علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

الشخصية النرجسية وتحديات القيادة الفعالة

مقدمة:

في عصرنا الحالي، ازداد الاهتمام بالفردية والشكل والمنافسة وأنواع مختلفة من الإنجازات والمنافسة الداخلية، وانتشرت أنماط الشخصية النرجسية، وتركز الثقافة الشخصية على الذات وأهدافها، وتواجه القيادة الناجحة بدورها تحديات لها تأثير إيجابي أو سلبي على الفرد، لذلك تميل النرجسية إلى أن تصبح أكثر شيوعًا على مستوى المجتمع.

وهنا سوف نناقش الشخصية النرجسية وأبعادها، والقيادة وخصائص القيادة الناجحة وتحدياتها.

مفهوم الشخصية النرجسية

نشأت كلمة النرجسية (Narcissism) من اسم أحد الأشخاص نرجس (Narcissus)، وكما قالت الأسطورة اليونانية القديمة، اشتهر هذا الشخص بمظهره الجميل، وفي يوم من التجوال رأى صورته تنعكس –في أسطورة الريف– على بحيرة هادئة في الغابة، وقع في حب صورته الخاصة بجنون، وكان مليئًا باليأس لأنه لم يستطع الوصول إلى الحبيب فانتحر، وبعدها سفك الدماء في الأرض فنمت زهرة في الماء، وقد عرفت باسم النرجس البري من حينها إلى اليوم.

نادرًا ما يوجد هذا النوع من الحب الموجه ذاتيًا في التجربة الإنسانية. على أية حال، يتمتع البشر جميعهم بدرجة معينة من حب الذات (أو النرجسية)، التي لا تتعلق بالجسد فقط بل ترتبط أيضًا بشخص آخر، والنرجسية منتشرة في كل مكان لدى البشر جميعهم، وهي لا تتعلق بالجسد فقط، بل ترتبط أيضًا بصورة الشخص الجسدية في الآخرين وصورته عن الوجود الاجتماعي.

الأقنعة

الأقنعة النرجسية تسمح مبدئيًا بتحويل حالات الألم إلى حالات محتملة، بل هي تجارب مريحة للشخص، وفيما يلي أنواع الأقنعة التي يعرف بها النرجسي:

اضغط على الاعلان لو أعجبك
  1. الفتوة (The Bully).
  2. المنظرة (Showoff).
  3. مدمن تهدئة الذات (The addictive self –soother).
  4. صاحب الأولوية والحق في كل شيء (The entitled).

استراتيجية النرجسي في التعامل مع الحاجات غير الملباة

بسبب بيئة الطفولة النرجسية والذكريات العميقة والاحتياجات غير الملباة، يشعر تدريجيًا أنه لا يستطيع تلبية احتياجاته جميعها في حياته.

النرجسية المخفية (Covert Narcissism)

يتظاهر النرجسي بأنه متواضع، لكن الحقيقة أنه طفل حرم من الحب ويرغب في توسيع نفوذ نفسه وأنه شخص مهم ومميز عن الآخرين.

النرجسية الصحية للأطفال

النرجسية الصحية ضرورية للأطفال لمساعدتهم على التعبير عن انزعاجهم الجسدي والعاطفي، بخاصة في المرحلة التي تسبق الكلام، لذا يأمل معظم الآباء أن يكبر أطفالهم بعقلانية وحب، وأن يتمتعوا بالصحة النفسية السوية، وأن تكون لديهم القدرة على التفاعل والمشاركة في المجتمع بإيجابية. إن هذه النرجسية تجعل الطفل قادرًا على التعبير عن نواياه وحاجاته وهدفه في هذا العالم، بوضوح ومع مراعاة إحساس الآخرين.

النرجسية الصحية للبالغين

تشمل هذه المجموعة أشخاصًا مشهورين ومهمين في المجتمع، الذين وصلوا إلى مراكزهم عن طريق نرجسية صحية.

عندما نأخذ بعين الاعتبار المميزات النرجسية الصحية علينا أن ندرك أن هؤلاء الأشخاص يملكون بعض الصفات التالية:

  • الإحساس بالآخرين.
  • التعاون.
  • القيادية.
  • واثق بنفسه (غير أناني).
  • يطلب الاعتراف من الآخرين.
  • مصمم.
  • مواجه من غير إيذاء لمشاعر الآخرين.
  • يسير بحكمة.

يعرف اضطراب الشخصية النرجسية في الدليل التشخيصي الرابع (DSM-1V) كونه نوعًا من الخيال المستمر وقوة الإلقاء، والحاجة إلى التقدير والافتقار إلى الفهم العاطفي، يبدأ في مرحلة البلوغ المبكرة ويتجلى في عديد من المواقف.

