذلك “الفطام” عن الانعزال والاستسلام ولبحر الدنيا يلقى بنا حيث شاء هو بداية الأمر.
وبداية ذلك “الفطام” تكون في إكرام أعز ما خلقه الرب …. العقل.
والحقيقة كما أراها هو أن الرسالة الحقيقية لكل نبي تكون في تحرير العقل عن كل الأغلال، فيعرف المخلوق ما يحكمه من سنن كونية، ومن ثم يعرف بها حرًا مختارًا الرب.
ثم بعين العقل ينظر إلى الأمم والشعوب كيف نهضت
ويرى الأمم والشعوب كيف سقطت
فبعين العقل يعرف ويرى سنن الله في كونه …. وبنفس السنن يعمر بها الأرض … كما يريد الرب
لكن اللجوء إلى تدمير بنيان الرب في سبيل الرب …. هو اليأس المقيت
والبعد عن دنيا الرب بالانعزال …. هو الكسل الخبيث
غاية ما يريده الشيطان وكل ظالم، أن يترك الإنسان عقله فيدمر، ليسعد الشيطان
أو يترك الإنسان العقل والمجاهدة به …. فيسعد الظالم
لن يفعل الله لنا إلا ما نحاول نحن بالفعل أن نفعله لنفسنا