3 مواقف نراها في حياتنا اليومية، لما لا نحاول إصلاحها؟
ما علاقة الجوع والخوف بالعبودية؟
المشهد الأول
صليت الجمعة ونفضت سجادتي جيدًا ووضعتها على كتفي متجها إلى البيت، وأنا أعبر الشارع رأيت سيدة أظنها في منتصف الأربعينات تبحث في أكياس القمامة وهذا مشهد اعتدناه في بلادنا كثيرا ولكن لأول مرة أرى من يضع فمه داخل أكياس القمامة التي يحفها طنين الذباب وسِرتُ بجانبها واضعًا كمي على أنفى من نتانة الرائحة التي قد تجعلني أتقيأ.
المرأة لم تكن تأكل فقط القمامة بل كانت ملامح السعادة أو لنقل الانتشاء تملأ وجهها وكأنها قد ظفرت بكنز ثمين!
المشهد الثاني
كنت داخل مؤسسة ما وبها معرض كتب ذهبت إليه أنظر إلى عدة كتب وأسأل عن الأسعار سمعت ضجيجًا وصراخًا؛ فالتفت إلى ذلك الصراخ فوجدته رجلًا يتشاجر مع حوالي أربعة أفراد من مسئولي الأمن بهذه المؤسسة.. حدقت في المشهد جيدا لأفهم ماذا يحدث. بعد عدة ثوان رأيت الرجل في يده علبة مياه غازية صفيح فارغة ومعه ثلاثة أشولة ممتلئة..
كان الشجار بين أفراد الأمن وبينه غالبًا بسبب أنه ليس مصرح له بالدخول وأنه دخل بطريقة غير شرعية ليتكسب من جمع العلب الصفائح الفارغة التي يتركها الناس.
وما لبثوا أن قاموا بضربه وركله وأبعدوا عنه (كنزه الثمين من مئات العلب الصفيح )في ذلك اليوم!
المشهد الثالث
رجل مريض قعيد مُشرد محاط بأسراب من الذباب وله أكثر من طرف به عيوب خلقية ممددًا يزحف على أحد الأرصفة ويده مربوطة بشاش ويبدو أنه يعانى من التقرحات الجلدية بسبب السكر.. كان الرجل ينام في منطقة جانب خزان مياه مليئة بالطين والمياه ويبدو أن أحد أطرافه دخل في مرحلة ال(غرغرينا).
رائحة الرجل نتنة ولا يستطيع الحراك إلا بالزحف وحينما اقتربنا منه وجدناه يكلم زوجته المتخيلة ويشكوها ولماذا تركته وأنه سوف ينتقم منها انتقامًا شديدًا.
وعندما طلبنا له الإسعاف كانت الإجابة بأن هذا الرجل ليست حالته طارئة
وإنما هو مريض وكشفه في العيادات الخارجية وإذا ذهبوا به للمشفى سيتم وضعه على الرصيف كما هو الآن والرجل كان يفيق وينظر إلى عالمنا ونحن نشاهده ونحاول نفض الذباب عنه وكان يكرهنا ويمقتنا كل المقت لا يريدنا أن نراه
وقال لرجال الإسعاف “مش رايح فى حتة إلا لو هتودونى القبر”
أظن أنه مات بعدها بأيام قليلة -لا أدرى- بسب الغرغرينا.
(2)
ما الحل البديهي بالنسبة لهم؟
كل مشهد من المشاهد السابقة يتكرر والحديث عنه وحده يطول إلا أن طبيعة الإنسان البشرية جُبِلَت على غريزة الجوع والخوف وهذا مفهوم. فالجوع ليس له حل إلا بوجود الأكل دائمًا وأبدًا والخوف لا حل له إلا بزوال الخطر ليحل السكون بالأمان.
هذا يدفعنا للتساؤل عن أنواع الجوع والخوف أو الشعور بالنقص والحاجة.
كان الجوع والخوف في المشاهد من النوع الغريزي حيث نجد الجوع بسبب الاحتياج إلى الطعام وإلا سيموت الجسد والخوف بسبب وجود خطر يهدد الحياة.