مظاهر اضطراب الشخصية النرجسية:

  • يتمتع بدرجة عالية من الأهمية الذاتية، وهو مثال على المبالغة في الإنجازات والمواهب، ويتوقع أن يُعترف به أنه متفوق دون إنجازات متساوية.
  • مهووس بالنجاح اللا محدود أو القوة أو التألق أو الجمال أو الحب الكامل.
  • تعد شخصية فريدة من نوعها، ويمكن فهمها أو يجب أن تكون مصحوبة فقط بطبقة متميزة أو طبقة عليا أو مؤسسات خاصة.
  • يطلب كثيرًا من التقدير.
  • هناك شعور بالتفوق وشعور بالتمكين، ولديه توقعات غير معقولة بمعاملة تفضيلية خاصة، أو الامتثال التلقائي لتوقعاته.
  • يستغل العلاقات الشخصية، أي يستخدم الآخرين لتحقيق أهدافه.
  • قلة الفهم العاطفي وإضعاف فهم عواطف الآخرين واحتياجاتهم.
  • غالبًا ما يشعر بالغيرة من الآخرين.
  • إظهار سلوك أو موقف متعجرف.

النرجسية السوية مقابل النرجسية المرضية:

يوجد في مرحلة الرشد نوعان من النرجسية: سوية وغير سوية، وفي هذا الصدد أوضح بري ويبسر 2011م أن علماء النفس الشخصية ركزوا على الشكل السوي للنرجسية، إذ تحتوي شخصية الفرد العادي على مكونات نرجسية غير توافقية مثل الشعور بالصدارة، وهذا النوع من النرجسية يمكن قياسه بمقياس الشخصية النرجسية، وعلى النقيض من ذلك نظر علماء النفس الإكلينيكي إلى النرجسية على أنها اضطراب في الشخصية له علاقة بالمخرجات غير التوافقية، مثل: التعالي ونقص التعاطف والرغبة في استغلال الآخرين، بالإضافة إلى عدم الاتزان الانفعالي.

يرى البحيري أن كل فرد منا في الواقع لديه مكونات نرجسية في شخصيته، وهذا ما يسمى بالنرجسية الصحية التي تشير إلى احترام الذات، بعكس النرجسية المرضية التي تقوم على تضخيم الفرد لأناه.

هناك من الباحثين من يرى أن في مرحلة الرشد نوعان من النرجسية: نرجسية توافقية ونرجسية غير توافقية، وأن النرجسية التوافقية تتوافر بها صفات إيجابية مثل: الطموح، وترتبط بعلاقة سالبة ودالة مع القلق، وعلاقة موجبة ودالة مع ميكانيزم الإنكار، أما النرجسية غير التوافقية فإنها ترتبط بعلاقة موجبة ودالة بالعدوان والسلوك المنحرف.

النرجسية والأنانية:

حاول كل من بنسكي ويونج أن يميزوا بين مفهوم النرجسية والأنانية على النحو التالي:

الأنانية تعني انشغال الفرد بذاته بدرجة متطرفة، وعدم الشك في قدراته إلى درجة أنه ينكر الواقع، أما النرجسية فتنشأ من علاقة عكسية مع الذات، فهي ليست انشغال الفرد بذاته، بل تعني انفصاله عن ذاته، وهذا يفسر أسطورة الشاب نرجس فهو في الحقيقة لم يقع في حب ذاته، لكنه فشل في التعرف على نفسه بانعكاساتها على صفحة الماء، وعليه فإن النرجسي الحقيقي يكون غير واعٍ بذاته، منفصلًا عن ذاته الحقيقية، لديه إحساس مزمن بالوحدة والفراغ وكراهية الذات، ويحاول أن يعوض ذلك بإمدادات من الآخرين تشعره بالأهمية والجدارة، علاوة على ما سبق كله يتصف النرجسي بنقص شديد في التعاطف مع الآخرين، وعدم القدرة على فهم مشاعر الآخرين والتواصل معهم.

كيف تتشكل الشخصية النرجسية:

وفقًا لنظرية السلوك الحديثة التي ناقشها دولار وميلر في تكوين سلوك الأطفال، فقد ذكروا السنوات القليلة الأولى من حياة الأطفال، لأن هذا هو الأهم في تكوين الأفراد في المستقبل، وهم يتفقون مع نظرية التحليل النفسي، والاختلاف عن فرويد يتعلق بإمكانية تغيير السلوك في المستقبل أو بعد البلوغ أو المراهقة. إذا كان سلوك الطفل به أي عيوب بقدر ما يتعلق الأمر بفرويد، فهو يعتقد أن الطفل عندما يكون بالغًا، فسيكون سلوكه صعب التغيير.

تتشكل الشخصية النرجسية بأي جزء من سمات شخصية الراشد، وهذا يحدث نتيجة لتثبيت السلوك في سن مبكرة لا سيما في السنوات الأولى من عمر الطفل تقريبًا (3-6) سنوات، والتثبيت يأتي نتيجة تكرار التدريب على السلوك وممارسته على نحو مكثف من القائمين على التربية أو الأشخاص المحيطين به، من الأب والأم وغيرهما من القائمين على تربية الطفل، حتى يصبح السلوك جزءًا من سمات الشخصية الراشدة. (2)

تحديات القيادة الفعالة في علاج النرجسية:

ماهية القيادة وأهميتها

تعرف القيادة بأنها علم التأثير على الآخرين وفنه (فن بمعنى القائد هو الموهوب بالفطرة، علم بمعنى وجود أسس علمية) والقيادة لا بد أن تشمل الجزئين العلم والفن.

