مقالات

على هامش بورما

 

يشهد عالمنا اليوم ومن حين لآخر أزمات إنسانية تطل علينا كاشفةً للنفوس ومختبرة صدق إيمانها بمبادئها ومعريةً لمن اتخذ تلك الشعارات لتزين نفسه وكسب مزيد من الاحترام علي حساب الضمير الإنساني.

فنرى أنها كاشفة لضعفنا جميعا بدرجات متفاوتة، فنرى من كان يرفع شعارات حقوق الإنسان في أوطاننا والدفاع عن الحريات والمرآه ..الخ، صوتهم يخفت إن لم يختفي في أغلبهم بالرغم من أن ما يدافعون عنه من سنخية تلك القضية، وقد جمعت تلك القضايا وحدة المبدأ مما كشف عن تضاد في القول والسلوك بين رافعي تلك الشعارات وخلل في الميزان الذي يكليون به.

كما كشفت عورات نخب الغرب والتي تُكشف عوراتهم عن كل أزمة لأصحاب البصائر والعقول، من الصراخ والعويل لبعض القضايا والمتاجرة بها لجني المزيد من الأرباح ولابتزاز بعض الزعماء السياسين في دول عالم الثالث علي ضعفهم وأخطائهم ولخلل في بنية نظامهم السياسي.

فأين تلك الأصوات الآن؟ أليست تلك الأصوات هي التي ترتفع في سوريا وليبيا تارة عند المصلحة وتختفي أحيانا بل وتختفي تماما في اليمن و بورما و غيرها …الخ.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فمن نِعم تلك المحن على صعوباتها أنّها لطائف لكشف أصحاب الضمائر الزائفة ولكشف عوراتنا جميعا بدرجات متفاوتة لتقويم مسيرتنا.

فيجب على هامش تلك الأزمة ألا نقع في فخ الطائفية والتمذهب بالمِلل والنحل وتحويلها إلى صراع ديني بحت، بل يجب أن نضع الأمور في نصابها بشكل جيد، فحل المشكلات يبدأ بتشخيص المشكلات و تصور أسباب الأزمات جيدا.

فليست القضية صراعا دينيا بحتا، بل إنها تخفي دائما صراعا على المطامع في الموارد والأموال مكتسيةً  مكسو بفرو زاهٍ من الدين لتجيش المشاعر وإضفاء الزخم وتضليل العامة وخداعهم.

فكما كانت الحروب الصليبية تخفي في باطنها رغبة لسيطرة المادية ومزيدا من مصالح فئة ضيقة لرجال الدين والسياسة مضحيةً بأبناء وطنهم في أتون معركة فاشلة، فها هنا اليوم نرى المشهد يتكرر في بورما واليمن من مجاوزات تُرتكب يوميا، فنرى سياسين مثل رئيسة بورما و التي حازت جائزة نوبل للسلام وقد أعمتها مصالحها السياسية أن تقف موقفا أخلاقيا و نرى زعماء العسكر في بورما وزعماء الدول الإسلامية المجاورة مثل بنجلادش والدول الاسلامية القريبة من دول آسيا مثل أندونسيا وماليزيا ..الخ و قد وقف البعض منهم موقف الصمت والتخاذل بما لا يليق بالأزمة، فليست المشكلة في جوهرها صراعا دينيا بقدر ما هو صراع إنساني بين ضمائر الحق والباطل، والذين فسدت ضمائرهم وصاروا يتعايشون علي دماء البشر.

فلا يجب أن نقع فى ذلك الفخ ونجعل الصراع بين أبناء ملة وملة وكأنها حرب عقيدة بالدرجة الأولى، مما قد يجلب مزيدا من التخندق لدول لم تقف موقف المساند لنظام بورما من الدول البوذية المجاورة ، ولا نجعل من مشاعر الدهماء والعامة مبررا لها لتحقيق مآربها عن طريق نقل الصراع إلى صراع ديني. بل هو صراع أخلاقي وإنساني بالأساس وبالدرجة الأولى والذي قد يكون صاحبه في ظاهره بعض درجات الصراع الديني، ولكن الأزمة لم تكن في الدين وإنما في نفوس من تذرّعوا بالإيمان وارتدوا فراءه زورا، فهي تعكس أزمة أخلاقية في السلوك قبل كل شيء.

فكما رأينا من انتحل الدين ورفع أعظم الشعارات لقتل أبناء المسلمين من الحركات المتطرفة في بلادنا العربية والإسلامية تحت ستار الدين.

فيجب أن نكون واعين وممدين لجسور التعاون مع الجميع ممن لم تمت ضمائرهم، ودون التخندق والتمذهب نحو لا يجلب إلا مزيدا من الصراع الذي لن يحسم إلا بالعقل وتغليب المنطق.

كما يجب ألا نكون ذريعة لبعض وسائل الأعلام التي تعمل على التركيز على بعض القضايا والتي قد تكون حقيقية وإهمال أخرى، مثل ما يحدث الآن من صراع في اليمن وقتل وتشريد وتهجير منذ فترة وبشكل أكثر حدة من بورما، ولكنها وسائل إعلامنا التي ارتأت لمصالحها أن تهمل تلك القضية!

كما يجب علينا أن نلتفت أيضا إلى القضية الجامعة لأهل الإنسانية جميعا وهي فلسطين التي هي بورما كل العصور، والتي تجسد الصراع بين الحق والباطل، وتمثل محور الصراع، فلا ننشغل عنها بقضايا تنسينا جوهر الأمر لخدمة أهل الباطل في فلسطين المحتلة، فكما رأينا من أن أحد أهم مصادر سلاح بورما هو الكيان الغاصب، الذي يرى مصلحته في تحويل الصراع في العالم على أساس ديني وإشغال العرب والمسلمين بقضايا أخرى، وتعكير صفو العلاقات بين أمتنا وغيرها من الأمم.

إننا لا نخفي اختلاف المصالح والأفكار بين أمتنا وغيرها من الأمم، ولكن الاختلاف بيننا وبين الكيان الصهيوني هو الأساس، وهو الجوهر وهو سبب تمزق أمتنا وضعفها وجعلها مطمعا للجميع للسلب والنهب  للآخرين في بورما و غيرها ، وهي التي مزقت أمتنا وجعلت ردودها ضعيفة، ما هي إلا شجب وإدانة لذلك بفلسطين نبدأ وليس معنى ذلك أن نتجاهل قتل الأبرياء في بورما ولا اليمن ولا افريقيا، بل الدفاع عنهم ونصرة المستضعفين وفي بوصلتنا فلسطين القضية الجامعة و مصدر القوة و العزة و الوقاية من إعتداء أصحاب الضمائر الغائبة.

و علينا أن نرتب أولوياتنا وندير الصراع  وقد اتضحت معالم طريقنا، فقد تعرضنا للقتل في أفريقيا وبورما لضعفنا وتمزقنا ولتشتتنا و الذي بدأ باحتلال بلادنا ثم بنشأه كيان لا علاقة له بالأرض غير تمزيقها و تفكيكها ؛ فالذئاب لا تاكل إلا من صار وحيدا بعيدا عن القطيع.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.