علموا أولادكم
علموا أولادكم أن ثمة أطفالا فقراء، حفاة، عراة، جوعى، لا يجدون قوت يومهم، ولا يمتلكون ما يسد رمقهم، أو يقيم أودهم، قد شحبت وجوههم، ونحلت أجسادهم، وظهرت عظامهم، واهترأت أثوابهم، وتمزقت سرابيلهم.. مساكين، قد التحفوا السماء العارية، وافترشوا الأرض اليابسة، ليس لهم مكان يؤويهم، أو أسرة تحميهم، أو منظمة رسمية تساعدهم وترضيهم، أو جمعية خيرية تحنو عليهم وتأخذ بأيديهم، قد فقدوا عوائلهم، وتشرذم جمعهم، وتشتت شملهم، وتشظت معيتهم، فصاروا نهبا للكلاب الضارية، ولقمة سائغة للذئاب العاتية، والظروف القاسية.
رققوا قلوب أولادكم
رققوا قلوب أولادكم -وهم يسيرون معكم، ويتنزهون في كنفكم- بألا تخفوا دموعكم حينما ترون في الشارع منظرا مؤثرا لطفلة جائعة حافية شبه عارية، لا تتجاوز السنوات العشر، ودموعها محبوسة في عينيها، ونظرات المسكنة في أخاديد وجهها وبين جفنيها، وقد استندت على جدار يريد أن ينقض، وقد احتضنت أخاها الصغير، وطوقته بذراعيها النحيلتين، تقيه حر الصيف القائظ، أو برد الشتاء القارس،
وقد أمسكت كسرة خبز جافة، التقطتها من سلال المهملات وأماكن القمامة، وبقايا نفاياتكم، وهي تضعها في فيهه، وبحنو الأم، وعطف الأخت، تربت على كتفيه العاريتين، وتنظر بعينين موجوعتين -والأسى يقطع نياط قلبها- للرائحين والغادين من الأطفال، وقد أمسكوا بآبائهم، وتشبثوا بأمهاتهم، وقد ارتدوا أفخر الثياب، وتزينوا بأفضل الحلل، وانتعلوا ما غلا ثمنه، ولسان حالها يقول: “رباه لماذا كتب علي هذا الشقاء، وذاكم اللأواء، لماذا لم أكن مثل هؤلاء؟!”.
علموا أولادكم أن ترقرق الدموع ليس ضعفا، وأن تدفق العبرات ليس عجزا، وإنما تلكم الدموع تمتلك قوة سحرية، ولا سيما إذا نزلت من الخد إلى القلب، فغسلته من أدران القسوة، وأوضار الغلظة، وآفات الشدة، فيلين من بعد قسوة، ويسلس من بعد شدة.
علموا أولادكم الإنسانية
علموا أولادكم بأنه ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، وليس كل ما يريده يحصل عليه، وليس كل ما يشتهيه يشتريه، علموا أولادكم أن يدخروا لمقبل أيامهم، وآجل أعوامهم؛ إن الإنسان لا يدري ما يعرض له في مستقبله.
علموا أولادكم ألا يسرفوا في مأكل أو مشرب، علموهم أن من صفات عباد الرحمن أولئك الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا، ولم يقتروا وكانوا بين ذلك قواما.
علموا أولادكم الرأفة بالسائل الفقير، والعطف على الشيخ المحتاج الكبير، فلا يردوهم، علموهم كثرة الصدقات، والحرص على العطايا.
علموا أولادكم أن يخشوشنوا؛ النعمة لا تدوم، ودوام الحال من المحال، علموهم أن الترف الزائد لا يربي رجالا، وأن النعيم المقيم لا يربي أجيالا، وأن الرخاوة لا تصنع مستقبلا، ولا تبني حاضرا.
علموا أولادكم الصيام في رمضان، فربما يصيبهم بعض دروسه، ونتف من عبره، ولمسة من نفحاته، وعبق من رحماته.
علموا أولادكم رقة الشعور، ودقة الإحساس، وقوة العاطفة، ودمع العيون، ورهافة الحب، وفيض القلب، ورحابة الصدر، ولين الجانب، وخفض الجناح، وصدق اللهجة، وعفة النفس، وطهارة اليد، وبشاشة الوجه، وطمأنينة السريرة، وحسن السيرة.. علموهم الإنسانية، وكفى بها من صفة!
اقرأ أيضاً:
النمو ومهارات التفكير لدى الأطفال
الفطرة السليمة تحتاج طريقاً ممهداً ليرى جمالها العالم
التربية العربية والمنظومة القيمية الغائبة
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.