مقالاتأسرة وطفل - مقالات

عكس التيار

كل مجتمع وله ما يسمى بعاداته وتقاليده والذى يتمثل في أفكار واعتقادات تناقلتها الأجيال من الأجداد وصولاً للأبناء. وتُعد تلك العادات والتقاليد مكون ومشكل أساسي من عوامل تشكيل شخصية الفرد داخل المجتمع وكأن الإنسان يولد لا دراية له بالحياة فيمنحه أباؤه الخبرة اللازمة ليتمكن من السير في تلك الرحلة ومن معرفة ما هيتها وما يجب أن يفعل وكيف يحصل على سعادته كما فعل معهم من سبقوهم.

فيتم تناقل أساليب العيش من الأجداد والآباء والأحفاد إلى كل جيل يفتح عينيه على الحياة التي أشبه ما يكون ببحر؛ فلابد لمن يبحر أن يتعلم ويتتلمذ ويأخذ بنصيحة من هم أكثر خبرة منه في ذلك البحر الواسع المخيف والمجهول تمامًا بالنسبة لهم .

فيبدؤوا تعليمه كل شيء كما تعلموه.. كيف يأكل؟ كيف يستحم؟ كيف يعد طعامه؟ ما هو طعامه؟ وغيرها. وذلك لسد كافة حاجاته الجسدية ثم يمنحوه قيمًا وأخلاقًا كما توارثوها وكذلك يعلموه ما هي السعادة وكيف يحصل عليها.

ونجد هنا الكثير من المجتمعات تتمايز فيما بينها فيما ترسخه في أبنائها كلاً حسب ما ورث عن أبائه، وهنا يظل الدفع في الغالب لكل جيل جديد في نفس تيار أبائه وأجداده وعاداتهم وتقاليدهم، وهذا قد لا يكون خطأ كعامل مشكّل للشخصية وكاسب للخبرات الحياتية، ولكن الخطأ هو تجريد الإنسان عن حقيقته في كونه مدرك يميز بالمعرفة؛ فيتبنى بعضها ويرفض بعضها ، فكيف يسلم جيل كهذا من اختلال المفاهيم في عصرنا أو سيولة المعرفة ومغالطة الكثير من المعاني؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كيف يبقى ثائرًا باحثًا عن الحقيقة التي يمثلها وجوده وواجده وعالمه وما بعد حياته؟! كل تلك الآلية التي من طبيعته أن يشير إليها كالطفل الذى يريد أن يكشف الساتر على ما يحجب عنه. هل هنا قد سلبنا أباءنا جزء من طبيعتنا ؟ هل جعلونا نسخة منهم ومن أجدادهم ومعتقداتهم؟ حتمًا هم لم يكن لهم يد في ذلك فهم يقومون بأفضل ما يمكنهم.

كيف للبحار أن يبحر دون أن يتأكد من سلامة بوصتله؟!

إن دور الآباء في الإرشاد دور ضرورى؛ بل هو من أهم العوامل المشكلة لشخصية الفرد ولكم إن كانت النشأة نشأة جاهلية تضع الحدود دون أسبابها فتأمر وتنهى دون أن تعلم ما السبب ودون أن تعود بالممارسة فما هي سوى إعادة تنسيخ الأجيال كما فعل من سبقهم.

فقد لا يضر الإنسان تعوده من أبيه أن يأكل بوضع معين، ولكن قد يهلكه أن يعتقد معنى للسعادة في الحقيقة غير صحيح فيسلك مسلك والده ويجنى مصيره إما مصيب أو مخطئ، إما ينال السعادة فيسعد وإما لا يجدها فيتعس.

فماذا إذن عن نظرته للخالق؟! ماذا عن نظرته لما بعد الحياة ؟! فتلك أمور تشكل مصيره كالسعادة تمامًا التي من الواجب أن يتأكد من صواب مفهومه عنها وسبل الوصول إليها قبل أن يتحرك لها.

كيف للبحار الذى ورث عن من يسبقه بصلة طريق أن يسلك مسلكهم قبل أن يتأكد من سلامة بُصلتهم؟ فلعله يجد أنهم انحرفوا قليلاً عن الطريق السليم، وأن البُصلة التي استهدوا بها كانت بها خلل توارثوه عن أبائهم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ماذا يفعلوا إن جدت أمور حديثة لم يتعلموها من أبائهم؟! هل حينها يمكن أن يتحصنوا من العقل الجمعى الجارف والتبعية العمياء لأى أكثرية كانت؟!

