مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

علاج الألم النفسي .. من أين نبدأ؟ – العلاج النفسي المعرفي أم العلاج الدوائي

آراء مختلفة لعلاج الألم النفسي

الشخص الذي يعاني من الألم النفسي مثل القلق أوالاكتئاب، قد يتعرض لرأيين متطرفين يقدمان له العلاج،

الرأي الأول يقول له: اقترب من الله، صلِ، ادعُ ربك، اقرأ القرآن. ولكن هل هذا الرأي يكفي لعلاج الألم النفسي ؟ نرى ونسمع مهاجمة البعض له، يقولون: ليس كاف لتحقيق الشفاء، بل وفي بعض الأحيان يؤدي إلى تدهور الحالة تدهورا قد يصل إلى فقدان الثقة في الإله والدين.

فيتلقّف المتألم الرأي الآخر، الله لم يُنزل القرآن ليعالج الأمراض، لا تُحمّلوا الكتاب فوق طاقته، الكتب المقدسة ليست منوطة بعلاج الأمراض النفسية، فالمرض النفسي مثله مثل أي مرض جسدي، خاضع للعلوم التجريبية المادية، وبالتالي فهو يحتاج في علاجه إلى دواء، هل نعالج الرئة بالقرآن؟ فلماذا الاكتئاب؟ يعتنق الموجوع هذا الرأي ولكنه في الأغلب لن يُشفى بل سيعيش على مسكنات لا تلمس أصل المشكلة.

رؤية الأديان للإنسان

الفلسفات الإلهية (الإلهيات) والأديان تُبرهن على تركيب الإنسان من شقين: الشق المادي الجسدي الظاهري، والشق المعنوي الروحي الباطني، وتوازن الإنسان يتحقق عند إشباع احتياجات الشقين معا، والجسد احتياجاته من الطبيعة التي نعيش فيها، المأكل والمشرب والزواج وغيرهم، أما الروح فاحتياجها أسمى، إنها تتفاعل بالجسد مع الطبيعة في سبيل الوصول للمعاني، معاني الحب والعلم والسكينة والسعادة وغيرهم.

إن ألم الجسد معروف علاجه، يتولاه الطب، لكن ألم الروح علاجه يكون في المعاني، في فهم المعاني بشكل سليم وفي ممارسة السلوكيات التي تُحققها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تساؤلات للإنسان

هل السعادة في العمل 18 ساعة يوميا لجلب المال أم السعادة في طريق آخر؟ ما هو مفهوم السعادة في الأساس؟ هل الراحة تكون في عدم القيام لأحد في المواصلات العامة أم الراحة تكون في القيام له؟

وهل العشق في حب إنسان حتى الجنون؟ من المستحق لهذا العشق؟ من المعشوق الحقيقي؟

هل الإنسان مكتفي بنفسه أم في وجوده مفتقر لغيره؟ وإن كان الإنسان مفتقر لغيره فهل هذا الغير إنسان مثلي أم بالضرورة هذا الغير يجب أن يكون مكتفي بذاته؟ إذا أدرك الإنسان حقيقة أنه قائم بغيره، وأن هذا الغير ذات مقدسة ليس كمثله شيء، فكيف تكون العلاقة معه؟ كيف تكون العلاقة مع الإله؟ إن كنت باحثا عن الأمان والسكينة والحنان فأين منبعهما؟

أي الدواء يصلح؟

هل الحل يمكن اختزاله في دواء مادي يتعاطى مع هرمونات الجسد بشكل مؤقت، فيتطلب التكرار فيقل تأثيره على الجسد فنزيد من الجرعة إلى أن ينعدم التأثير؟ أم في فهم هذه المعاني الحياتية؟ وإذا كان الحل في فهم معاني الحياة فبأي طريقة سنفهمها؟ هل بالطريقة التي تضع الإنسان رغم فقره واحتياجه محور لهذه المعاني؟ أم بالبحث عن المنبع الحقيقي لها؟

 

ما الحل إذًا؟

إن الحالة النفسية السليمة تتشكل من الرؤية السليمة للواقع، فبناء على رؤيتنا السليمة نحدد الهدف السليم لحياتنا الذي من أجله نمارس السلوك العاقل المنضبط الجالب للسعادة والتكيف النفسي لنا، والدين دوره يتبلور في نقطتين مهمتين: الأولى مساعدتي على الأُنس بالرؤية السليمة، والثانية مساعدتي على ممارسة السلوك الذي تتطلبه هذه الرؤية.

فعلاج الألم النفسي بالدين هو بشكل ما علاج معرفي إذا بنينا معرفة سليمة وقارنّاها بالأديان لنصل للدين الصحيح المطابق لها، أما المشكلة فهي ليست في كتبنا المقدسة في ذاتها، وإنما في الطريقة التي نتناول بها الكتب المقدسة، إننا نقرأ دون أن نعي ونفهم، نُمارس السلوك الديني دون أن نبني رؤية سليمة تقودنا إلى فهم المغزى من هذا السلوك.

ماذا بعد تكوين الرؤية؟

يجب أن نبني رؤية للوجود، وهذه الرؤية نبنيها بالعقل، واستخدام قوانين المنطق، نبحث عن إجابات الأسئلة الوجودية، من نحن؟ ومن أين أتينا؟ وإلى أين ذاهبون؟ وماذا ينبغي علينا فعله على الأرض؟

ثم نبحث عن الدين المطابق لرؤيتنا العقلية لنتقرب إلى الإله من خلاله، نتواصل مع القدوس منبع الكمالات بهذه الوسيلة -الدين- التي أمرنا أن نعتنقها للوصول إليه، ومن خلالها ننفذ تعاليمه، ومن خلال هذه التعاليم نصل إلى السلامة النفسية، فهو المحيط الخبير بالنفس وخباياها ويعلم ما يسعدها، وبالتالي حينما يقول لنا: افعلوا “كذا” ولا تفعلوا “كذا” فهو بالضرورة يرى أشياء لمصلحتنا حتى وإن كنا لا نراها.

إجمالا علينا اعتبار العلاج النفسي المعرفي مُقدم على العلاج الدوائي، كثير من الحالات قد لا تحتاج للدواء من الأساس، والعطب لا يكون متعلق بالتركيبة الجسمانية فقط، فأنين الروح  له بلسما يناسب سماتها.