مقالاتفن وأدب - مقالات

عالم من الزومبي .. فردية محمود وتأخر المجتمع!

يستيقظ محمود من نومه في الساعة الخامسة مساًء لأنه لا يُحب أن ينام في الليل، وأول ما يقوم به كعادته هو الإمساك بمحموله المنقول لكي يُشاهد الإشعارات التي جاءته من (الفيس بوك) أو (التويتر) أو (الإنستجرام)، إلى آخره من تلك التطبيقات التي أصبحت في عالمنا هذا تأخذ عددا شبه ثابت من الساعات يوميًا وكأنها إدمان، بل هي إدمان بالفعل. حتى في الدقائق التي لا يمسك فيها محمود محموله عقله لا ينشغل بشيء إلا بتلك التطبيقات، فكم عدد الإعجابات أو التعليقات أو المشاركات التي حصلت عليها؟ ويدور في عقل محمود كثير من التساؤلات حول هذا الأمر، فمثلًا هل أنشر صورة لي كل ساعة أم يكفي كل ساعتين؟ هل يكفي نشر الصورة على (الإنستجرام) أم ربطها بالفيس بوك أيضًا؟ ولماذا تلك الصورة حصلت على عدد كبير من التفاعل والصورة الأُخرى أقل؟ وما أكثر شيء يُعجب به الناس لكي أتحدث عنه؟ هي بالتأكيد أسئلة أهم بكثير لدى محمود من التساؤل مثلًا عن غاية وجوده أو على الأقل في أهمية ما يفعل.

وبالصدفة يُلاحظ محمود أن الساعة اقتربت من السابعة مساًء وهو لا يزال جالسا على سريره، وبعد أن يتناول طعامه يُقرر أن ينزل من البيت لأنه قد سبق واتفق مع أصدقائه على أن يتقابلوا ويمرحوا قليلًا، وبعد دقائق من نزوله تذكر أنه نسى سماعات الرأس والشاحن المنقول لمحموله فقرر أن يرجع إلى البيت لكي يحصل عليهم، لأنه لا يقدر على الاستغناء عنهم ولو قليلًا لبعض السويعات.

أخذ محمود أشياءه ونزل مُسرعًا كي يلحق بأصدقائه، وهو يسير يلاحظ عدة مشاهد، من أهمها مشهد لأم وابنتها يبحثان في القمامة عن طعام أو شراب لهما، وكل ما يفعله محمود هو غض النظر عنهما كيلا يشمئز من المشهد، هذا الفعل أسهل عليه بالتأكيد من أن يتوقف ولو لدقيقة واحدة كي يساعدهما بأية وسيلة ممكنة، ولو بكلمة طيبة ، فلعل هذه الكلمة تساعدهم على مواصلة المسير في هذه الدنيا، ومشهد آخر عبارة عن رجل يبحث هنا وهناك عن فصيلة دم نادرة لابنه، ويُصادف أن محمود يمتلك هذه الفصيلة النادرة، فما كان لمحمود الا أن غض النظر أيضًا عن هذا الرجل، ويُبرر محمود فعله لنفسه بأن ما الفائدة المادية التي ستعود عليّ عندما اتبرع بالدم ؟ ولماذا أنا الذي يتبرع؟ فليبحث عن غيري. ومشهد آخر عبارة عن امرأة عجوز تُريد أن تعبر الطريق واستنجدت به كي يُساعدها على العبور، لكنه زاد من سرعة خطواته وأوهم نفسه بأنه لم يسمع أحدًا يُنادي عليه. ومشهد آخر وآخر وآخر، مشاهد كثيرة متعددة كلها تُنادي الإنسان كي يفعل الخير، كلها تحث الإنسان على التكامل ولكي يُصبح أفضل من ذي قبل.

