عدالة اقتصادية
حين تشكلت الجماعة سعى الإنسان بكل جهد وطاقة وبما يملك من قدرات عقلية وجسدية لإقامة النظام الاجتماعى والإنسانى الأمثل والذى يصل بواسطته الإنسان إلى الطمأنينة والسعادة، ولم تكن المشكلة الاقتصادية فى أى وقت مشكلة قائمة بذاتها ومنفصلة عن المشكلة الإنسانية العامة، بل هى تمثل جزءً من المشكلة الإنسانية العامة.
وبالتالى لا يمكن أن تجتمع الرغبة فى تنمية الإنسان ودفعه نحو حياة أفضل مع تجاهل المشاكل الاقتصادية التى تقف فى طريق هذا الأفضل؛ فإن انعدام متطلّبات الحياة، وتدنّي مستوى العيش، وتفشّي الفقر والمرض بين غالبية البشر بلا شك سيؤدى إلى حرمان غالبية أبناء المجتمع من حق التعليم والمعرفة وحق السكينة والأمان، سيؤدى إلى حرمان أبنائها من حق التفكير.
كما أنه لا يمكن بأى حال اعتبار الاقتصاد بأنّه أساس لكلّ شيء وأنه وحده سبيل سعادة الإنسان وإلا يعد هذا تعاملًا مع الإنسان باعتباره حيواناً، إذ أنّ الحيوان هو من يجعل كلّ شيء عنده فداءً لاقتصاده.
إن الهدف هو اقتصاد يوازن بين الروح والمادة، اقتصاد يتم فيه انسجام المصلحة الفردية مع الجماعية، اقتصاد لا يعتبر الفرد هو كل شئ وفى سبيله يسحق المجموع، أو يعتبر المجموع هو كل شئ وفى سبيله يسحق الفرد، ولا يتم هذا إلا من خلال اقتصاد يعكس فى منهجه قيم أخلاقيه، يهتم بالروح بقدر اهتمامه بالواقع الخارجى للمجتمع، إذ أن الاقتصاد هو جزء من منظومة تسعى كلها لهدف واحد وهو سعادة الإنسان والارتقاء بجانبيه الروحى والمادى.
وقبل أن نحكم ونقرر أن المشكلة الاقتصادية تكمن في قلة الموارد الطبيعية حتى لا تكون قادرة على الوفاء بالحاجات الإنسانية المتزايدة، أو فى التناقض المستمر بين الشكل والنظام الذي يتم به الإنتاج في المجتمع وبين نظام التوزيع، علينا أن ننظر إلى الإنسان نفسه وكيفية تعامله مع هذا التسخير الشامل للكون بين يديه، هل أعطى الحق أم منعه؟
إن من أهم المشكلات التي تعترض المناهج الاقتصادية أياً كانت تكون في كيفية التوفيق بين المصلحة الاجتماعية الناشئة من علاقة الإنسان بالآخرين، وبين دوافعه الذاتية لتحقيقها.
في الكثير من الأحيان تتعارض هذه المصالح الاجتماعية مع مصالحه الخاصة الفردية، فينطلق الإنسان بقوة هذه الدوافع الذاتية ليعارض كل مصلحة اجتماعية إذا كانت تنتقص من مصلحته الشخصية.
ولكن عند وجود اقتصاد هو في حقيقته يمثل جزءًا من رؤية إلهية متكاملة عن حقيقة الإنسان والوجود والطبيعة، رؤية عن علاقة الإنسان بالطبيعة وعلاقته بأخيه الإنسان، رؤية توفر لهذا الاقتصاد مجالًا اجتماعيًا حيًا ومتفاعلًا مع القيم التى ينشدها والأهداف التى يسعى إليها، فيحدث التوافق بين المصالح الاجتماعية والدوافع الذاتية للإنسان الساعى نحو الربح الحقيقي وهو تحقيق القيمة.
إذًا هل طبيعة الحياة والمجتمع البشريّ تحكم بأنْ تحترق وتموت الأغلبيّة الساحقة من الجياع في حسرة رغيف خبز، في حين ضاقت الدنيا بقلّة معدودة بسبب التُخمة والإسراف!!
هذه ليست الطبيعة ولا الفطرة بل هذه مأساة فرضها الطغاة على البشرية من الذين منعوا الحق عن البشر ولم يعطوه، متجهين بالمجتمع ككل نحو الهلاك، إذ أن غياب العدالة عن المجتمع ينجم عنه حرمان قسم كبير من المجتمع من بعض حقوقه أو كلّها، ومن بعض كفاءاته أو كلّها، ويعمُّ الحرمان عند ذلك أبناء المجتمع كافّة.
إن المال لا قيمة له فى ذاته والمتعة ليست فى اكتنازه، بل فى تدويره والاستفاده منه فى تحسين حياة الفرد والمجتمع بالشكل الذى لا يضر بفئة لصالح فئة أخرى، المتعة هى فى استثماره فى مشاريع مختلفة ترتفع بمستوى الفرد والمجتمع قد تحمل نسبة خطر ولكن فى مجموعها تحمل ربحًا للجميع، المال ليس للإيجار ساعين بذلك نحو تحقيق ثروتنا نحن ضاربين بمصلحة من سوانا عرض الحائط.
إن المال مال الله والإنسان مستخلف عليه والفرد أمينٌ على ما يملك، مسؤولٌ عنه أمام المجتمع، بل أمام الماضي والمستقبل. إن من يسعى لتوفير فرص الحياة للآخرين فرداً كان أو جماعة، وكان من يسعى لأجلهم فرداً أو جماعة هو في الحقيقة يساهم لعودة الخير إلى نفسه، ويبعد عن نفسه أيضاً خطر الظلم والهلاك.