القيادة مجموعة من الصفات الحسية التي تجد صعوبة في تحديدها وتعميمها، والقائد الذي يدير العمل بنجاح هو الذي يكون قادرًا على جعل الأشخاص العاديين يؤدون العمل بمستويات أكثر كفاءة.

أهمية القيادة:

  1. كل فرد هو فريق يسعى لتحقيق هدف أو أكثر من الأهداف المشتركة.
  2. أن يكون الفريق قادرًا على فهم أهدافه ومدى توافقها مع الأهداف العامة للمنظمة.
  3. أعضاء الفريق يدعمون بعضهم.
  4. الفريق مؤهل لبذل جهد إضافي عند الضرورة.
  5. يهدف الفريق إلى تجاوز نفسه بدلًا من إكمال المهام.
  6. يعلم الجميع ما يجب على الفريق عمله ودوره فيما يجب عمله.
  7. تحفيز الفريق لإنجاز العمل بأكبر قدر ممكن من الكفاءة.

متطلبات القيادة وعناصرها:

متطلبات القيادة هي:

الرؤية:

القدرة على تكوين صورة مستقبلية يسعى الجميع للوصول إليها، وهي نوع من بعد النظر، فالقائد صاحب تصور كامل ورؤية شاملة تقوم على البحث، فالقائد يرى الصورة كاملة.

التأثير والنفوذ:

القدرة على إحداث أثر، وهو مرتبط بالقدرات الذاتية وليس بالمركز الوظيفي، فلا بد من توافر القدرات التي تأتي من عوامل الوراثة، وتصقل هذه القدرات في معترك الحياة حتى تكتسب خبرات بجوار القدرات، ويجب استخدام القدرات والخبرات في الوقت المناسب والمكان المناسب.

السلطة:

الحق المُعطَى للقائد في أن يتصرف ويطاع، ولا بد أن يتذكر دائمًا أنه إذا أراد أن يعد نفسه جيدًا لمواجهة التحديات المستقبلية فعليه ألا ينظر إلى العاملين معه على أنهم منتجات فعلية، بل أنهم بشر يسعى لكسب ودهم.

صفات القائد الجيد:

  • قيادة الذات قبل قيادة الآخرين.
  • محدد الأهداف.
  • ماهر في إدارة الوقت.
  • ماهر في تطوير شخصيته.
  • يتعلم من أخطائه وأخطاء الآخرين.
  • أن يجعل من حياته رسالة.
  • وأن يكون لديه دافع القوة.
  • وأن يكون لديه دافع الإنجاز.
  • القدرة على التحليل التفكيري.
  • الثقة بالنفس.
  • الشجاعة.
  • التوجيه الداخلي.
  • القدرة على العمل عن طريق أشخاص.
  • القدرة على الرؤية المؤسسية.

خاتمة:

مما سبق يتضح أن هناك علاقة متبادلة بين الشخصية النرجسية والقيادة الناجحة، ويتضح ذلك من صفات القائد الناجح، التي بدورها تكون فيها من النرجسية التوافقية الإيجابية التي يتميز بها القائد الناجح، تظهر في تعامله مع الآخرين ويكون لها عظيم الأثر في فاعلية القيادة الناجحة، فتكون فيها الشخصية النرجسية سوية وغير مرضية.

المراجع:

  • عبد الرقيب أحمد البحيري “الشخصية النرجسية في ضوء التحليل النفسي” (القاهرة، دار المعارف، 1987م) ص: 2.
  • disarming the narcissist surviving & thriving with the self-Ahsored By:WENDY T.BEHARY، LCSW” تلخيص كتاب “في كيفية التعامل السوي مع الشخصية النرجسية” وترجمته (الأردن، دائرة المكتبة الوطنية، 2020م) ص: 12: 14.
  • آمال عبد القادر، النرجسية وعلاقاتها بالعصابية لدى عينة من طلبة جامعة الأقصى (كلية التربية، جامعة الأقصى، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات التربوية والنفسية، المجلد العشرين، العدد الثاني، يونيو 2012م) ص: 555: 557.
  • حنان جميل هلسة “الشخصية النرجسية دراسة تحليلية في نظرية التعلم الاجتماعي المعرفي والمظهرية السلوكية”، (مؤتمر جمعية التحليل النفسي، 2013م) ص: 6:7.
  • حنان جميل هلسة “الشخصية النرجسية دراسة تحليلية في نظرية التعلم الاجتماعي المعرفي والمظهرية السلوكية”، (مؤتمر جمعية التحليل النفسي، 2013م) ص: 6:7.

مقالات ذات صلة:

علاج النرجسية

مهارات القيادة الناجحة والفعالة

الصورة الذهنية الإيجابية عن الذات لدى الأطفال

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

الغزالي رشاد محمد الغرباوي

باحث دكتوراة بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان