عاودوا الاتصال من جديد
تتنوع صور العلاقات الاجتماعية التي تربط بين الأفراد؛ ما بين علاقات أسرية وعلاقات مع زملاء العمل والأصدقاء وجملة من العلاقات العابرة أو المؤقتة التي تقتضيها عليهم ظروف الحياة المختلفة. وأبداً لا تستوي حياة الإنسان بدون تلك العلاقات فهي ما تعينه على تحقيق أهدافه وغاياته وإتمام احتياجاته المادية من مأكل ومشرب و زواج وغيرها واحتياجاته المعنوية من طلب للعلم والمعرفة وتحصيل الأخلاق الحسنة ورعاية وحب واهتمام وما على شاكِلتها.
ولِما للعلاقات الأسرية الناجحة من دور بارز في الرقي والنهوض بالمجتمعات؛ فسأخصص عنها الحديث في هذا الموضِع لنرى ما قد حل بها من مشكلات وأزمات والبحث في طرق تصحيحها حتى تعود نواة صلبة ومتماسكة في بناء المجتمع ولأنه متى صحت تلك الروابط والأواصرالأسرية أثَّرت بالإيجاب على مختلف العلاقات المجتمعية الأخرى.
فللأسف نجد أن غياب صور التواصل الهادف عن ساحة العلاقات الأسرية قد أضحى سمة تغزو عدداً من بيوت اليوم لأسباب عديدة. ربما كان إحداها ظروف العمل التي تتطلب غياب الأبوين أو أحدهُما لساعات طويلة أوحاجته للسفرالمتكرربغرض تحقيق الذات أو تلبيةً لأعباء مادية شاقة. أو ربما كان لتلك الصورالسابقة من مشادات أو مشاجرات عائلية قديمة افتقرت الأدب والخلق الحواري تأثيراً سلبياً على أفراد الأسرة فيؤثرون الصمت عن معاودة مثل تلك التجارب السيئة من جديد، فحواراتهم الأسرية ليست سوى مضيعة للوقت بلا أي جدوى تُذكر. أوربما ظن أرباب الأسرة أن فتح باب المناقشة والحوار مع أولادهم سيفقدهم جانباً من سيطرتهم على أبنائهم وبالتأكيد كان لوسائل التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي الدورالأبرز بهذا الصدد من الغزلة أوالصمت الأسري.
لذا حتى لا ينفذ رصيد الود والألفة بين أفراد الأسرة ويظل هذا الكيان ينبوعاً يستمد منه أفراده الدعم النفسي والأخلاقي والمعرفي؛ لا بد أن ترتكز حواراتهم الأسرية على مجموعة من الأسس والمبادئ التي يجب على الأبوين أن يُطبقاها و يتكفّلا بتوضيحِها لأبنائهم.
فعلى الأبوين أن يلزما التخطيط بشأن موضوع الحوار ووقته والهدف أو الغاية المنشودة منه كما لابد أن يُحددا ما إن كان الحوار فردياً أم جماعياً يشارك فيه كل أفراد العائلة. ويضرب الأبوان لأبنائهم أمثلة يقتادون بها في انتقاء الكلمات والعبارات الملائمة لمختلف المراحل العمرية والمستويات الفكرية وتجنب الجارح أوالمُهين منها و أن يسودَ الحوارَأجواءُ الاحترام والانصات وينصرف عنه كل صور التسفيه من رأي الآخر. كما ينبغي أن يرعى الآباء الأفكار السليمة التي يطرحها الأطفال بالمدح والثناء والتشجيع واستعاب الخاطئ منها وتقويمه بهدوء ولين.
أخيراً ينبغي على الأباء أن يتحملوا مسؤولية إعادة خطوط التواصل المقطوعة بين أفراد أسرهم من جديد؛ الأمر الذي بالتأكيد لن يخلو من مصاعب تتطلب منهم التحلي بالصبر والتؤدة إلى أن جدوى مثل تلك الحوارات في إثراء معارف أولادهم وتعليمهم طرق تكوين الأراء والإفصاح عنها أثربالغ في دعم التنشئة الفكرية والنفسية والسلوكية لأولادهم بصورة سليمة. فكما أن للرعاية المادية نصبياً في تربية الأبناء فإن للرعاية العقلية التي يُجنيها الأبناء من خلال التواصل الأسري الفعّال جانباً لا يقل أهمية في مضمار التربية الرشيدة تجني ثمارها المجتمعات تقدماً ورُقيّا.
اقرأ أيضاً: