مقالات

عدالة الفكر المادي الخادعة

كلما ذكرنا كلمة عدل أو عدالة يأتي في تصورنا مباشرة الظلم والمظلومين ومدي افتقار هؤلاء إلى حقوقهم المنهوبة وكأن الصورة مقتصرة فقط على الحقوق المادية التي تظهر جليًا في عدم التوزيع العادل لثروات العالم واحتكارها لقلة على حساب أغلبية تعاني الفقر والمرض ونقص الحاجات الأساسية التي تعد حقوقهم المشروعة، وهذا صحيح فذلك أحد أوجه تحقيق العدالة

ولكن لما لا تخلو نظرتنا هنا من النظرة المادية التي رسخها الفكر المادي في أغلبنا والتي تشكل لهم رؤية مادية لكل شيء حتى للقيم المعنوية ذاتها؟! فمنذ متي تقتصر حقوق الإنسان علي حق العيش ومتطلباته المادية من مأوي ومأكل ومشرب هل هذا كل ما يحتاجه الإنسان؟!
هل تلك هي الاحتياجات التي في قضائها يحصل على سعادته؟!

اختزال العدالة الإنسانية على الحقوق المادية

لنتصور أننا قد تمكنا أن نسد للإنسان تلك الحاجات؛ فما قيمة الحياة لديه هنا؟! أين المعني من حياته وأين القيمة التي يفرضها وجوده نفسه أنه بذلك يحيي حياة عبثية لا يمكن له أن يجد فيها سعادته؟!

ففي حقيقة الأمر أن جزئه الروحي لم يحصل على تغذيته فهو ليس فقط حيوانًا بل هو كذلك ناطق، فإن اللذة التي يشعر بها في استهلاكه المادي لا معني لها ولا قيمه فبمجرد انتهاء الاستهلاك تنقضي معه لذته التي توهمه بالسعادة فيعاود الانغماس في تلك الدائرة المفرغة التي تجعله عبد لحاجته للاستهلاك. مفروغ القيمة والمعني

فلأي معني تسير حياته وبأي قيمه تحدد منزلته؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هل بالاستهلاك الذي حقيقته الزوال؟! فبمجرد قضاء حاجة الجوع مثلاً أصبح الأكل وإن تعددت أصنافها أمام أعين المستهلك فلا قيمة لذلك الأكل. فقد حصل على سد حاجة الجوع لديه وهنا يصبح الأمر بلا قيمة إطلاقا، وكأنك تقوم بملء خزان الوقود للسيارة حتى تستطيع السير ولكن لأي شيء تتجه سيارتك؟!

ضرورة المعرفة الصحيحة

إن كان الأمر فقط للملء والتفريغ فإنها ضائعة بلا واجهة ولا قيمة لكل مساعيها فوجود واجهة لها هي ما يترتب عليها قيمة مسعاها وهنا يظهر ضرورية اكتساب حياة الإنسان لمعني وقيمة تحددها غاية سعيه وقيمه المستخدمة في ذلك السعي ولذلك واجب أن يحصل ذلك الجانب المعنوي من الإنسان على حقه من قضاء واجب تغذيته كما يتم في الجانب المادي له.

ولذلك تتم مغالطة شديدة الخطورة على عقول الشعوب ألا وهي اختزال العدالة الإنسانية على الحقوق المادية فقط للإنسان بدلا من جعلها عدالة شاملة لكل كيانه المتمثل في جانبه الروحي والجسدي معًا.

فله حق المعرفة الصحيحة التي تمكنه من معرفة وجوده وحقوقه والقيم السامية التي يجب أن يسعي إليها فبذلك الحق يتحرر من عبوديته ويعلم حقيقة وحدود حريته ويعي ضرورة مسؤوليته سواء اتجاه نفسه وأهله أو تجاه مجتمعه وعالمه.

فإن لم يحصل على حق المعرفة فبأي شيء إذن يعرف حقوقه المادية التي ظلم فيها وبأي شكل سيعرف الطريقة العادلة في توزيع ثروات العالم ، فقد يصاغ له معني ظالم للعدالة فيأخذ أقل من حقه وهو غير مدرك لذلك ، فيستمر تحت وطأة الخداع والعبودية الفكرية.

دور أدوات المعرفة

وهنا يأتي دور توصيف الشكل الحقيقي والطبيعي للعدالة والذي تقره أكثر من أدوات معرفية أولها العقل بالاستناد علي قواعد التفكير المنطقي و الذي سيتمكن من رصد طبيعة الحاجة المعنوية وما يعد حسنًا لها أو قبيح لها كمثال تحديد حسن الصدق وقبح الكذب حسن العدل وقبح الظلم وهكذا لسائر القيم والمبادئ الإنسانية بالاستناد إلي أداة أخرى وهي النص الديني،

وكذلك طبيعة حاجة الجسد والتي يقر فيها ما ينفعه وما يضره، وما الشكل السليم الذي يتم فيه الاستهلاك دون أن يؤثر سلبًا على الجانب الروحي المرتبط به ارتباط ملتصق مع الاعتماد على أدوات معرفية أخري كالعلوم التجريبية من طب وتغذية وكيمياء وأحياء وغيرهم ومن تشريعات نصية سليمة.

العدل أصل كل قيمة إنسانية وأول خطوة استقامة الفرد والمجتمعات فهو الأساس الذي إن خلي منه أي بناء لن يصمد كثيرًا حتى يسقط.

اقرأ أيضا:

أزمة العدالة والخير والشر

ظلم وفقدان للعدالة.. لماذا ينتشر الظلم؟

لماذا يستمرئ الناس الظلم؟

محمد سيد

عضو بفريق بالعقل نبدأ أسيوط