هذا النوع الغريزي يكون عند من هم أشد فقرًا، أما إذا انتقلنا إلى من هم في الطبقات المتوسطة فستجد أنهم خلال حيواتهم يحيون أيضًا طوال فترة تواجدهم بهذه الرحلة القصيرة ليلبوا مطالب الجوع والخوف الأساسية وكذلك “المصنوعة في أذهانهم” .
حيث العبودية في أُطُر الأعمال التقليدية ليس لحاجة الأكل الغريزية وإنما لمختلف الأنواع من الأطعمة والأشربة كذلك الخوف ليس لوجود خطر داهم حقيقي ولكنه الخوف المطلق من نقصان أو فقدان السعادة المنتظرة في سبل الرفاهية حيث قد يصنع الشخص لنفسه سجونًا بيده فبعد أن كان يعمل من أجل سد الجوع والاحتياجات الأساسية؛ يصبح عمله من أجل الاستزادة التي قد تصبح غاية في ذاتها وليست وسيلة من أجل إنتاج حقيقي ذاتي أو جمعي أفضل. الاستزادة التي لا تنتهي وبـ “لا نهائيتها” يصبح كل فرد “ثور في ساقية” كما يقولون يستيقظ، يأكل، يعمل ثم ينام ليؤتي بأموال ينفقها على أكل أفضل، ثياب أفضل، سيارة أفضل منزل أفضل هذه المتتالية لن تنتهي.
(3)
“الجائع لن يفكر والخائف لن يرتقى”
الجائع لن يفكر إلا قبل أن يسد جوعه وإذا ارتبطت سعادته بسد جوعه فسيصير عبدًا لجوعه إلى الأبد.
والخائف لن يرتقى إلا إذا أمن واستقر ليفكر وإذا شعر بالخوف طوال الوقت فسيصبح عبدًا لخوفه ولمحاولته للتخلص من خوفه أيضا طوال الوقت.
كل فرد مسئول عن ذاته ولكن بالتبعية للوجود في إطار أوسع وأشمل كمختلف المجتمعات والأمم لن تكون النظرة الذاتية نظرة موضوعية فجميعنا في نفس المركب وإن لم نلتفت جميعنا لل”مستقبل الجماعي” فحتمًا سنغرق.
لذلك فبالنظر إلى أي مجتمع تقبع شريحة كبيرة غارزة سكانه تحت خط الفقر أو منهكة من البطالة والجهل والفقر والمرض فسنجد أن أي تغيير فكري أو حضاري يدفع بالبلاد إلى ساحة التنافس العلمي والعملي بين الأمم المتقدمة سيصعب أن يقوم على سواعد وأذهان من هم مشغولون بسد حاجة الفم وبالبحث عن السكن والأمن.
ففي هذه المجتمعات يكون العبء والواجب على الحكومات ومن هم بالطبقة المتوسطة مُضاعَف وأكبر من غيرهم فهم يحتاجون لسد احتياجاتهم أولًا ومحاولة مساعدة غيرهم المحبوسين في مشاهد كالمشاهد السابقة كذلك هناك مجهود لا يمكن أن يغفل إطلاقًا مازال هذا المجتمع في حاجة لبذله من أجل ذاك التغيير المنشود تتضافر فيه قوى الحكومات مع المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والحركات الاجتماعية.
فإذا ما استطعنا تقسيم البشر في المجتمعات إلى صنفين رئيسين:
صنف فاقد القدرة على التحرك للعمل من أجل المجتمع مشغول بحاجاته التي لا يقوى على كفايتها.
صنف حاجاته الأساسية يقوي على كفايتها وقادر نسبيًا للتحرك في إطار آخر غير الإطار الذاتي.
فإذا ما كان الصنف الثاني هو الآخر لسبب أو لآخر مُعطلة قواه خائرة، مشغولًا بمطاردة الاستزادة التي لا تنتهي فكيف لهذه المجتمعات أن تسلك طريقًا نحو النور
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط
ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب
.