مصطفى والتساؤلات

مصطفى شاب في مقتبل عمره نشأ كأى فرد من أبناء جيله، ولكنه مع مرور الوقت بدأ يرصد بعض التناقض الذى تحمله بعض العادات والتقاليد. فبداية الأمر ظهر ذلك في الأمثال الشعبية وبعد ذلك وجد التناقض تناقضًا سلوكيًا وفكريًا حيث يخل البعض ببعض الأمثال التي يؤمنون بها فبدأ بالتساؤل؛ كيف لا يوجد معيار قياسي كما تقاس الأطوال مثلاً بالمتر أو الأوزان بالكيلوجرام؟!

كيف لا يكون هناك ميزان يكشف سلامة الأفكار والأمثال والأفعال لنتمكن بعدها من إرجاع أي فكرة للميزان لنتبين حقيقتها.

متسائلا كل شيء في الكون تنظمه القوانين فأين تلك القوانين الخاصة بنظم الأفكار وقياسها ؟

فسمع ذات مرة عن علم ينظم التفكير وكأن ما سمعه تعريفاً لعلم المنطق ” قواعد تعصم بمراعاتها الذهن عن الوقوع في الخطأ ”
فبدأ يتعلم ذلك على يدى متخصصين في الحقيقة هو لم يتعمق فيه وهو يعلم أنه ما تعلم إلا قشور،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولكنها كانت الفارقة والصادمة في آن واحد فكيف لهذا العلم أن يخفى عن الأبصار بل كيف أن أي متعلم تجاوز تعليمه ولم يحصل على ذلك؟ كيف نثق في علمه إن لم يكن على دراية بكيفية الاستدلال وكيفية الاستبيان والتحقق!

بداية الصراع الداخلي وخوض تصويب الكثير من الأفكار المغلوطة

فبدأ صراعه الذاتي الذى رصده في أول كلمات ذلك العلم… لماذا الأهل يحكمون بمنطلق آراء بعض الناس عن تجاربهم؟ كيف يحكمون على شخص بمجرد عدم الارتياح له؟ أو كيف يحكمون على آخر لمجرد أنهم سمعوا أن بلدته يُشاع عنها أخبار سيئة؟!
أين صواب موازينهم؟! هل حين أخبرهم الناس كانت تلك موازينهم وحججهم ؟!

فخاض يصوب الكثير من أفكاره التي كانت صعبة عليه؛ لأنها كانت عادات أودعها المجتمع والأسرة فيه وهذا ما حدث معه كذلك يحلل حين كان يسمع مثلاً أخبارًا عن أحدث جارية أو مضت أو بعض أفكار مغلوطة بالنسبة لمفكرين مشهورين، ولكنه رغم وحدته التي يعانيها باختلافه مع الكثيرين ممن حوله إلا أنه سعيد بأنه قد صدف في طريقه بُصلة أحد الأحرار القدامى التي وإن كانت تهالكت ولم يبق له منها إلا بعض النور الكاشف له طريقه فهذا كان ما يصبره في طريقه.

إن الأبناء لا يحتاجون من أبائهم سوى معرفة كيف يتم سداد حاجاتهم المادية و كذلك المعنوية فيتمكنوا من العيش بخبراتهم وأخلاقهم النبيلة، ولكن بطريقتهم هم وبالطريقة التي تُناسب عصرهم ليس تنازلا عما هو صواب، والذى تتمكن عقولهم من إدراكه والتمييز بينه وبين الخطأ ولكن بتطويع الوسائل لخدمة حاجاتهم تحت حاكمية أخلاق إنسانية.

إن الشخصية كالسفينة التي إن لم تكن لها دفة تُوجهها؛ سار بها الموج كيفما يسير ، فملِّكوا أبناءكم بُصلة الطريق.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضا:

ربتوني كويس ليه؟

الأسس السليمة لتربية صحيحة ومتزنة للأبناء؟

التربية العربية والمنظومة القيمية الغائبة

محمد سيد

عضو بفريق بالعقل نبدأ أسيوط

مقالات ذات صلة