كثيرون هم الذين مثل محمود في مجتمعنا، عقلهم فارغ، فهم يهتمون بتوافه الأمور، ويُحبون أنفسهم كثيرًا، ودائمًا ما يُفضّلون مصلحتهم الشخصية، ويعتبرون أنهم مُستحقون للحالة المادية التي هم عليها، وأن الفقراء لا حق لهم عليهم، وأن مثل هذه الأفعال الخيرية ليسوا بحاجة إلى فعلها.

كثيرون هم الذين مثل محمود، يستيقظون كل يوم من النوم كي يفعلوا ما يفعلونه كل يوم، تمر الأيام والأسابيع والشهور ولا يُغيرون في سلوكياتهم أي شيء على الإطلاق، وكأنهم عبارة عن مجموعة من (الزومبي) يتحركون بدون وعي وبدون أن يعقلوا أفعالهم، فكيف هذا والإنسان أسمى من أن تكون أفعاله عشوائية؟ وأن تكون أفعاله بدون غاية حقيقية؟ وأن يفعل ما يفعل بدون أن يتسائل لماذا يفعل هذا الفعل؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فما يميز الإنسان في هذه الدنيا هو القدرة على الاختيار، وهذه القدرة آتية من امتلاكه للجانب المادي وهو الجسد وامتلاكه للجانب المعنوي وهو العقل – بشكل بسيط -، واستعمال الإنسان لعقله وجعله الحاكم والمسيطر هو ما يجعله إنسانًا بالفعل، ومن أهم وظائف العقل التساؤل، التساؤل عن الأفكار والسلوكيات، التساؤل في كل شيء مهمًا كان أو غير مهم، فيتسائل الإنسان دائمًا لكي يبحث عن الحقيقة، فتعطيل هذه الوظيفة من العقل -وهو ما يُميزك- يجعلك تتساوى مع منْ ليس له عقل كالحيوانات، بل حتى أسوأ، لأنك منْ اخترت تعطيل وظيفة أساسية ومهمة من وظائف العقل، بعكس المخلوقات التي ليس لديها عقل، فهي معذورة لأنها مجبورة .

كذلك يحث العقل السليم دائمًا على مساعدة الغير، وفعل الخير – بشكل عام – في أي زمان ومكان وبأي وسيلة صحيحة ممكنة، ودائمًا في مواقف فعل الخيرات يقع الاختيار ما بين عدم الفعل لأن هذا الفعل لن يعود عليك بأية فائدة مادية، وبين فعل الفعل لأنه يعود عليك بفوائد معنوية كثيرة، فتختار بين أن تتبع عقلك السليم وهو ما يميزك – كما ذكرنا -، أو ألا تتبعه.

وللعقل فضيلة وهي الحكمة، وهي أن تضع الشيء في موضعه، وأن تهتم بأعاظم الأمور عن التافه منها، فلا تأخذ الأمور التافهة حيزًا كبيرًا من تفكيرك وتترك المهم والأهم.

إذًا إن كانت الغالبية في أي مجتمع هم منْ يسيرون في الدنيا على وتيرة محمود، فكيف لهذا المجتمع أن ينهض من غفلته؟ ومتى يتخلى أفراده عن فرديتهم وأنانيتهم؟ ففي هذه الحالة لن يُصبح المجتمع أفضل، إلا عندما يكتسب أفراده ملكة التساؤل، فيعرفون أين موقعهم الآن، وإلى أين هم ذاهبون، لن يُصبح المجتمع أفضل إلا عندما يتحرك أفراده كالكتلة الواحدة، ويدركون أن مساعدة غيرهم فيه تكامل لهم ولمجتمعهم، وأن هذه المساعدة ليست كالأمور الاختيارية على الإطلاق، بل مطلوبة بالذات وواجبة على كل فرد في المجتمع على قدر استطاعته.

اقرأ أيضا:

الحرية الشخصية بين التحرر والاستعباد.. ماذا يعني أن أكون حراً ؟

لُب الزيتونة

الشباب وكسر التابوه – هل الحركات الشبابية قادرة على التغيير في المجتمع؟

خالد حسام

عضو فريق مشروعنا بالعقل نبدأ المنصورة