قضايا شبابية - مقالاتمقالات

لماذا اشتريتِ هذا البنطلون؟

الإنسان كائن اجتماعي يؤثر ويتأثر بالناس من حوله، وينظر إليهم ويراهم من خلال وجهة نظره الشخصية.

لتقييم تأثر الناس بمن حولهم وتقليد الآخرين، قام علماء الاجتماع بعمل تجارب كثيرة منها تجربة طريفة.

ما حقيقة موضة البنطلون المقطع؟

في إحدى الجامعات سنة 2016 حين انتشرت موضة البنطلون المقطوع بين الفتيات، تم سؤال الفتيات اللواتي يلبسن هذا النوع من الملابس: “لماذا اشتريتِ هذا البنطلون؟”، وعلى الفتاة أن تختار من الإجابات التالية:

  1. اشتريت البنطلون المقطوع لأنه مريح.
  2. اشتريت البنطلون المقطوع لأن سعره أفضل.
  3. اشتريت البنطلون المقطوع لأنه أكثر أناقة.
  4. اشتريت البنطلون المقطوع كي أقلد الآخرين.

طبعًا كما هو متوقع، أغلب الإجابات كانت تتحدث عن أنه مريح أو سعر جيد، أو أنيق!

لكن لم تقل أية فتاة أنها اشترت أو تلبس هذا النوع من الملابس لمجرد تقليد الآخرين، وبسبب انتشار الموضة! كي لا تكون مختلفة أو متأخرة عنهم في التقليد!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تقليد الآخرين دون وعي

ثم نفّذوا الجزء الثاني من التجربة.

سؤال كل فتاة عن رأيها في زميلاتها في الفصل، ولماذا يا ترى تعتقد السبب وراء شراء زميلاتها للبنطلون المقطوع!

فكانت أغلب الإجابات أن زميلاتها اشترين البنطلون المقطوع نوعًا من تقليد الآخرين والموضة! وليس بسبب أنه مريح أو رخيص أو أنيق!

إسقاط يعني!

يعني كل هؤلاء البنات يقلدون الموضة، لكن كل واحدة تدعي أنها تختار ليس تقليدًا ومشيًا وراء القطيع، وإنما لأسباب منطقية!

الدرس والخلاصة، أن أغلب الناس يميل إلى تقليد من حوله والمشي في القطيع، لكن لا يعترف لنفسه بذلك ويغطي قراره بالتقليد بغطاء من المبررات المنطقية والعقلانية!

هذه التجربة ومثيلاتها الكثير تفسر لنا كثيرًا من سلوك البشر.

كراهية الناس والشعور بالاضطهاد

عقلية القطيع

مثلًا لو شخص يكسب 10 جنيهات ويعيش في بيت صغير في قرية فقيرة، سوف يعتبر أن مستوى دخله وحياته هو المقياس!

يعني لو هذا الشخص رأى شخصًا آخر يكسب أكثر منه، أكثر من 10 جنيهات، سيعتبر أن هذا الشخص الآخر حرامي أو يكسب مالًا لا يستحقه أو يحقد عليه.

أو يعتبر أن أكثر من 10 جنيهات أو الحياة في شقة أو بيت كبير هو إسراف وتبذير، لأنه يعتبر نفسه وحياته مقياسًا، ويفترض أن الآخرين عليهم قبول ما يقبله والحياة بالطريقة التي يرى أنها صحيحة أو ممكنة! وما هو أكثر من ذلك مرفوض.

بينما لو رأى شخصًا يعيش أقل منه في الدخل، أقل من 10 جنيهات، سيتعاطف معه، ويشعر بالشفقة نحوه!

لذلك ترى من السهل تحريك مشاعر الغضب والكراهية نحو أي شخص يكسب أكثر أو يعيش بصورة أفضل من شخص آخر، حتى لو كان هذا الشخص الغني تقيًا وورعًا وطيبًا وأمينًا ومجتهدًا يستحق ما يكسبه من مال ونجاح.

حكومة الصين تغرق وسائل التواصل الاجتماعي بمنشورات زائفة

فهمت حكومة الصين جيدًا هذه الدراسات النفسية، بالتالي قامت الحكومة الصينية بعمل جيش من الكتائب الإلكترونية، تكتب على صفحات التواصل الاجتماعي في الصين، تكتب نحو 440 مليون تعليق وصورة سنويًا!

هذه الكتيبة الضخمة مشهورة باسم “50 cents party”.

أي فرقة الخمسين قرشًا! لأن كل فرد يتقاضي 50 قرشًا من الحكومة الصينية، مقابل كل مقال أو صورة أو تعليق يضعه على مواقع التواصل الاجتماعي.

هذا الجيش من الكتائب الإلكترونية يخترع مواضيع يتكلم عنها، ويغرق الرأي العام الصيني في نقاشات وقضايا حسب توجيهات الأمن الصيني.

هل نتبع سلوك القطيع لا إراديا؟

اليوم تستعمل كل الحكومات الأساليب الصينية في تحريك الرأي العام، لأنهم يعرفون أن أغلب الناس تحب أن تسير في قطيع! تقلد ما حولها، ولا تتبع عقولها.

إن من السهل إلهاء الناس، وتوجيه غضبها وحقدها في الاتجاه المعاكس، حتى لو كان ضد مصلحتها أو ضد المنطق والعقل والحق!

إنهم يتخذون مواقف غير منطقية وربما حمقاء، وبأسباب التقليد ومحاكاة القطيع.

ثم يغلفونها بحجج من المنطق والعقل، ويصطنعون أنهم فاهمين ويأخذون قرارات مبنية على العقل والمنطق!

اقرأ أيضاً:

أثر العقل الجمعي على السلوك الفردي

معضلة القطيع

الموضة والثوابت وخطورة الموقف

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*********

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. خالد عماره

الاستاذ الدكتور خالد عماره طبيب جراحة العظام واستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس